تواصل معنا

آخر الأخبار

ملف الموظفين الأشباح ينتظر الحكومة الجديدة بالمغرب

يستمرُّ مسلسلُ إهدار الميزانية العامة للدولة مع تفشّي ظاهرة (المُوظّفين الأشباح) بالمغرب، حيث تصل بسببها خسائر الدولة إلى أكثر من 10 مليارات درهم سنويًّا. وسبق لمحمد بن عبد القادر، الوزير السابق المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، أن كشف عن تقرير أعدته الوزارة يتضمّن حصيلة تنفيذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بالتغيب غير المشروع عن العمل.

وفي غياب رقم دقيق لعددٍ الموظفين الأشباح، تشير تقارير صحفيّة إلى وجود نحو 100 ألفِ موظف شبح في الإدارات العموميَّة، ينتمون إلى القطاع العام، وهم موظفون فوق العادة يتلقون رواتبهم على رأس كلّ شهر، لكن لا يعرفون حتَّى مقرَّات عملهم، وبالتالي لا يقومون بأيِّ مهمة لاستحقاق رواتبهم. واستنادًا إلى هَذَا المفهوم، نجد أنَّ المُوظّف الشبح يطلق على: كلّ شخص يستفيد من وضعية إداريّة طبيعيّة، ويتوصل بأجرة ومستحقات، دون أداء أي مُهمّة مقابل ذلك؛ نظرًا لغيابه المتكرر. وهنا تبرز ثلاث محدّدات:

1-الأداء الوظيفي. 2- التخلّي عن العمل أو الاستمرارية في الغياب دون عذر مقبول. 3- عدم القيام بأيّ مهمة مقابل الأجرة الممنوحة.

وفي ذات السياق، يشكل هَؤُلَاءِ عبئًا ثقيلًا على ميزانية الدولة، دون أن يُقدّموا للمجتمع أيَّ خدمة تذكر؛ يصابون بالخمول ويختفون في لمح البصر، وقد تجدهم في أيِّ مكان غير مكاتبهم أو مقرَّات عملهم، وفي جميع الأماكن الَّتِي قد يحرمك منها العمل، ورغم ذلك لا تطالهم المسطرة المعتمدة في ضبط المتغيّبين، ولا تطبق عليهم أحكام القانون (12.81) المتعلق بالاقتطاع من رواتب موظفي وأعوان الدولة المتغيّبين عن العمل بصفة غير مشروعة. رغم ذلك فإنَّهم يستفيدون من الترقي ويسارعون إلى الحصول على منح وتعويضات الأعياد والمناسبات وتنقيط لا يقل عن (20 /20) ويحتجون ويلوحون بيافطة النقابة إذا جرى تنقيطهم أقل من ذلك.

ويرى مراقبون، أنهم (أي الموظفون الأشباح) جزءٌ لا يتجزَّأ من الفساد واقتصاد الريع بفعل المحاباة والريع السياسي، حيث أصبح المسؤول الَّذِي يحارب الفساد محاصرًا بين مطرقة تعرّضه لاستفزازات نقابيَّة من جهة وسندان تدخلات الرؤساء المباشرين من جهة ثانية.

وبات من المفروض على الحكومة الجديدة إعطاء المزيد من الاهتمام للفئات العاملة، خصوصًا ما يتعلق بقضية المُوظّفين الأشباح، الَّذِينَ يتلقون أجورًا دون القيام بأدنى عمل، حيث تصرف الدولة أجورًا لموظفين لا يخضعون لمنطق عدد الساعات القانونية مقابل الأجر. أضف إلى ذلك تنامي ظاهرة شبيهة يمكن تسميتها «نصف الشبحية» حيث يكتفي بعضُ المُوظّفين بتسجيل التحاقهم الشكلي بمقرَّات عملهم ليغادروها بعد برهة إلى وجهات أخرى ما يُسمّى بـ«موظفو الظهور والاختفاء» أو (موظفو شوفوني ها أنا جيت) وهو ما يبرز بجلاء فشل ما يُسمّى نظام «البوانتاج الآلي» في الإدارة. بينما أعلنت الوزارة المعنية أنه جرى طرد ما يقرب عن 3400 موظف شبح في الفترة الممتدة بين 2012 و2017، وهو رقم ضعيف بالمقارنة مع ما يُتداول من أرقام.

