مقالات الرأي
حقوق رمضان المبارك

لا يختلف اثنان عن فضل الشَّهر المبارك في الدِّين الإسلامي ومدى الرَّمزية الرُّوحية، الَّتِي يمتاز بها عن سائر الشهور، إن لم نقل عن سائر الشعائر الدينيَّة، ويكفيه شرفًا وتعظيمًا أنّه الشهر الَّذِي أنزل فيه القرآن، وأنّه هو الشهر المُخصّص بالاسم في الذكر الحكيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ}، وهو شهرُ عبادةٍ وتعبّد وشهرُ عملٍ وكفاحٍ لا شهر نومٍ وكسلٍ، بحجة أنَّ الصَّوم ينقص من طاقة الإنسان ويضعف إنتاجه، فقد ورد في كتب التَّاريخ والسِّير، أنَّ أعظم المنجزات الإسلاميَّة تمّت في هَذَا الشهر المبارك، وأنَّ الهدف من فرضه على المسلمين أسوةً بمن كان قبلهم من أصحاب الملل والنِّحل {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
والتَّقوى ها هنا بمعنى الالتزام بفريضة الصِّيام، بما فيها من شروطٍ وقواعدَ، الَّتِي لخّصها العامة في الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة من وقت الفجر إلى آذان المغرب، وهو شرط أساس لا يصح الصِّيام إلا به، مثله مثل باقي الشُّروط الأخرى، الَّتِي حجبها الشَّرطُ الأكبرُ، وهي الإمساك عن اللَّغو والكذب وسائر الأفعال المنهي عنها في سائر الأيّام، والواجب التقيّد بها في الشَّهر الكريم، تعظيمًا وتشريفًا له ومن جملة هَذِهِ الواجبات؛ الإكثار من قراءة القرآن باعتبار أنَّ الشهر الفضيل هو الشَّهر الَّذِي نُزّل فيه على الرَّسول الكريم أوّل آية من القرآن، الإقبال على الله في السِّرّ والعلن المحافظة على الصَّلوات في وقتها، والإكثار من الذِّكر، وتجنّب الفحش من الكلام، والتقيّد بالأخلاق الحميدة. وكل هَذَا يدخل في إطار صون الحقوق الرَّمضانية وترسيخ قيم الفرح بالشَّهر الكريم الَّذِي يتذمر منه البعضُ، ويعلق عليه أسباب الغضب والفشل، وهي عادة يتقنها نفرٌ من النَّاس في هَذِهِ الأيّام المباركة.
من حقوق رمضان كذلك، التَّزين والتَّطهّر والاحتفاء بالأيّام الكريمة، وكأنها أيّامُ عيدٍ، وأن يُوازن المرء بين تمتيع النَّفس بملذاتها من الأكل والشَّراب موازنته للشَّعائر والعبادات، رمضان فرصةٌ لمصالحة النَّفس وفسحة إيمانيّة لتجديد العهد مع الخالق والفرح بشهر القرآن، لا يكون على الحال الَّتِي نرى عليها مجتمعنا اليوم من صيامٍ كصيام المكره، الَّذِي يُؤدّي هَذِهِ الشَّعيرة العظيمة، ليس تعبّدًا وتقرّبًا إلى الله، بل حيلةً منه وإرضاءً للنَّاس، وهَذَا يرفع من معدل التَّذمّر الَّذِي نلتمسه في غالبية النَّاس، خلال شهر رمضان، الَّتِي تزعج نفسها بصيام يضرّها أكثر مما ينفعها.
رمضان فرصة لمراجعة النَّفس وتهدئة الرُّوح وترتيب أوراق الحياة، وفي مقدمتها اليقين والعزم أنَّ ما تستصعبه الحياة هو هيّن عند الله بقليل من العمل والصَّبر.
عمر الحجي
