تواصل معنا

في الواجهة

حصّاد أصبح وزيرًا للداخلية واليعقوبي إلى الرباط ومهيدية للدار البيضاء هكذا أصبحت طنجة «الامتحان الملكي» للولاة قبل توليهم مسؤوليات حساسة

أصبح يونس التازي، الوالي الخامس المُعين من طرف الملك محمد السادس، الَّذِي يتولّى مهمّة الجهة الشمالية للمملكة، فقبله كان محمد حلاب ومحمد حصّاد واليين على التوالي لجهة طنجة تطوان، ثم أتى محمد اليعقوبي خلفهما، وجدَّد فيها العاهل المغربي الثقة ليكون واليًا على جهة طنجة تطوان الحسيمة بعد التقسيم الجديد للجهات، قبل أن يخلفه محمّد مهيدية.

والملاحظ أنّه خلال هَذِهِ الفترة، كانت طنجة منطلقًا للعديد من الولاة لتولّي مسؤوليات أكبر، وإن كان هَذَا الأمر لا يبرز بشكل واضح مع الوالي حلّاب، الَّذِي انتقل منها إلى وزارة الداخلية مُكلفًا بالترويج الوطني، قبل أن يصبح بعدها بـ4 سنوات واليًا على جهة الدار البيضاء الكبرى، فإنّ الأمر برز بجلاء مع حصّاد واليعقوبي ومهيدية، الَّتِي كانت أقاليم الجهة امتحانًا لهم قبل، تقلد مهامّ أخرى تحظى بعناية ملكية فائقة.

  • حصّاد.. من طنجة إلى وزارة الداخلية

عندما حلَّ الوالي محمد حصاد بطنجة، سنة 2005، خلفًا لسلفه محمد حلّاب، ليكون ثاني والٍ لجهة طنجة تطوان، وعامل لعمالة طنجة أصيلة، يعين من طرف الملك محمد السادس، لم يكن يتوقع أنَّ المقام سيطول به لما يناهز 7 سنوات ونصف بالمدينة، وسيكون أحد الفاعلين الرئيسيّين في العديد من الملفات الشائكة والمفاجئة، كما سيكون الشخص المُكلّف بالإشراف على تنزيل الرؤية الملكية الخاصة بمدينة البوغاز، الَّتِي تُركّز على الاستفادة إلى أقصى درجة ممكنة من موقعها الجغرافي، الَّذِي يتيح إمكانيات نادرة، بما يعود بالنفع الاقتصادي على المنطقة الشمالية وعلى المملكة ككلّ.

وحصّاد، ابن مدينة تافراوت، وخريج المدرسة الوطنيّة للطرق والقناطر في باريس، لم يأتِ إلى مدينة طنجة إلا وهو يحمل تاريخًا طويلًا من المسؤوليات، فقد كان وزيرًا للأشغال العمومية والتكوين المهني وتكوين الأطر، خلال الفترة ما بين نونبر 1993 ويناير 1995، قبل أن يُعين رئيسًا ومديرًا عاما للخطوط الملكية المغربيّة، الَّتِي عمَّر فيها ما يقارب 6 سنوات ونصف، أمَّا مهمته الأولى ضمن سلك الولاة فكانت سنة 2001، عندما عُين واليًا لجهة مراكش تانسيفت الحوز، عاملًا على عمالة مراكش.

وكان مجيء حصّاد إلى طنجة -خلال هَذِهِ الظرفية- يعني أنّه سيكون المسؤولَ الأوَّل على عدّة مشاريع، وفي مقدمتها مشروع ميناء طنجة المتوسطي، الَّذِي أراد له الملك أن يكون مركبًا مينائيًا ضخمًا، يُغيّر وجه المغرب الاقتصاديّ، ويجعل منه رقمًا صعبًا على مستوى التجارة الدولية والخِدْمات اللوجيستيكية، إلى جانب تحويله إلى منصة صناعية من بين الأهم إقليميًّا، دون نسيان الفكرة الأساسية الَّتِي هي إخراج منطقة الشمال من التهميش، الَّذِي طالها لعقود، وهو أمر أكّده العاهل المغربي -بشكل واضح- في خطابه المعلن عن المشروع في 2002، إذ قال إن من شأن مستواه الدولي وارتباطه بمناطق حرة، «تمكين الأقاليم الشمالية من تحقيق إرادتنا في فكّ عزلتها وتنميتها الشاملة، ومن انخراط المغرب كفاعلٍ وشريكٍ في المبادلات الاقتصاديّة الدوليَّة».

