تواصل معنا

في الواجهة

راكموا نجاحات وإخفاقات.. لكن الكثيرين يمجدونهم لدرجة وصفهم بـ«أولياء الله!»

 سيناريو اليعقوبي ومهيدية يسبق الوالي التازي إلى طنجة.. ما سر السلطة المطلقة للولاة على المدينة؟

حمَّل المجلسُ الوزاريُّ، الَّذِي انعقد يوم 19 أكتوبر 2023 بالقصر الملكي بالرباط، تحت رئاسة الملك محمّد السادس، نبأ جديدًا لمدينة طنجة، حين عُيّن عامل تطوان السابق، يونس التازي، واليًا لجهة طنجة تطوان الحسيمة وعاملًا على عمالة طنجة أصيلة، في حين انتهت مهمّة الوالي محمد مهيدية، الَّذِي عمَّر في هَذَا المنصب لما يقارب 5 سنوات منذ 7 فبراير 2019، حيث عيّنه العاهل المغربي واليًا لجهة الدار البيضاء سطات، وعاملًا على عمالة الدار البيضاء.

وبذلك طوت مدينة طنجة صفحةً جديدةً من صفحات علاقتها بالولاة والعمّال، لتفتح أخرى مباشرة، وكما كان عليه الحال عندما غادر الوالي السابق محمد اليعقوبي، وحلَّ محلّه مهيدية، اشتغلت نفس الأسطوانة بنفس الألحان من طرف العديد من السياسيّين والفاعلين في الشأن المحلّيّ مع التازي، فالكثيرون شرعوا في توقّع مسار «حافل بالنتائج والإنجازات»، وأخذوا يُعَبِّدون الطريق لنفس المنطق المعتمد منذ سنواتٍ، الَّذِي يُلغى خلاله دور المجالس المنتخبة والفاعلين المحليين لفائدة ممثل السلطة المركزيّة.

  • حين يتحول الوالي إلى «ولي الله»

والحقيقة أنَّ علاقة طنجة مع الولاة في السنوات الأخيرة، أصبحت تستدعي وقفة تأمّل، خصوصًا في مرحلة ما بعد الوالي محمد حصّاد، حين عيّن الملك محمّد السادس محمد اليعقوبي في منصب والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، عاملًا لعمالة طنجة أصيلة، في 20 يناير 2014، وللمفارقة فإنّه أيضًا كان قادما من مدينة تطوان، بعد أن عُين عاملًا على الإقليم في 26 نونبر 2010، لكنّه كان قبل ذلك عاملًا على عمالة المضيق الفنيدق منذ 22 يونيو 2005.

واليعقوبي تحوّل بشكلٍ سريعٍ إلى رجل ثقة الملك محمّد السادس، الأمر الَّذِي اتّضح حتّى قبل ترسيمه في منصب والي الجهة، عندما عُيّن في هَذَا المكان بالنيابة خلفًا لحصاد الَّذِي غادر منصبه في 2012 لمجلس الرقابة للوكالة الخاصة طنجة – المتوسط، وسيتأكّد هَذَا الأمر حتّى بعد مغادرته، أي اليقوبي، منصبه في طنجة، ليصبح واليًا على جهة الرباط – سلا – القنيطرة، عاملًا لعمالة الرباط سنة 2019.

وحتّى نبقى في طنجة، ولنقف على مدى ثقة الملك في اليعقوبي، نتذكّر أنّه كان الشخص الَّذِي تولى تقديم برنامج طنجة الكبرى أمام العاهل المغربي بتاريخ 26 شتنبر 2013، وهو البرنامج الَّذِي أُريد له تغيير وجه المدينة، ورُصدت له استثماراتٌ تجاوزت قيمتها 7، 6 مليار درهم، تحت عنوان عريض هو تسريع وتيرة التنمية بمدينة البوغاز، بما يشمل المستوى الحضريّ والمجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والرياضيّة والثقافيّة والدينيّة.

وبالفعل، قاد الوالي اليعقوبي مرحلة تغيير وجه المدينة جذريًا، وكان حاضرًا في العديد من المشاريع الكبرى الَّتِي جعلت من مدينة طنجة واجهة متطوّرة للمملكة، ومن برنامج طنجة الكبرى نموذجًا لباقي المدن الرئيسية بالمغرب، لكن ذلك مهّد الطريق لكي يترسخ في أذهان الناس، بما في ذلك المنتخبون، أنَّ الدورَ الرئيسيَّ والمركزيَّ هو دور الوالي، أما باقي الفعاليات ليست إلا تأثيثًا يحيط به ويتوجّب عليه الانسجام التامّ مع توجيهاته.

