مجتمع
المحامية سعاد الرغيوي: التحرش ظاهرة تحتاج دراسة ومعالجة شاملة بداية بالتعرف على مسبباتها ثم البحث عن وسائل الحد منها

أعادت واقعة تعرّض فتاة للتحرش بكورنيش طنجة الأسبوع المنصرم، ولجوء المعتدي إلى توثيق فعله بكاميرا هاتفه، النقاشَ من جديد حول ظاهرة التحرّش الجنسي، خاصّةً أنَّ الحادث تكرَّر للمرّة الثانية على التوالي، في أقل من شهر، والكلّ يتذكّر واقعة تعرية شابة في الفضاء العام، وما رافقه من غضب شعبيّ عارم في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعالت حينها أصوات تطالب بمعاقبة الجناة؛ حتّى لا تتكرر مثل هَذِهِ السلوكيات، غير أنَّ تكرار الفعل وبنفس الطريقة تقريبًا يطرح عدّة تساؤلات بخصوص الدوافع الحقيقية الكامنة خلف هَذَا السلوك غير المقبول والمرفوض، في كلّ المجتمعات.
جريدة «لاديبيش الشمال» و موقع «لاديبيش 24» ومن خلال حوار مع الأستاذة سعاد الرغيوي، المحامية بهيئة تطوان، والناشطة النسائية والحقوقية بجهة الشمال، حاولت أن تُقرّب المجتمع من الظاهرة ومسبباتها وآثارها على المدى البعيد.
- في نظرك هل تُعدُّ واقعة التحرش في الفضاء العام الَّتِي شهدتها مدينة طنجة، على غرار باقي المدن المغربية الأخرى، نتاجًا خالصًا لنمط الثقافة السائد في المغرب؟ أم أنَّ لباس المرأة كما يقول البعض هو السبب؟
- التحرش بالنساء يتكرّر ويشمل ظاهرة، تتطلّب دراسةً ومعالجةً شاملة، بداية بالتعرف على مسبباتها ثُمّ البحث عن وسائل الحدّ منها، إن لم نقل القضاء عليها، في المغرب ما كان يعرف علينا أنَّنا شعب متسامح ومتقبل للآخر، مهما كانت ثقافته ففي سنوات الستينيّات والسبعينيّات والثمانينيّات من القرن الماضي، كان المغاربة أكثر انفتاحًا مما انعكس على الرؤية للمستقبل، واعتُبر اللباس العصريّ للنساء والرجال على السواء مظهرًا من مظاهر التقدّم. فيما بعد، ونتيجة التغيرات الجيوسياسية بالمنطقة العربية وصعود تيّارات، ليست محافظة -بقدر ما هي رجعية- تمكّنت من التأثير على شعوب المنطقة بواسطة الإعلام على الخصوص، عبر رسم صورة مثالية للماضي، وبالعودة لموضوع التحرّش لا يمكن أن نتحدّث عن نمط ثقافة، أو ثقافة تؤدي إلى التحرش، لأنَّ كلمة الثقافة لها حمولةٌ إيجابيّةٌ، ولا يمكن أن تتسبّب الثقافة في أيّ ظاهرة سلبية في المجتمع.
- لم يمضِ أكثر من شهر على واقعة تعرية فتاة بطنجة في الشارع العام، وما رافقه من نقاش مجتمعي كبير، انتهى باعتقال الفاعلين ليتكرر الحدث مرّة ثانية بنفس الطريقة ما السبب في نظرك؟
- التحرش هو نتاج عوامل عديدة، يمكن أن نوجزها في: الارتباط أو الحنين إلى ماضٍ مُتخيل، نعتبر أنّه كان أفضل من الحاضر، وكانت فيه النساء لا تخرج ولا تعمل (علمًا أنَّ النساء اشتغلن إلى جانب الرجال في كلّ المجالات تقريبًا على مر التاريخ في الحقول والمنازل وحتّى في ساحات الحروب..)، الاستيلاب الَّذِي تعرضت له أجيال مختلفة من طرف وسائل الإعلام بطريقة ممنهجة، الَّتِي ركَّزت على صورة مشوهة لدور المرأة في المجتمع، من انتقاص لإنسانيتها، ولمكانتها ولقدراتها، بطبيعة الحال هناك أيضًا تأثير التربية والتعليم، والوسط المجتمعي، وكذلك الظواهر السلبية الأخرى من هدر مدرسي وبطالة.
- هل هناك إجراءات يمكنها الحد من هَذِهِ الظاهرة؟
- لا بُدَّ من معالجة شمولية لظاهرة التحرش، تستحضر المسببات ونتصدّى لها، فإن كان الكتاب المدرسي عرف مراجعة حقوقية محمودة، فيجب أيضًا بذل المزيد من المجهودات فيما يتعلق بوسائل الإعلام وبنوعية البرامج وصورة المرأة فيها والفئات المستهدفة، كذلك يجب التركيز على تمكين وتكوين الموارد البشرية في كلّ المجالات من مقاربة حقوقية قائمة على المساواة بين كل أطياف المجتمع، إذ لا يكفي أن يكون الكتاب المدرسي مثلًا يتضمّن مبادئ المساواة، بل يجب أن يكون الأستاذ أو الأستاذة متمكنين ومقتنعين بها.
وفي الأخير يجب أن يُطبّق القانون بصرامة في مثل هَذِهِ الجرائم، ذلك أنّه مؤخرا أصبحت تتطور من تحرش إلى اعتداء جسديّ، وانتهاك للحقوق الشخصية عبر النشر عبر الوسائط الاجتماعية، وأيضًا تشكل اعتداء على الحريات الفرديّة في خرق صارخ للدستور والقانون.