لكنَّ مشروع الميناء المتوسطي، الَّذِي افتتحت أبوابه سنة 2007، لم يكن الورش الاستراتيجي الوحيد الَّذِي على حصّاد تدبيره، فإلى جانبه، كانت هناك مشاريع أخرى، أهمّها مصنع رونو طنجة، الَّذِي أراد -من خلاله المغرب- دخول عالم صناعة السيّارات من الباب الكبير، وهو ما كان، فهَذَا المشروع، رأى النور في فبراير من سنة 2012، أي قبل 4 أشهر فقط من مغادرته نحو منصبه الجديد، الَّذِي لم يكن إلا تعيينه في منصب رئيس مجلس الرقابة بالوكالة الخاصة طنجة المتوسط، بعد 7 سنوات ونصف قضاها كوالٍ للجهة.

لكن قبل ذلك، كان على حصّاد أن يُواجه العديد من المحطّات الحارقة في مسيرته، فالرجل الَّذِي ظلَّ لسنوات ملاحقًا باتّهامات تتعلق بسوء تدبير ملفات كثيرة ذات حساسية مثل العقار، بحكم انتشار مظاهر التعمير العشوائي، بشكل كبير، في عهده، ثم المساحات الغابويّة الَّتِي تقلّصت بشكل كبير أيضًا في أثناء فترة قضائه مهامّه، سيجد نفسه أمام امتحان خطير، هو حراك 20 فبراير 2011، إذ كانت مدينة البوغاز إحدى المراكز الاحتجاجيّة الرئيسية وقتها، وكان على الداخلية التعامل مع الأمر بكثير من الحذر، وحينها أظهر حصّاد وجهين من أوجه تعامله مع القضايا الأمنية الحسّاسة، الأول هو الوجه العنيف، لأنّه لم يتردد في العديد من المناسبة في مواجهة المحتجين بالقوّة، وأظهر أنه ابن مدرسة كلاسيكية تستخدم لغة الهراوات لضبط الأمور، أمّا من ناحية أخرى فقد أبدى أيضًا قدرة كبيرة على التفاوض، خصوصًا مع التنسيقية الداعمة للحركة، لدرجة تحديد مسارات العديد من المسيرات، حتّى لا تخرج الأمور عن السيطرة.

وربَّما يكون ذلك هو ما مهّد لوصول الرجل إلى المنصب الأكثر أهمية في مساره الإداريّ والسياسيّ معا، حين عُين سنة 2013 وزيرًا للداخلية بعد عام وشهر فقط قضاه في ميناء طنجة المتوسطي، وذلك عقب خروج حكومة عبد الإله بن كيران الثانية إلى حيّز الوجود، معلنةً عودة منصب وزير الداخلية بسرعة إلى «التكنوقراط» بعد فترة وجيزة ذهب فيها إلى مجند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وظلَّ حصّاد في هَذَا الموقع إلى غاية سنة 2017، حين أصبح وزيرًا للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، في حكومة سعد الدين العثماني، غير أنّه لم يعمر طويلًا هناك، حيث أنهى «الزلزال السياسي» المتمثّل في غضبة ملكية على مجموعة من الوزراء، بسبب أحداث إقليم الحسيمة، مسارَه السياسيَّ بشكل مفاجئ.

  • اليعقوبي.. من الشمال إلى العاصمة

كانت فترة الوالي محمد اليعقوبي، إحدى الفترات الحافلة في تاريخ مدينة طنجة، فالرجل طال مقامه فيها لزهاء 7 سنوات، كان -خلالها- الآمر الناهي، بضوء أخضر من القصر، في جملة من المشاريع الَّتِي بصمت المرحلة الانتقاليّة، الَّتِي عاشتها المدينة، الَّتِي غيَّرت ملامحها بشكلٍ جذريٍّ، في فترة كانت مهمّته الأساسية فيها هي الانتقال إلى المستوى الموالي في مجال التنمية، بعد أن استفادت طنجة، في عهد سلفه حصّاد من وضع أسس المشاريع الاقتصاديّة الكبرى، وحان الوقت لتصبح، كما أرادها الملك محمد السادس، واجهة المغرب الحضارية الَّتِي يستقبل بها أوروبّا، دون مركب نقص.

ووصل اليعقوبي إلى طنجة في سنة 2012، ليكون واليًا بالنيابة لجهة طنجة تطوان، عاملًا على عمالة طنجة أصيلة بالنيابة أيضًا، قبل أن يُثبّته الملك في منصبه شهر يناير من سنة 2014، ثم أصبح أوّل والٍ لجهة طنجة تطوان الحسيمة، وَفْق التقسيم الجديد للجهات بالمملكة، في أكتوبر من سنة 2015، دون أن يعلم أنَّ القدر كان يُخبئ له مفاجأة كبيرة وامتحانًا جسيمًا بسبب ذلك.

