إقتصاد
«هامشية» السكن الاقتصادي.. بين الواقع المأزوم والحلول الموعودة

لقد بات وصف «الأحياء الهامشيَّة» لا يقتصر فقط على المنازل الَّتِي تمَّ بناؤها بشكل عشوائي ودون ترخيص في غفلة من السلطات، بل تجاوز هَذِهِ الظاهرة إلى مُجمّعات السكن الاقتصادي الَّتِي أُنشئت في إطار سياسات حكوميَّة تهدف إلى توفير سكن مُيسّر للأسر ذات الدخل المحدود. غير أنَّ هَذِهِ المجمعات، الَّتِي كان يُفترض أن تكون حلًا للأزمة السكنيَّة، أصبحت تطرح مُشكلات أعمق وتنذر بتفجّر كوارث اجتماعيَّة وإنسانيَّة لا تقل خطورة عن تلك المرتبطة بالمنازل غير القانونيَّة.
السكن الاقتصادي، الَّذِي يُقدّم كحلٍ مُناسبٍ لمحدودي الدخل، يتمثَّل في مجمعات سكنيَّة ضخمة تحتوي على عددٍ هائلٍ من الشقق المُصمّمة بأسلوب يُمكن وصفه بالبسيط أو حتى «البدائي». شقق لا تتعدَّى مساحاتها في الغالب 50 إلى 70 مترًا مربعًا، تفتقر إلى العديد من المقومات الأساسيَّة الَّتِي تجعل الحياة داخلها مريحة، إذ يُعاني ساكنوها من ضيق المساحات، ونقص التهويَّة والإضاءة الطبيعيَّة المناسبة، ما يجعل العيش فيها أمرًا صعبًا على المدى الطويل. فهَذِهِ البنايات الكبيرة، الَّتِي تبدو كصناديقَ إسمنتيَّة متراصة بعضها فوق بعض، تُخلّف بيئة خانقة لا توفر للسكان أي نوع من الراحة أو الأمان.
ومن أكبر المشكلات الَّتِي تُواجه الساكنين في هَذِهِ المجمعات هي غياب الخصوصيَّة بسبب تصميم الشقق بشكل تكون فيه قريبة جدًا بعضها من بعض وهو ما يفضي إلى أن كل صوت، وكل حركة، تكون مسموعة بالنسبة للجيران، ما يُسبّب شعورًا بالاختناق وعدم الراحة. أضف إلى ذلك، أن كثيرا من هَذِهِ البنايات لا توفر أي مساحات خضراء أو فضاءات ترفيهيَّة، ما يجعل الأطفال والمراهقين يقضون أغلب وقتهم في الشوارع أو الأزقة المحيطة بالمجمعات، ويرفع من احتمالية وقوع مشكلات اجتماعيَّة وأمنيَّة.
الأمن كذلك قضيَّة أخرى تثير القلق في هَذِهِ المجمعات السكنيَّة. فرغم أنَّ بعض المجمعات قد تحتوي على مداخل محروسة أو أبواب إلكترونيَّة، فإنّ هَذِهِ الإجراءات غالبًا ما تكون شكلية وغير كافيَّة لحماية السكان.
وفي كثير من الحالات، تتفشى مظاهر الجريمة مثل السرقة والتخريب، بالإضافة إلى نشوء بؤر ظواهر اجتماعيَّة خطيرة نتيجة التكدّس السكاني وانعدام التوزيع الفعال.
فالمجمعات الَّتِي كان من المفترض أن تكون واحات للراحة والاستقرار أصبحت في كثيرٍ من الأحيان مرتعًا لمشكلات اجتماعيَّة تتعلّق بالتفكُّك الأسري، والانحرافات السلوكيَّة، وتعاطي المخدرات، وغيرها من المظاهر السلبيَّة.
ومن ناحيَّة أخرى، تُعدُّ مشكلات الصيانة وتدبير الأجزاء المشتركة قضيَّة مُلحّة في هَذِهِ المجمعات، في ظل غياب تنظيم محكم وفعّال، يتعرَّض السكان لمشكلات تتعلق بتدهور البنيَّة التحتيَّة، بدءًا من المصاعد الَّتِي تتعطلّ باستمرار، مرورًا بمشكلات في أنظمة الصرف الصحي، وصولًا إلى التصدعات في الجدران والأسقف الَّتِي قد تؤدي إلى انهيارات خطيرة في بعض الحالات.
وكثيرًا ما يعاني السكان من تجاهل الجهات المختصّة لمطالبهم بإصلاح هَذِهِ الأعطاب، ما يزيد من تدهور الحالة العامة لهَذِهِ البنايات ويُؤثّر سلبًا في جودة الحياة فيها، بعد أن كان من المفترض أن تشكل حلًا لمشكلة السكن، فأصبحت تعكس فشلًا في التخطيط الحضري والاجتماعي. فهي لم تأخذ في الاعتبار احتياجات السكان الحقيقيَّة من حيث الخصوصيَّة، الأمان، والراحة النفسيَّة، ومن خلال تقليص المساحات وخلق بيئة معيشيَّة مكتظة، إلا أنَّ هَذِهِ المجمعات تسهم في خلق مشكلات جديدة بدلًا من حل المشكلات القائمة.
إن ما يُسمّى بـ«الأحياء الهامشيَّة»، سواء كانت عشوائية أو مجمعات السكن الاقتصادي، تعكس الفجوة الكبيرة بين التخطيط العمراني والاحتياجات على الأرض، وهو يستوجب معه مراجعة سياسات السكن بشكل جاد، مع الأخذ في الاعتبار المعايير الحقيقيَّة لجودة الحياة. دون هَذِهِ المراجعة، ستظل هَذِهِ المجمعات، رغم تنظيمها القانوني، مجرد امتداد للأحياء الهامشيَّة بمشكلاتها العميقة وكوارثها الاجتماعيَّة الَّتِي تتفاقم يومًا بعد يوم.
