القانون والناس
رفع ضرر بضرر اكبر بين القانون المغربي وواقع الحال

إن كان المشرع المغربي في الاجتهادات القضائية الأخيرة عمل على تطبيق قاعدة؛ إذا اجتمع ضرران سقط أصغرهما لأكبرهما إذ لا ضرر ولا ضرار حسب ما جاد به قرار النقض عدد 884 ، حيث انه:”
صرحت المحكمة المصدرة للقرار بأن الطاعنة تعدت على جزء صغير من أرض الجار يصل إلى ثلاثة أمتار حسب الخبرة فقضت عليه بهدم البناء على الجزء المتجاور به، دون أن توازن بين ما سيلحق الطالبة من ضرر بهدم بنائها المتكون من ثلاث طوابق، والضرر اللاحق بالمطلوبين، ودون أن تأخذ بالقاعديتين الفقهيتين لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر لايزال بضرر أشد منه وإنما بما هو أخف منه، فإنها لم تضع لما قضت به أساس وعرضت قرارها للنقض.“
وحيث انه يستشف من القرار السالف الذكر ان المشرع المغربي عالج التعسف في استعمال الحق باستقلال عن الخطأ، وهذا راجع للإرتباط الموجود بين كل من الخطأ والتعسف في استعمال الحق والذي لا يعتبر إلا مظهرا من مظاهر الخطأ.
حيث إن المصلحة في إطار التعسف تتحقق، لكن إما بشكل خاطئ أو فاقد لضابط المشروعية. فالحق إذا كان استعماله من أجل جلب منفعة شخصية لصاحبه أمر لا جدال فيه ولو أدى إلى المساس بالغير، فإن هذا الحق رهين بأن لا يكون القصد منه سوى الاضرار بذاته، لأن ذلك من شأنه أن يجرده من المشروعية وهذا أمر مخالف للهدف من وراء استعمال الحق.
حيث انه وحسب مقتضيات الفصل 94 قانون الالتزامات والعقود فانه لا محل للمسؤولية المدنية إذا فعل شخص بغير قصد الإضرار ما كان له الحق في فعله، غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته، من غير أذى جسيم لصاحب الحق، فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه.
فان كانت المبادئ العامة تقضي بكون حق الملكية هو على وجه ما حق مطلق، يبيح للمالك أن ينتفع بالشئ، وأن يستعمله وفقا لهواه، ولكن استعمال هذا الحق، كاستعمال أي حق آخر يجب أن يكون حده هو استيفاء مصلحة جدية مشروعة، وأن مبادئ الأخلاق والعدالة لا تتعارض مع تأييد القضاء لدعوى يكون الباعث عليها رغبة شريرة، ترفع تحت سلطان شهوة خبيثة بدعوى لا يبررها أية منفعة شخصية كالاثراء بلا سبب وهي تلحق بالغير أذى جسيما.
حيث انه يثبت التعسف في مجال الملكية إذا كان صاحب الحق قد تجاوز في ممارسة حقه الحدود المألوفة. فإذا كان المشرع المغربي قد منع الجيران من أن يطلبوا إزالة الأضرار الناشئة عن الالتزامات العادية للجوار كالدخان الذي يتسرب من المداخن وغيره من المضار التي لا يمكن تجنبها والتي لا تتجاوز الحد المألوف، فهو قد سمح لهم بأن يطلبوا بإزالة الأضرار إذا تجاوزت الحدود المألوفة وذلك تطبيقا لنص المادة 91 من ق.ل.ع، حيث للجيران الحق في مواجهة أصحاب المحلات المضرة بالصحة أو المقلقة للراحة، كتربية الحيوانات المؤدية او استعمال أصوات مزعجة ميكانيك او غيرها، الحق في أن يطلبوا إما إزالة هذه المحلات، وإما إجراء ما يلزم فيها من التغيير للقضاء على الأضرار التي يتظلمون منها، ونص كذلك على أن الترخيص الصادر من السلطات المختصة لا يحول دون مباشرة هذا الحق. لكن اذا حكمت المحكمة بإزالة ضرر ابتدائيا واستنافيا واصبح هذا الحكم بمثابة حق مكتسب فكيف يمكن رفع الضرر عن الضرر المكتسب لقوة الشيء المقضي به؟ وهل يمكن ان تحكم المحكمة المصدرة للقرار بعكس القرار او ان توقف تنفيذ هذا الحكم ان تبينت لها الخطأ المرتكب في حق صاحب الحق الحقيقي؟ ام الحكم يبقى لصاحب الحكم عز وجل؟!…
