آخر الأخبار
الدخول المدرسي بطنجة.. جشع المؤسسات «التعليمية الخاصة» والتهاب أسعار الأدوات المدرسية

مع بداية كلّ موسم دراسي، يجد الآباء وأولياء الأمور أنفسهم في مواجهة تكاليف اللوازم المدرسيّة، الَّتِي شهدت هَذِهِ السنة كما كان منتظرًا ارتفاعًا مهولًا.
فبداية الموسم الدراسي والاجتماعي يكون صعبًا للغاية، لعدّة عوامل، خصوصًا أنّه يأتي قبل أيّام قليلة فقط على انتهاء الموسم الصيفي، وسبقه أيضًا عيد الأضحى الأمر الَّذِي يثقل كاهل الآباء وأولياء الأمور، ويجعل من مرحلة الدخول المدرسي من أصعب المراحل الَّتِي يعيشها الإنسان كلّ سنة.
فغالبية الآباء -الَّذِينَ يجدون أنفسهم رهيني جدلية اقتناء المستلزمات الأساسية للدراسة وتلبية رغبات الأطفال- يسعون بشكلٍ أو آخر إلى التقليص من تكاليف الَّتِي تثقل كاهلهم أكثر فأكثر، فغالبيتهم -إن لم نقل جُلّهم- يعتبرون شتنبر شهر التكاليف بامتياز؛ بالنظر لما يتطلبه الدخول المدرسي من نفقاتٍ كبيرةٍ ومتزايدة سنة تلو أخرى.
ووَفْق دراسة أشرفت عليها المندوبية السامية للتخطيط حول إجمالي إنفاق الأسر المغربية على تعليم أبنائها، فإنَّ ما يزيد قليلًا عن 6 أسر مغربية من أصل 10 (61، 5 في المئة) لديها أطفال في المدارس، وأنَّ كل واحدة من هَذِهِ الأسر أنفقت على تعليم أبنائها، على جميع المستويات الدراسية، ما مجموعه 4356 درهمًا في المتوسط، ما يُمثّل 4، 8 في المئة من حجم ميزانيتها السنوية.
وتُؤكّد الدراسة ذاتها، المستندة إلى البحث الوطني حول مصادر الدخل الَّذِي أجري بين سنتي 2019 و2020، أن هَذِهِ النفقات تتزايد من سنة إلى أخرى، وتُعدُّ أكثر تكلفة في التعليم الخصوصي.
وحسب المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، الخاصة بنتائج بحث الظرفية لدى الأسر برسم الفصل الثاني من سنة 2023، فإنَّ الأسر تواجه هَذِهِ السنة ارتفاعًا في الميزانيات المُخصّصة للأدوات المدرسية، خاصّةً المنتجات الورقية، نظرًا لما يمليه السياق الاقتصادي العالمي، أخذًا في الاعتبار أن أزيد من 60، 6 في المئة مقابل 3، 3 في المئة من الأسر صرحت بأن وضعيتها المالية قد تدهورت خلال 12 شهرًا الأخيرة.
جريدة «لاديبيش» الأسبوعية، حاولت رصد مقاربة الدخول المدرسي لدى الأسر المغربية بمدينة طنجة، حيث سُجّل استمرار ارتفاع ملحوظ في إقبال الآباء على المدارس والمؤسّسات الخاصة بجميع مستوياتها، رغم ارتفاع كلف التمدرس بها، لكن ظروف الحياة تفرض على غالبيتهم اختيار التعليم الخصوصي، فالاختيار غير قائم على الجودة بقدر ما هو قائم على ما يلائم الآباء.
في هَذَا الخصوص، يؤكد عبد الكريم بلافريج، في تصريح خصّ به جريدة «لاديبيش»، أنَّ التكاليف المدرسية تزداد كل سنة، فالدخول المدرسي الحالي كان مكلفًا أكثر مما هو متوقع، زيادة في الكتب والدفاتر والأدوات، بشكل لا يُلائم دخل العادي والمتوسط للمواطنين.
بلافريج، وهو أب لثلاثة أطفال يدرس أولاده بمؤسّسة تعليميَّة خصوصية، يؤكد أنَّ تكاليف الكتب والمحفظة والأدوات المطلوبة لكلّ طفلٍ أو تلميذٍ وصلت لـ1850 درهمًا، بالإضافة إلى مصاريف التسجيل والدراسة والنقل، إذ وصلت لكل تلميذ 4000 درهم.