واليعقوبي، ابن مدينة بركان، الَّذِي حلَّ بطنجة وعمره 42 سنة، أتى إلى الأقاليم الشمالية للمملكة أبكر من ذلك، إذ عُيّن عاملًا لعمالة المضيق الفنيدق سنة 2005، وفي 2010 سيصبح عاملًا على تطوان، وهما التجربتان اللتان أبانتا أنَّ رجل السلطة الشاب الحاصل على دبلوم مهندس دولة في الهندسة المدنية من المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، قادر على تنزيل رؤية الملك للمنطقة على عدّة مستويات.

والحقيقة هي، أن وصول اليعقوبي إلى طنجة لم يكن اعتباطيًا، فمن جهة حضرت بقوة تجربته في مجال الموانئ، الضرورية للتعامل مع منطقة تضمُّ الميناء الأهم في المغرب وإفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، بعدما أدار منذ بداية التسعينيّات إلى بداية الألفينات موانئ أكادير وطانطان والعيون والجرف الأصفر، ثم كان مديرًا للمركز الجهوي للاستثمار لجهة دكالة عبدة منذ منتصف سنة 2002، قبل أن يُعيّن في سنة 2004 في نفس المنصب لكن بجهة طنجة تطوان.

وتمكُنُ اليعقوبي من مجالات الهندسة والموانئ والاستثمار، يُفسّر لماذا ائتمنه الملك على برنامج بقيمة 6.7 مليار درهم، ويتعلق الأمر ببرنامج طنجة الكبرى، الَّذِي تولّى عرضه أمام العاهل المغربي سنة 2013، على الرغم من أنَّ مؤسّسات منتخبة وقطاعات حكومية وجهات أخرى هي الَّتِي كان يقع عليها واجب تمويله، وهو ما كان يعني -بشكل واضح- أنَّ الملك اختاره للتخطيط لمشاريع البرنامج الممتد إلى غاية 2017، ثم لتنزيلها على أرض الواقع.

والمُؤكّد أنَّ اليعقوبي استطاع قيادة العديد من المشاريع إلى برَّ الأمان، منها تلك الَّتِي تدخل ضمن برنامج طنجة الكبرى، مثل البنى التحتية والمنشآت الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والرياضيّة، ومنها أخرى ذات بُعدٍ وطنيٍّ، خاصّةً ما يتعلق بخط القطار فائق السرعة طنجة-الدار البيضاء «البراق»، لكنه وجد نفسه أيضًا في مواجهة عدة اختبارات صعبة، خصوصًا ما يتعلق بالاحتجاجات الاجتماعية.

وكانت البداية في شهر أكتوبر من سنة 2015، حين خرجت أعداد قياسية من المحتجين في مدينة طنجة، بشكل يُذكّر باحتجاجات حراك 20 فبراير 2011، ضد الفواتير الملتهبة لشركة «أمانديس»، وطوال أسابيع كان الناس يطالبون برحيل الشركة عن المدينة ويطفؤون أنوار منازلهم ليعمَّ المدينة ظلام دامس في خطوة احتجاجية لفتت أنظار العالم، ولم ينتهِ الأمر إلا بعد أن تحرّك رئيس الحكومة حينها، عبد الإله بن كيران، مرفوقًا بوزير الداخلية محمد حصّاد، ونجح في تخفيف حدة الغضب بعد التعهّد بإجراءات سريعة، وإثر الاستعانة بالمنتمين إلى حزبه والمتعاطفين معه، الَّذِينَ كانوا قد حصلوا للتوّ على الأغلبية المطلقة في مجلس جماعة طنجة وكل مقاطعاتها.

أمَّا الامتحان الثاني، فهو حراك الريف سنة 2016، حين احتاج اليعقوبي لاستدعاء كلّ قدراته التواصلية والتفاوضية باعتباره واليًا على الجهة الَّتِي تضمّ إقليم الحسيمة، من أجل إطفاء لهيب الغضب، إثر مقتل الشاب محسن فكري، وطمأنة الناس إلى أن الإجراءات الهادفة لانتشال المنطقة من مشاكلها الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ستجد طريقَها للتنزيل العاجل، لكن نجاحه في هَذِهِ المهمة لم يكن واضحًا؛ لأنَّ الأمور تطوّرت فيما بعد إلى الأسوأ.

ومع ذلك، فإنَّ ثقة الملك محمد السادس في اليعقوبي استمرَّت، وفي سنة 2019 عينه واليًا على جهة الرباط سلا القنيطرة، عاملا لعمالة الرباط، ليُكرّر ما فعله في طنجة بالجهة الَّتِي تضمُّ عاصمة المملكة، الأمر الَّذِي نجح فيه بالفعل، بعد أن غيَّر وجه المدينة -بشكل جذري- وجعلها إحدى أجمل مدن المغرب، ولم تعد تلك المدينة الإدارية الجافة وفقط.

