في الواجهة
تحولت إلى ”ألعاب الموت” رغم أن أغلب مرتاديها أطفال والصيف أكثر فتراتها رُعبًا

مُدن الملاهي بطنجة..
وحش قاتل يواصل نموه بفضل الفراغ القانوني وغياب المراقبة
عادت قضية فضاءات الألعاب المنتشرة بمدينة طنجة لتطرح علامات استفهام كبيرة حول شروط السلامة التي من المفترض أن توفرها، بالإضافة إلى مدى احترامها لدفاتر التحملات وخضوعها إلى الصيانة المستمرة، وذلك بعد أن اندلعت النيران في إحدى الألعاب بفضاء “منار بارك” الشهير في وقت ذروة اشتغاله يوم الأحد 23 أبريل 2023 تزامنا مع عطلة عيد الفطر ونهاية الأسبوع، وفي الوقت الذي كانت تغص فيه المنطقة بالمرتادين، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان الفراغ القانوني في هذا المجال والحاجة الماسة إلى الرقابة الصارمة.
وحسب شهادات أشخاص حضروا الحادثة وأيضا وفق ما تمت معاينته من خلال الفيديوهات التي تم تصويرها في عين المكان، فإن النيران اشتعلت في إحدى ألعاب المنتجع الترفيهي والتي يمتطيها عادة الأطفال والمراهقون للاستمتاع بجموح النزول من ارتفاعات كبيرة، أي أنها من الألعاب التي تلقى إقبالا خصوصا في المناسبات، وكاد الأمر أن يتحول إلى كارثة لولا الألطاف الإلهية، حيث إن اللعبة كانت خالية من المرتادين وقت الواقعة، لكن مع ذلك، فإن هذه الحادثة ليست الأولى، وغالبا لن تكون الأخيرة حيث إن وثيرة الحوادث زادت في الأعوام الأخيرة.
منار بارك.. الخطر الداهم!
واشتعلت النيران في اللعبة بسبب تماس كهربائي وفق ما كشفت عنه مصادر خاصة لجريدة “لاديبيش”، حيث إن تقادم مفاتيح التحكم تسبب في انطلاق شرارات كهربائية انتشرت بسرعة في هيكل اللعبة، الأمر الذي أثار موجة من الذعر وعجل بحضور عناصر الوقاية المدنية الذين حلوا بعين المكان للسيطرة على ألسنة اللهب قبل أن تنتقل إلى فضاءات أخرى، في حين كان الحاضرون يتساءلون عن مصيرهم لو كان بعضهم يركبون اللعبة أثناء الحادث.
وأعادت هذه الواقعة طرح علامات استفهام كبيرة حول مدى مراقبة الألعاب الترفيهية الخطيرة من طرف السلطات المتخصصة من جهة، ولكن أيضا مدى تعرضها للصيانة الدورية اللازمة، لأن الأمر يتعلق بمنتجع هو الأكبر من نوعه في طنجة، ويحقق مداخيل كبيرة بسبب ارتياده من طرف العديد من المواطنين طيلة أيام السنة وخصوصا خلال فترات العطل وفي موسم الصيف، علما أن ألعابه تتعرض لضغوط كبيرة نتيجة استعمالها بكثرة من طرف المرتادين.
والمخيف في الأمر أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الحوادث المخيفة في “منار بارك”، فسكان طنجة لا زالوا يتذكرون ما حدث صيف سنة 2019، حين تعرض شخص إلى كسور خطيرة في منطقة الألعاب المائية، وهو الذي كان يريد أن يستمتع بالقنوات العملاقة التي تؤدي إلى المسبح، قبل أن يُفاجأ بها وهي تتفكك تحت جسده نتيجة لكونها غير مثبتة بإحكام، ما أدى إلى سقوطه على الأرض قبل وصوله إلى المياه أمام أعين المصطافين.
وإذا كان هذا الحادث غير كافٍ لتأكيد المشاكل المستمرة التي يعيشها منتجع الأشهر في طنجة، فإن حادثا آخر يعري هذا الواقع الخطير، ففي يناير من سنة 2021، وفي غمرة الحظر الذي كانت قد فرضته حالة الطوارئ الصحية التي عاشتها مدينة طنجة بسبب جائحة كورونا، تعرض 6 أطفال إلى إصابات متفاوتة الخطورة بعدما انقلبت بهم عربة ألعاب اتضح أنها لم تخضع للصيانة، ما أدى إلى نقلهم على وجه السرعة إلى مستشفى محمد الخامس.
