تواصل معنا

سياسة

المظاهرات التضامنية مع القضية الفلسطينية.. بين الإيمان والمصالح

تُعدُّ‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬القضايا‭ ‬السياسيَّة‭ ‬والإنسانيَّة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬يُنظّمها‭ ‬الإسلاميّون‭ ‬واليساريّون‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بهدف‭ ‬دعم‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬التضامن‭ ‬معهم‭.‬

ويرافق‭ ‬ارتفاع‭ ‬هذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬هذه‭ ‬المظاهرات‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة،‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شبهات‭ ‬الاستغلال‭ ‬الانتخابي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والضغوط‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬والاجتماعيَّة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الحماسة‭ ‬التي‭ ‬يبديها‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المظاهرات،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الكثيرين‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬قد‭ ‬تشوبها‭ ‬مآرب‭ ‬انتخابويَّة،‭ ‬بحيث‭ ‬تسعى‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬مشاعر‭ ‬الناس‭ ‬للترويج‭ ‬لأفكارهم‭ ‬السياسيَّة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬انتخابيَّة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬قضيَّة‭ ‬إنسانيَّة‭ ‬تتطلَّب‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬وتضامنًا‭ ‬حقيقيًّا‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات‭ ‬سواء‭ ‬الإسلاميَّة‭ ‬أو‭ ‬اليساريَّة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬استخدمت‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬كوسيلة‭ ‬لجذب‭ ‬الأنصار،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬جديَّة‭ ‬المطالبات‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬شعارات‭ ‬سياسيَّة‭ ‬تُستخدم‭ ‬في‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابيَّة‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يتهم‭ ‬بعض‭ ‬المتابعين‭ ‬الشأن‭ ‬المحلي‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬بتحميل‭ ‬بلدهم‭ ‬المغرب‭ ‬أعباء‭ ‬تتجاوز‭ ‬طاقتها،‭ ‬إذ‭ ‬يتمُّ‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬لاتِّخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬قويَّة‭ ‬تجاه‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬داخليَّة‭ ‬وخارجيَّة‭ ‬كبيرة‭.‬

وتتعلَّق‭ ‬هذه‭ ‬التحدّيات‭ ‬بقضايا‭ ‬سياسيَّة‭ ‬واقتصاديَّة‭ ‬واجتماعيَّة،‭ ‬مثل‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬وملف‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلية‭ ‬المحتلتين‭ ‬وملفات‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬المغربيَّة‭ ‬اتِّخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تصعيد‭ ‬الأوضاع‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يُعدُّ‭ ‬تحميل‭ ‬الدولة‭ ‬مسؤوليات‭ ‬إضافيَّة‭ ‬تجاه‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬خيارًا‭ ‬تعوزه‭ ‬الواقعيَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬القضايا‭ ‬الحيويَّة‭ ‬الوطنيَّة‭ ‬قبل‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مساعي‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬خارجيَّة‭.‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أيضًا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المظاهرات‭ ‬قد‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬وجعلت‭ ‬منها‭ ‬موضوعًا‭ ‬يتفاعل‭ ‬معه‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الفعاليات‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التضامن‭ ‬الشعبي‭ ‬مع‭ ‬مآسي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬عمق‭ ‬القضيَّة‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬المغربي‭.‬

ولطالما‭ ‬خلقت‭ ‬هذه‭ ‬المظاهرات‭ ‬التضامنيَّة‭ ‬فضاءً‭ ‬للنقاش‭ ‬بشأن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعيَّة،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬إغناء‭ ‬رصيد‭ ‬التفكير‭ ‬الجماعي‭ ‬حيال‭ ‬القضايا‭ ‬العربيَّة‭ ‬والإسلاميَّة‭ ‬المشتركة‭.‬

وتظل‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لتوجيه‭ ‬الجهود‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة،‭ ‬تتجاوز‭ ‬منطق‭ ‬الاستعراضات‭ ‬والشعارات،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تركز‭ ‬الجهود‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬حقيقيَّة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسيَّة‭ ‬المختلفة،‭ ‬والعمل‭ ‬بشكل‭ ‬منسق‭ ‬لدعم‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الانشغال‭ ‬بالمنافسات‭ ‬الداخليَّة‭.‬

إنَّ‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يتطلّب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المظاهرات،‭ ‬فهو‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مدروسة،‭ ‬تشمل‭ ‬دعم‭ ‬المشروعات‭ ‬التنمويَّة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المطالبات‭ ‬بالعدالة‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬تتضمن‭ ‬قضايانا‭ ‬المحليَّة‭ ‬كذلك،‭ ‬مثل‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬وتحسين‭ ‬الظروف‭ ‬المعيشيَّة‭ ‬للمواطنين‭.‬

إن‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬حركة‭ ‬سياسيَّة‭ ‬لدعم‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬المتطلبات‭ ‬الخارجيَّة‭ ‬والاحتياجات‭ ‬الوطنيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬قوي‭ ‬ومتماسك‭.‬

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬المظاهرات‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬عمومها‭ ‬قد‭ ‬حقَّقت‭ ‬بعض‭ ‬الأهداف،‭ ‬مثل‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التضامن‭ ‬الشعبي،‭ ‬ولكنَّها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬تصويب‭ ‬الجهود‭ ‬لتحقيق‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة‭.‬

إن‭ ‬دعم‭ ‬القضيَّة‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬يتطلّب‭ ‬تفانيًّا‭ ‬حقيقيًّا،‭ ‬ورؤية‭ ‬استراتيجيَّة،‭ ‬وضرورة‭ ‬العمل‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المنطق‭ ‬الاستعراضي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬الانتخابوي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬والسلام‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

تابعنا على الفيسبوك