  • مهيدية.. نحو الدار البيضاء

لم يكن تعيين يونس التازي واليًا على جهة طنجة تطوان الحسيمة، عاملًا لعمالة طنجة أصيلة، من طرف الملك محمد السادس، يوم 19 أكتوبر 2023، هو الوحيد الَّذِي استأثر باهتمام الرأي العام المحلي والوطني، فالرجل الَّذِي غادر طنجة تاركًا مكانه للتازي، لم يكن إلا محمد مهيدية، الَّذِي عُين خلال المجلس الوزاري نفسه واليًا لجهة الدار البيضاء سطات، عاملًا على عمالة الدار البيضاء، ما يعني أنَّ العاهل المغربي وضع فيه ثقته للإشراف على العديد من المشاريع الَّتِي ينتظر أن تحتضنها العاصمة الاقتصاديّة للمملكة خلال الفترة المقبلة، بعدما كان الكثيرون يتوقعون أن الرجل سيُحال على التقاعد، وهو الَّذِي شارف على ربيعه السبعين.

وكانت الدار البيضاء، هي «هدية» عيد الميلاد للوالي مهيدية، فالرجل الَّذِي ازداد في 8 أكتوبر 1954 بمدينة سيدي قاسم، والحاصل على دبلوم مهندس دولة من المدرسة الوطنية العليا للمعادن في فرنسا في عام 1981، ودبلوم المعهد العالي للإسمنت المسلح بمرسيليا في عام 1982، اختتم مساره في طنجة، الممتدّ منذ فبراير من سنة 2019، بالحصول على ختم الثقة المولوي، ذلك أن مدينة الدار البيضاء كانت دائمًا محط أنظار العالم، وظلّت تبحث عن الوالي الَّذِي يستطيع إخراجها من الفوضى، الَّتِي توالت عليها طوال عقود، وهو ما سيتحمّله مهيدية على عاتقه في ظرف غير يسير، لأنَّنا نتحدث عن مدينة مرشحة لاحتضان نهائي كأس العالم 2030.

وخلف والي طنجة السابق، مسارًا طويلًا جدًا من المسؤوليات، انطلق من وزارة التجهيز والنقل في الثمانينيات، ومرّ من عدة محطات كان -خلالها- مسؤولًا عن الأشغال العمومية والطرق وعمليات التهيئة في التسعينيّات، قبل أن يصل إلى وزارة الداخلية في الألفينات، بعد فترة قصيرة نسبيًا من وصول الملك محمد السادس إلى العرش، حين عين عاملًا على الخميسات أواخر سنة 2002، ثُمّ على الحسيمة في 2007، قبل أن يصبح واليًا على جهة مراكش تانسيفت الحوز سنة 2010، ثُمّ على الجهة الشرقية منذ 2012 إلى 2017، ليصبح بعد ذلك واليًا على جهة الرباط سلا القنيطرة سنة 2017.

وفي 2019، عندما تبادل الأدوار مع الوالي محمد اليعقوبي، أتى إلى مدينة طنجة، وهو يعلم أنه سيكون مسؤولًا عن العديد من الملفات الكبرى، على صعيد الجهة بمختلف أقاليمها، وعلى مستوى المدينة الأكبر فيها بدرجة أولى، لكن مجيئه تزامن أيضًا مع جائحة (كوفيد -19)، الَّتِي عانت منها كثيرًا مدينة طنجة، خصوصًا بعد المرحلة الأولى من تخفيف الإجراءات الاحترازيّة، حين برزت المدينة العديد من البؤر الجماعية نتيجة قرار عودة النشاط الصناعيّ، وهو ما ذكر مهيدية بتحدٍ آخر وجب عليه الانتهاء منه، وهو المستشفى الجامعي الَّذِي عانى تأخرًا مزمنًا.

وفي نهاية المطاف، ترك مهيدية بصمةٍ واضحةٍ في طنجة، خصوصًا ما يتعلق بمشاريع إعادة تأهيل المدينة القديمة، ثُمّ الحرب على التعمير العشوائيّ، كما يتذكّر له سكّان المدينة مجهوداته، خلال احتضانها مباريات كأس العالم للأندية، بما في ذلك المباراة الافتتاحية، قبل أن يشدَّ الرحال إلى ولاية أخرى، ومدينة يراها الكثيرون، أنّها الأكثر تعقيدًا وأحوج ما تكون إلى خبرة رجل متمرس.

تابعنا على الفيسبوك