بلافريج يواصل حديثه لجريدتنا، الظروف هي من فرضت علينا هَذَا الاختيار، فأنا أعمل كتاجرٍ طوال اليوم وزوجتي تشتغل من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية السادسة مساءً، الأمر الَّذِي يجعلنا نُفكّر في التعليم الخصوصي، هَذِهِ فقط دوافعنا، أم جودة التعليم فلا أظنُّ أنَّ التعليمَ الخصوصي أحسنُ جودةٍ من التعليم العمومي، فالنقط الَّتِي يتحصل عليها التلاميذ بالمدرسة الخصوصية لا يمكن الحصول عليها في أي مكان، لهَذَا فأنت مضطر إلى مواكبة أطفالك مع دعمهم.
غلاء الكتب والأدوات المدرسية، تُؤكّده فتيحة صاحبة إحدى المكتبات بمدينة طنجة، في تصريح خصّت به جريدة «لاديبيش»، قائلة: إنَّ الدخول المدرسي الحالي يُعدُّ حارقًا وصعبًا للغاية على الآباء، فعدد منهم عندما يسمعون فاتورة الخاصة بالتلميذ الواحد يصطدمون. وأضافت: أن تلميذًا واحدًا في مستوى الابتدائي دون اقتناء المحفظة يصل ثمن المقرر الدراسي والأدوات إلى 900 درهم، أما تلميذ يدرس في مؤسّسة خصوصية، يصل ثمن الأدوات والمقرر دون محفظة مدرسية إلى 1500 درهم، وهو أمر صعبٌ للغاية. وأشارت إلى أنّه لم يلاحظ أي تراجع في الطلب على الكتب المدرسية «لأن الأسر لا تملك خيارًا آخر سوى اقتنائها»، مؤكدةً أنَّ الآباء يبحثون عن طُرقٍ أخرى للتقليص من التكاليف. وأشارت فتيحة في هَذَا الصدد، إلى أنَّ «العديد من الآباء وأولياء الأمور امتنعوا عن اقتناء الحقائب المدرسية هَذِهِ السنة وأعادوا استخدام عدّة لوازم دراسية أخرى من أجل التقليل من النفقات، ما يُؤثّر في مُستويات مبيعات بعض المنتجات». ومن جهة أخرى، أكَّدت أنَّ الدخول المدرسي يُعدُّ الفترة الأفضل بالنسبة للناشرين وأصحاب المكتبات، موضحةً أنَّ «منتجات الدخول المدرسي تهيمن على المبيعات، حيث يُشكّل رقم المعاملات المُحقّق خلال شهر شتنبر أزيد من ثلاثة أضعاف أي شهر آخر من السنة». حميد أكَّد، وهو شخص يعمل بإحدى المطبعات خاصة بالكتب المدرسية، أنَّ بعض الكتب غير متوافرة في الأسواق لحدود الساعة، لكن ستتوافر في وقت لاحق. ويضيف ذات المتحدث لجريدة «لاديبيش»، أنَّ الدخول المدرسي الحالي هو دخول صعب للغاية؛ نظرا للأثمنة الملتهبة والمرتفعة، خصوصًا فيما يخص الأدوات المدرسية.
هَذَا وتشكل الأنشطة ومستلزمات الرسم والملابس المدرسية نفقات أخرى مُهمّة، تنضاف إليها الأجهزة الإلكترونية ومصاريف الربط بالإنترنت الَّتِي أضحت حاليًا من بين اللوازم الأساسية للمتعلمين.
وفي مواجهة هَذَا الواقع، يلجأ العديد من الآباء وأولياء الأمور إلى طُرقٍ مُتعدّدةٍ بهدف التقليص من النفقات الَّتِي يتطلبها الموسم الدراسي الجديد الَّذِي يأتي في سياق التضخّم الاقتصادي. وفي هَذَا الصدد، تقول عبلة المنحدرة من طنجة، وهي أمٌّ لأربعة أطفال «قمنا باستغلال فترة التخفيضات الصيفية لشراء الملابس المدرسية على غرار القمصان والبلوزات والأحذية الرياضية». وأضافت «نعتزم شراء الكتب وباقي المستلزمات المدرسية دون حضور الأطفال لتجنب النفقات غير الضرورية»، مبرزةً أنَّ الكتب المدرسية المستعملة «يمكن أن تشكل الخيار الأفضل بالنسبة لنا». وأشارت في هَذَا الصدد، إلى أن «عددًا من الآباء وأولياء الأمور امتنعوا عن اقتناء الحقائب المدرسية هَذِهِ السنة وأعادوا استخدام عدة لوازم دراسية أخرى من أجل التقليل من النفقات، ما يُؤثّر في مستويات مبيعات بعض المنتجات».