ولا أدلّ على ذلك من علاقة الوالي بعمدة طنجة السابق، محمد البشير العبدلاوي، حين وصف هَذَا الأخير اليعقوبي، في إحدى لقاءاته الصحفية المفتوحة سنة 2017، بأنّه «ولي الله» مبررًا هَذَا التوصيف بأنَّ الرجل «يتمتع بالاستقامة والصبر»، وهو الأمر الَّذِي أسال الكثير من المداد، بين من يعتبر أنَّ الأمر لا يعدو أن يكون إحدى المبالغات المعهودة على العبدلاوي، الَّذِي لا يُحسن ضبط لسانه، وبين من يرى أنَّ الأمر دليلٌ جديدٌ على «موت السياسة» خلال تلك المرحلة، والتسليم بسلطة المُعين على المنتخب.

لكن كلام العبدلاوي ليس الأوَّل من نوعه، ففي سنة 2015، وعندما فرضت الاحتجاجات غير المسبوقة ضد شركة «أمانديس» المُفوّض لها تدبير قطاع الماء والكهرباء، على رئيس الحكومة حينها عبد الإله بن كيران الانتقال على وجه السرعة إلى مدينة طنجة، مرفوقًا بوزير الداخلية محمد حصاد، لإطفاء نار الغضب، اجتمعَ رُفقة اليعقوبي مع منتخبي المدينة بمن فيهم البرلمانيّون وأعضاء المجلس الجماعي، قائلا إنّهم مَن طلبوا منه الإبقاء على اليعقوبي في منصبه، وأصّروا على ذلك.

وُلاة يُصيبون ويُخطؤون

والموضوعية تقتضي الاعتراف بأنَّ الولاة الَّذِينَ تعاقبوا على طنجة، خصوصًا اليعقوبي ومهيدية، راكموا العديدَ من النقاط الإيجابيّة، ونجحوا في تدبير الكثير من البرامج والمشاريع، لكنّهم أيضًا يتحملّون مسؤولية تعثّر بعض الأوراش أو عدم قدرتها على تحقيق أهدافها، وما يحدث هو أن هَذِهِ الأخيرة تنتقل مسؤوليتها من والٍ إلى آخر، فمثلما حدث بين مهيدية واليعقوبي سيحدث بين التازي ومهيدية، في حين تتولّى الآلةُ الإعلاميّةُ، خصوصًا المحلية، إبراز المنجزات وحدها ممهّدة الطريق أمام المسؤولين للانتقال بسلاسةٍ من موقع إلى آخر.

وفي حالة اليعقوبي مثلًا، فإنه استطاع إنجاز العديد من المشاريع المُهمّة من خلال إشرافه المباشر على برنامج طنجة الكبرى، الَّذِي كانت القطاعات الوزارية والمجالس المنتخبة مساهمة فيه دون إشراف فعلي، على غرار المشاريع المرتبطة بالبنى التحتية مثل الشبكة الطرقية والأنفاق والعديد من الفضاءات الاجتماعيّة، الأمر الَّذِي غيَّر كثيرًا وجه المدينة نحو الأفضل، فطنجة الحالية ليست هي تلك المدينة الَّتِي يعرفها المغاربة قبل سنة 2013، لكن برنامج طنجة الكبرى نفسه لم ينتهِ في الوقت المحدد له سنة 2017، والعديد من المشاريع انتقلت المسؤولية عنها من عهدة اليعقوبي إلى عهدة مهيدية.

وبرزت العديد من المشاريع الَّتِي تعثّرت لمدّة طويلة على الرغم من أنّها كان من المفترض أن تفتح أبوابها منذ سنواتٍ من أجل تقديم خدماتها للسكان، ولا أدلّ على ذلك من مشروع مركز محمد السادس للمعاقين، الَّذِينَ تحوّل إلى مشكلة بعدما كان من المفترض أن يُمثّل منفذًا لعائلات الأطفال ذوي الإعاقة، خصوصًا الأطفال التوحديّين بسبب تأخر افتتاحه وتحوله إلى بناية مهجورة، الأمر الَّذِي دفع الأسر المُتضرّرة إلى الخروج للشارع من أجل الاحتجاج ومناشدة الملك محمد السادس للتدخّل من أجل أن يأمر بإعادة الأمور إلى سكتها الصحيحة.

وهَذَا المشروع الَّذِي كلف 66 مليون درهم، هو أحد المشاريع الَّتِي انتقلت المسؤولية على تأخرها من الوالي اليعقوبي إلى الوالي مهيدية، هَذَا الأخير الَّذِي وجد أمامه ملفاتٍ أخرى من هَذَا النوع، بعضها لم يتمكّن من حلّها إلى الآن حتّى وهو يهم بمغادرة طنجة، على غرار مشروع قصر الثقافة والفنون الَّذِي كلف 210 ملايين درهم، ويمتدُّ على مساحة 24 مترًا مربعًا، وفي البداية عانى من تأخر الأشغال، وبقيت أبوابُه مغلقةً لفترة طويلة، ثم جرى الحديث عن افتتاحه سنة 2020، لكن عاد ليخفت مُجدّدًا بشكل تدريجي، ولا يبدو أنه سيستقبل أولى أنشطته خلال ما تبقى من سنة 2023.