ومن الملاحظ، أنَّ أكثر الفئات الَّتِي تتغيّب عن العمل بشكل مُتكرّر، تنتمي إلى قطاعات ذات صبغة اجتماعية، ثقافيّة كقطاع الشباب والرياضة والثقافة، خصوصًا دور الشباب والخزانات العمومية وبعض المعاهد ووزارة الأسرة والتضامن والتعاون الوطني، وكذلك الجماعات الترابية؛ خصوصًا في مصالح بعينها قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالمواطن، حيث لا يمكن أن يظهر فراغ المصلحة من المُوظّفين، وأصبح الحصول على راتب من الدولة دون مقابل شبه حقّ.

من جهة أخرى، أصبح اهتمام فعاليات المجتمع المدني وبعض الباحثين والمهتمين بتدبير الموارد البشرية بالموضوع متزايدًا، ما استوجب مقاربة هَذِهِ الظاهرة المركبة ودراستها من زوايا سويولوجية وسيكولوجية واقتصادية معمقة.

إن إصلاح الإدارة وتخليق الحياة الإداريّة وترشيد النفقات، لا يقتضي فقط قرارًا شجاعًا من المسؤول ووجود منظومة قانونيّة، بل أيضًا إعطاء الاهتمام اللازم بالعنصر البشريّ ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب للقضاء على هَذِهِ الظاهرة في المستقبل ولمحاربة المحسوبية والمحاباة أو تواطؤ بعض الرؤساء المباشرين، الَّذِينَ لا يحركون ساكنًا طول مدة غياب الموظف وما له من ارتباط بقيام الموظف الشبح بمهامّ أخرى إضافية من أجل دخل آخر، ما يتعارض في أغلب الحالات وقانون الوظيفة العمومية.

إن القضاء على هَذَا التسيّب، الحاصل في قطاع الإدارة العمومية، يستدعي أوّلًا، يقظة الضمير لدى المُوظّف وإحساسه بعواقب مثل هَذِهِ التصرفات على مستقبل وتقدم وطنه؛ لأنَّ التغيب عن العمل، خارج ما يسمح به القانون، غشٌّ، والمال الَّذِي يتقاضاه أي موظف عن ساعات لم يشتغلها بالفعل، هو مال ليس من حقه. كما ينبغي أيضًا توفير الحماية للرؤساء المباشرين للمُوظّف من استفزازات النقابات (علما أنَّ هَؤُلَاءِ الموظفين الأشباح غالبًا ما يستظلون بمظلة النقابات) وتدخلات من هم أعلى درجة في التسلسل الإداري قصد تمكينهم من إعمال القانون.

ولعلَّ أبرز نتيجة ستكون لمحاربة هَذِهِ الظاهرة، هي توفير وخلق فرص عمل وآلاف الوظائف لفائدة العاطلين عن العمل، خصوصًا أنَّ نسبة البطالة سجَّلت معدلات قياسية في السنوات الأخيرة، وهي حقيقة لا يمكن طمسُها، لا سيَّما أنَّ الدولة شيَّدت منشآت ثقافيَّة ورياضيَّة وصحيَّة واجتماعيَّة كبرى بميزانيات كبيرة، غير أنَّ غياب الإمكانات لخلق مناصب مالية جديدة كان عائقًا أمام افتتاح تلك المرافق العموميّة لتقديم خدماتها للمواطنين. فهل ستتحمل الحكومة الجديدة مسؤوليتها في محاربة هَذِهِ الظاهرة لبناء مغرب قوي بإدارة يتمتّع موظفوها بحسّ الوطنيَّة الصادقة وروح المسؤولية؟

تابعنا على الفيسبوك