من جهتها، أكَّدت المتحدثة ذاتها، أنَّ الدخول المدرسي يُعدُّ الفترة الأفضل بالنسبة للناشرين وأصحاب المكتبات، موضحًا أنَّ «منتجات الدخول المدرسي تهيمن على المبيعات، إذ يُشكّل رقم المعاملات المُحقّق -خلال شهر شتنبر- أزيد من ثلاثة أضعاف أي شهر آخر من السنة». وإذا كان غالبية الآباء يُؤكّدون غلاء الكتب والأدوات المدرسية -الَّتِي فاقت قدرتهم الشرائية- فإنَّ غالبيتهم يشتكي «طغيان» أصحاب المؤسّسات التعليمية الخاصة، الَّتِي تفرض أشياءَ غير واقعية، سواء تعلق الأمر بالواجب الشهري، أم بمصاريف التسجيل أم بمستلزمات الدراسية المطلوبة، إذ تضطر عائلات التلاميذ من توفيرها حتّى يستطيع أبناؤها من مزاولة دراستهم.
في هَذَا الصدد يقول عبد الرحمان الصوبني، أب لطفلين يدرسان في إحدى المدارس أو المؤسسات الخاصة بمدينة طنجة، غريب ما يطالب به الآباء فغالبية المؤسسات التعليمية الخاصة بطنجة، يحاولون توفير أشياء أساسية لمؤسّساتهم على حساب أولياء الأمور، فالمناديل الورقية والمناديل الخاصة بالمراحيض والمناديل مبللة والصابون السائل وغيرها من الأشياء تجعلك تشعر وكأنك تقوم تجهيز مطبخك أو المرحاض، وليس بتلميذ يلج مؤسّسة تعليمية خاصة لمزاولة دراسته، وإذا حاول الإنسان تجاوز الأمر فإنّه يصطدم بمتطلبات غريبة متل علبتين من أوراق الفوطوكوبي وعلبة ملونة وملفات كرطونية وغيرها.
وإذا كان عبد الرحمان يشتكي من المتطلبات واللوازم المدرسية، فنفس الأمر تُؤكّده رحمة، وهي أم لها ثلاث بنات، يدرسن بإحدى المؤسّسات التعليمية بطنجة، وتجد نفسها ملزمة بتوفير جُلّ هَذِهِ اللوازم، من تأدية مصاريف التسجيل والواجب الشهري. وتُؤكّد رحمة في تصريح خصّت به الجريدة الأسبوعية «لاديبيش»، للأسف فرغم قيامنا بتوفير كل هَذِهِ المتطلبات واللوازم، فإنَّ جودة المنتوج التعليمي لا يليق، ولا يصل إلى المستوى المطلوب فبعض المدارس لا يوفرون التكوينات اللازمة لتطوير أداء أطرهم التعليمية، وهو شيء محزن حقًا.
وتضيف رحمة، أنَّ المؤسَّسات التعليمية يجب أن تكون إضافة نوعية في الحقل التعليمي، لا العكس، فالعكس حاصل بطنجة، وربَّما الأمر نفسه حاصل بجُلّ المؤسسات التعليمية بالمدن المغربية، وهَذَا لن يساعد نهائيًا على تطوير المنتوج التعليمي في ظلّ استمرار ضعف المؤسّسات التعليمية العمومية.
الجدير بالذكر، أنَّ نحو ثمانية ملايين تلميذ (ة) التحقوا بالأقسام بمناسبة الدخول المدرسي، إذ يتجدّد معه النقاش حول التحدّيات والمعيقات الَّتِي تعيق النهوض بالنظام التربوي، خصوصًا ملاءمة المناهج الدراسية مع متطلبات التنمية، والنقاشات المتعلقة بتدريس اللغات، وكذا تحسين العرض الوطني في مجال التكوين المهني.