ولكي نبقى في المجال الثقافي دائمًا، نستحضر أيضًا مشروع مسرح سيرفانتس، والمرتبط بمشاريع أخرى لإعادة تأهيل هَذِهِ المنطقة وإعادتها لوهجها الَّذِي عُرفت به تاريخيًا خلال مرحلة الإدارة الدولية، فالمسرح شهد جولات شدّ وجذب بين المغرب وإسبانيا، إلى غاية فبراير من سنة 2023، حين انتقلت ملكيته بشكل نهائي إلى المملكة، على الرغم من أنَّ اتفاقية نقل الملكية جرى توقيعُها سنة 2019 لكنها لم تُنشر في الجريدة الرسمية، ومع ذلك فإنَّ الأشغال فيه بدأت سنة 2021، ثُمّ توقفت كثيرًا، ولم تَحيَ مُجددًا إلا في غشت الماضي، أي بعد 6 أشهر من إنهاء عملية نقل الملكية تمامًا.

ولا يمكن الحديث عن مرحلة مهيدية دون التطرّق إلى مشروع تهيئة منطقة الأنشطة الصناعية، الَّذِي فرض نفسه بتعليماتٍ ملكيةٍ إثر فاجعة معمل النسيج السريّ، الَّتِي حدثت في فبراير من سنة 2021، وأزهقت أرواح 28 من العمال، أغلبهم من النساء، إذ تمّ تخصيص 400 مليون درهم من أجل إخراج هَذَا النوع من المصانع خارج التجمعات السكنية، من خلال 600 مصنع جديد وإحداث 20 ألفَ منصب شغلٍ مُهيكلٍ، والبداية كانت بمنطقة الأنشطة الاقتصادية لطنجة البالية، لكن هَذَا المشروع لا يزال -إلى غاية الآن- متعثرًا ولا تزال المصانعُ منتشرةً في العديد من التجمعات السكنية مع ما تحمله من خطورة.

  • ما الذي ينتظر الوالي التازي؟

ومع ذلك، لا يمكن إنكارُ العديد من النقاط الإيجابيّة، الَّتِي برز فيها الولاةُ الَّذِينَ تعاقبوا على طنجة، وخصوصًا اليعقوبي ومهيدية، فالأوّل كان وراء العديد من المشاريع الَّتِي غيَّرت وجه المدينة بفعل حرصه الشخصي على تنزيل برنامج طنجة الكبرى، على غرار ما يتعلّق بالإنارةِ العموميّةِ والمساحات الخضراء والممرّات تحت الأرضية والمواقف العمومية وأشغال تهيئة العديد من الفضاءات التاريخيّة والسياحيّة.

في حين كان الثاني وراء تغيير وجه المدينة القديمة بشكل جذريّ، في الوقت الَّذِي لم يكن فيه أحد يتوقع أنه بإمكانه إنزال برنامج تأهيل وترميم المدينة العتيقة الممتدة ما بين 2020 و2024، وكنت مكافأة نهاية الخدمة بالنسبة له، هي إشراف الملك على تدشين المركب الاستشفائي الجامعي «محمد السادس»، في أبريل من العام الجاري، الَّذِي كلف 2، 4 مليار درهم، في مشروع أدى فيه مهيدية دورًا محوريًا من خلال الإشراف على الأشغال، ناهيك عن تدبيرِه مرحل جائحة (كوفيد- 19) الصعبة الَّتِي شهدت طنجة إحدى بؤرها الخطيرة، وتُمكّنه من إعداد المدينة لاستضافة كأس العالم للأندية بداية العام، في ظرف زمنيّ قصيرٍ.

كل هَذِهِ الأمور تجعل المسؤولية الملقاة على عاتق الوالي الجديد، يونس التازي، أمرًا جسيمًا، فهو من جهة مطالب بإتمام ما بدأه أسلافه ولم يتمكنوا من إنهائه، ومن جهة أخرى مدعو لمراكمة نجاحاتٍ تمدد إقامته في منصبه، يوازنُ فيها بين ما هو مُخططٌ له وما هو كائنٌ على أرض الواقع، وهي المنهجية الَّتِي مكّنت اليعقوبي ومهيدية من الاستمرار في موقعهما لمدّة غير قصيرة.

