تواصل معنا

مقالات الرأي

جدال يسبق رمضان

ما إن تهبّ نسائم رمضان ويقترب الشهر الفضيل، تتوارى بين عامّة المسلمين إشكالات وأسئلة تتكرّر كلّ سنة من قبيل صحّة رؤية الهلال، وتوحيد الصيام في مختلف بقاع العالم، وأوقات الإمساك والإفطار، والأدوية المبطلة للصيام من غيرها، وباقي الأمور الَّتِي تخلق جدالًا يصلّ حدّه إلى المجاهرة بالإفطار العلني في الشهر المبارك، إشارة إلى أنَّ فريضة الصيام تُقلّص معدل الحرّيات، عند شريحة تعيش داخل المجتمعات الإسلاميّة، ولا تشتكي منه إلا في هَذَا الشهر من السنة كلها.

جدال لا يثبت فقط أنَّ العالم الإسلامي حبيسُ قضايا وأفكار لا تُبارحه على مرّ العصور، بل يظهر مدى الفرقة والاختلاف في قضايا أساسيّة لم تستطع جميع الهيئات معالجتها إلى يومنا هذا، وهي قضايا يمكن إثباتها علميًا وتجاوز هَذَا الخلاف العقيم الَّذِي لا يُشكّل أهمية كبرى مثل باقي القضايا الأخرى، ذات الارتباط بحقل العقيدة والعبادات والمعاملات، جدال يُفرّغ الشهر الكريم من محتوى روحانيته ويحوّله من شهر عبادة إلى شهر عادة.

إن تفضيل الأيّام المعدودات لرمضان عن سائر الأيام الأخرى، باعتباره خيرَ الشهور يحتمّ على المسلمين جميعًا، أن يستعدّوا لهَذَا الشهر المبارك استعدادَ عبادة من تاخٍ وتراحمٍ ومحبةٍ وإقامة الشعائر المفروضة والسنن المُحبّبة، الَّتِي يتميّز بها رمضان عن باقي الأيّام، تشريفًا وتعظيمًا للمكلف بالصيام الممتثل لقول الباري سبحانه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

مجموعة وصايا وقيم تُظهر فضل الشهر الكريم، وأيضًا المنهج المتبع فيه من رؤية الهلال ورخص الإفطار، والمقصد الأسمى من هَذِهِ الفريضة ومدتها والتبشير بأجرها وثوابها.

قيم تبددت مع حدة الخلاف والجدال عند بعض الفئات الَّتِي حوّلت بسلوكها شهر العبادة إلى شهر العادة، وحصرت شهر الصيام في الحديث عن الأمور الاستثنائية الأخرى.

رمضان فرصةٌ للتائبين وملاذٌ للغائبين عن الطاعات، وهو تجديد للعهد على الاستقامة وضبط النفس وشهواتها، وتأكيدٌ لها أن إقامة الشعائر، تختلف في هَذَا الشهر الكريم لا لشيء سوى لاشتياق الروح بين الغفلة والغفلة إلى خالقها وأنّ الراحة النفسية لا تكمن في حلّ جدال ولا خلاف حول شهر أجمعت الأمة على أنّه شهر خير من ألف شهر.

تابعنا على الفيسبوك