مضيق جبل طارق
رغم تراجعها الواضح.. الهجرة غير النظامية تتحدى الجائحة

عرفت عمليات الهجرة غير النظاميّة، بين ضفّتي مضيق جبل طارق، تراجعًا ملحوظًا في زمن الجائحة، يأتي هَذَا التطوّر في ظلّ تفشّي وباء (كوفيد -19) في إسبانيا، الَّتِي مرّت بأوقاتٍ عصيبةٍ جرَّاء تزايد أعداد المُصابين وارتفاع عدد الوفيات، الأمر الَّذِي جعلها تتصدّر، إلى جانب إيطاليا، قائمة الدول الأوروبيَّة الأكثر تضرّرًا.
كما سُجّل تراجعٌ في عدد محاولات التسلّل عبر سبتة المحتلة، الَّتِي تعيش هي الأخرى، على وقع تداعيات الجائحة، فضلًا عن الأزمة الَّتِي دخل فيها نشاطُها التجاريُّ، منذ قرار المغرب بالقطع مع ظاهرة التهريب المعيشي، الَّتِي كانت تدرّ على التجّار الإسبان أرباحًا طائلةً.
وحسب المعطيات المتوفرة، فقد أدَّى ظهور فيروس «كورونا» المستجد، وإغلاق الحدود بين البلدين وفرضهما حالة الطوارئ الصحية، دورًا كبيرًا في انحسار عمليات الهجرة غير النظامية، الَّتِي تراجعت بشكل قياسي وغير مسبوق، حيث لم تُسجّل سوى أرقام بسيطة، فيما يخص عدد المهاجرين الَّذِينَ هاجروا سرًّا إلى إسبانيا خلال ذروة تفشي الوباء.
كما أنَّ سوء الوضعية الاقتصاديَّة والوبائيَّة بإسبانيا، أدَّى إلى ثني معظم المغاربة الراغبين في الهجرة عن التفكير في مغامرة ركوب الأمواج للعبور نحو «الفردوس الأوروبيّ». وربط متابعون تراجع الظاهرة بالخوف من تبعات الإصابة بعدوى فيروس (كوفيد- 19)، دفع بالعديد من المهاجرين غير النظاميّين، خاصّةً الأفارقة من دول جنوب الصحراء إلى تأجيل محاولاتهم وفضّلوا المكوث بالمغرب إلى حين تحسّن الأوضاع في أوروبَّا، رغم معاناتهم ظروفًا صعبة تحت وطأة الجائحة وتبعاتها، الَّتِي فرضت عليهم -مثلما فرضت على المغاربة- التوقف الاضطراري عن ممارسة مهنٍ بسيطةٍ في الغالب في ظل غياب برامج للدعم الاجتماعي.
ورغم اعتباره محطة عبور، تحوّل المغرب –بشكل تدريجي– إلى بلد إقامة بالنسبة للعديد من المهاجرين الجنوب الصحراويّين، خاصّةً الَّذِينَ استفادوا من العملية الهادفة لتسوية أوضاع أزيد من 000 50 مهاجر، الَّتِي أطلقها المغرب منذ سنة 2013، فيما يُقدّر عددُ الموجودين في وضع غير نظامي بعدة آلاف معظمهم ينحدرون من بلدان غرب إفريقيا.
ويعمل جزء مهمّ منهم على سدّ رمقه من عائدات مهنٍ بسيطة، إمَّا كباعة متجولين أو حرَّاس للسيَّارات في الشوارع أو غيرها من أنشطة القطاع غير المهيكل، الَّذِي يُشكّل أكثر من 20% من الناتج الداخلي الخام للمغرب، الَّذِي لا يتوفر للعاملين به عقود عمل ولا ضمان اجتماعي. وحسب تقرير لوزارة الداخلية المغربية، فإنَّ السلطات الأمنيَّة «ضاعفت مجهوداتها للتصدّي للشبكات الإجراميّة الَّتِي تنشط في ميدان تهريب المهاجرين والاتّجار بالبشر، وذلك وَفْقًا للقوانين الجاري بها العمل».
وكشف التقرير، أنَّ المصالح المُختصّة تمكَّنت من إفشال 800 26 محاولة للهجرة غير النظامية خلال العام 2020، مع تفكيك أزيد من 196 شبكة إجرامية مُتوّرطة في أنشطة الاتّجار بالبشر. وأضاف التقرير: «أن الحكومة المغربية في أثناء معالجتها هَذِهِ الظاهرة، تُشجّع على الرجوع الطوعي للمهاجرين في وضعية غير قانونية، وذلك بالتعاون مع الهيئات الدبلوماسية لبلدانهم المعتمدة بالمغرب وفي ظروف تحترم حقوق وكرامة المهاجرين في وضعية غير قانونيّة، تضمن لهم العودة إلى بلدانهم في ظروف آمنة، تم تنظيم أزيد من 587 عملية رجوع طوعي».
ويرى مُتتبّعون لظاهرة الهجرة غير النظامية بين المغرب وإسبانيا، أنَّ تخفيف أو رفع حالة الطوارئ الصحية في إسبانيا وكذلك المغرب، تبعًا لتراجع حدّة جائحة فيروس «كورونا» في كلا البلدين، قد يؤدي إلى عودة نشاط الهجرة غير النظامية، وشبكات تهريب البشر بين البلدين.