لكن مهمّة الوالي الجديد أصعب بكثيرٍ من سابقيه، ليس فقط لأنّه لم يكن قطّ واليًا وسيتحمل مسؤولية 8 عمالات وأقاليم تختلف أولوياتها ومشاكلها وتطلعات سكانها ودرجة التنمية فيها، وهي طنجة أصيلة وتطوان والفحص أنجرة والحسيمة والمضيق الفنيدق وشفشاون والعرائش ووزان، ولكن أيضًا لأنَّ المرحلةَ المقبلةَ ستضعه وجهًا لوجهٍ مع مهامَّ جسيمةٍ؛ استعدادًا لأكبر حدث تستعد المملكة لاحتضانه في تاريخها، ويتعلق الأمرُ بكأس العالم 2030.

والتازي، البلاغ من العمر 49 عامًا، هو خريج المدرسة المحمدية للمهندسين تخصّص الهندسة المدنية، بدأ مساره المهني كعضو بديوان وزير الفلاحة والتجهيز والبيئة، خلال الفترة ما بين 1997 و1998، ثم أصبح رئيسًا لقسم الدراسات بنفس الوزارة ما بين 2004 و2005، قبل أن يشغل منصب مدير البرامج والدراسات بالنيابة بوزارة التجهيز والنقل ما بين 2005 و2006، وتولى منصب مدير الاستراتيجية والبرامج والتنسيق بين أنواع النقل بوزارة التجهيز والنقل سنة 2006 إلى غاية 2011، قبل أن يُعين مديرًا عامًّا للوكالة المغربية لتنمية الأنشطة اللوجيستيكية سنة 2012، وقبل أن يصبح واليًا على الجهة كان عاملًا على تطوان منذ سنة 2017، وهو حاصل على وسام الكفاءة الوطنية من درجة ضابط.

هَذَا المسار الَّذِي يجمع بين الهندسة، التخصّص المفضل لدى الملك محمّد السادس عند تعيينه للولاة على جهة طنجة تطوان الحسيمة، والمعرفة بخبايا قطاعات التجهيز والنقل والأنشطة اللوجيستيكية، إلى جانب الانتماء إلى وزارة الداخلية والتعرّف عن قرب على خبايا وأولويات وطرق عمل الإدارة خلال السنوات الستّ الَّتِي قضاها في تطوان، قد تكون عاملًا مساعدًا للتازي في تدبير أمور مدينة كبرى بحجم طنجة، ستكون بالتأكيد واجهة عمله، وستُحدد بالضرورة أولوياته على مستوى الجهة، كما أنّها المدينة الأنشط اقتصاديًّا والأعقد سياسيًّا.

وستكون العيون منصبةً على التازي بكلّ سريع؛ لأنَّ كأس العالم ليست فقط مجموعة من ملاعب كرة القدم، بل أيضا مشروع تنمويّ متكامل، الأمر الَّذِي لن يكون لدى الوالي الجديد مساحة كبيرة من الوقت لتقديم النتائج بخصوصه، فالمرحلة الأولى ستكون هي كأس إفريقيا 2025، الَّتِي ستكون طنجة إحدى المدن الَّتِي ستستضيفها، وحينها إمّا أن يتأكد أنَّ المدينة بالفعل تسير في الطريق الصحيح لاحتضان المونديال، وإمَّا ستكون هناك الكثير من الأمور الَّتِي ستتغير سريعًا حتّى تكون المدينة الأقرب جغرافيًا إلى شريكي المغرب، إسبانيا والبرتغال، جاهزةً تمامًا لإعطاء صورة إيجابية للمملكة أمام العالم.

وسيكون على التازي إيجاد أجوبة عملية لمسائل تتعلّق أساسًا بالبنية التحتية وفضاءات الاستقبال، إلى جانب النقل الَّذِي سيفتتح به عهده بعد مصادقة مجلس جماعة طنجة على المشروع المتعلق بخط الحافلات السريع (BRT) في انتظار حسم قرار إنجاز خط «الطرامواي»، وكذا عمليات الربط بين مختلف أقاليم الجهة، ومدنها الرئيسية في ظلّ الحديث عن مشروع القطار الجهوي.

وإلى جانب كل ذلك، سيكون عليه إيلاء اهتمامٍ خاصٍّ بمشروع القرية الرياضيّة، الَّذِي تسكن الأشباح معظمَ مرافقه الكبرى، بما في ذلك ملعب التنس والمسبح الأولمبي، العاجزان عن احتضان أي منافسات رياضيّة وطنيّة أو دوليّة، رغم إتمام بنائهما وتجهيزهما، لكن بالتأكيد سيكون مشروع ملعب طنجة الكبير والملاعب المحيطة به الأهم على الإطلاق، باعتباره رابعَ أكبر منشأة في كأس العالم 2030، والأكبر على الإطلاق في كأس إفريقيا 2025.

 

تابعنا على الفيسبوك