وفي موعد آخر غير بعيد جدا، وتحديدا في موسم الصيف الماضي شهر غشت من سنة 2022، شهدت منطقة الألعاب المائية حوادث في ذروة الإقبال عليها، من بينها حالة فتاة أصيبت بكسور وخلع في الكتف بعد أن سقطت من قناة للتزحلق اتضح أنها كانت مفككة، أي أنها لم تخضع للصيانة والمراقبة اللازمتين، وحينها تناسلت الأسئلة حول ما إذا كان هذا الفضاء الترفيهي لا يزال صالحا للاستخدام، خصوصا فضاء الألعاب المائية الذي لا يمر موسم صيف دون أن يشهد فاجعة جديدة.
والحقيقة هي أن “منار بارك” أصبح مثار العديد من التساؤلات المُقلقة، فالأمر يتعلق بحوادث متكررة موثقة بالشواهد الطبية وبالصوت والصورة في الكثير من الأحياء، لكنه مستمر في الاشتغال، بل إن الفضائح امتدت لفضاءات أخرى منه، بما في ذلك المطعم الخاص بالوجبات السريعة الذي انتشرت فيديوهات تظهر القذارة التي يعاني منها، إلى درجة أنه تعرض للإغلاق الصيف الماضي من طرف سلطات المدينة التي فرضت على ملاكه إعادة ضبطه مع الشروط الصحية التي يفرضها القانون.
الفيريا.. ألعاب حياةٍ أو موت
لكن “منار بارك” وإن كان الأشهر، إلا أنه ليس فضاء الألعاب الوحيد الذي يشهد بين الفينة والأخرى حوادث خطيرة، لأن الأمر تكرر في مدن الملاهي التي تتنقل بين العديد من مناطق المدينة والشهيرة محليا باسم “الفيريا”، أشهرها كان الحادث الذي وقع سنة 2019 والذي تسبب في وفاة شاب وإصابة العشرات أغلبهم أطفال، وهي الواقعة التي أعادت إلى الواجهة بقوة قضية مراقبة سلامة الألعاب، خاصة بعدما اتضح أن بعضها قديم جدا وكان من المتوقع أن يشهد حوادث في أي وقت.
وإلى غاية الآن يتذكر العديد من سكان طنجة تلك الفاجعة التي كان فضاء “وافا إيفنت بارك” بمنطقة مالاباطا مسرحا لها بتاريخ 21 يوليوز 2019، أي في عز موسم الصيف، حين انهارت إحدى الألعاب بمرتاديها متسببة في إصابة 20 شخصا على الأقل، قبل أن يتضح أن الآلة التي تحطمت يعود تاريخ دخولها إلى الخدمة إلى أكثر من 40 عاما، وأنها كانت تحتاج إلى الصيانة أو التغيير.
وحينها قالت السلطات المحلية بطنجة إن خللا تقنيا طارئا طال أرجوحة دائرية أدى سقوطها لإصابة أزيد من 20 شخصا، بالإضافة إلى تسجيل حالة من التدافع والارتباك زاد الطين بلة، مبرزة أن الضحايا هم ذكور وإناث من فئات عمرية مختلفة تتراوح ما بين 13 و26 سنة، وإذا كان الحاضرون يتذكرون مشاهد الدماء التي تسيل من أجساد المصابين والكسور التي أصيبوا بها، فإن لا أحد سينسى الشاب أنس الضريس، الذي دخل في غيبوبة حولت لحظات المرح التي كانت يسعى خلفها إلى مأساة حقيقية، بعد أن فارق الحياة إثر ذلك ببضعة أسابيع.
وحينها قالت السلطات المحلية المحلية إن مصالحها الأجهزة الأمنية ومصالح الوقاية المدنية تدخلت لنقل المصابين إلى المستشفى الجهوي محمد الخامس بطنجة لتلقي الإسعافات الضرورية، حيث استدعت حالة شخصين فقط من بينهم الوضع تحت المراقبة الطبية، كما أعلنت أنه تم فتح بحث من طرف السلطات المختصة، تحت إشراف النيابة العامة، لتحديد ظروف وملابسات هذا الحادث، الذي جعل الكثير من أهالي طنجة وزوارها يفكرون مرتين قبل أن يقدموا على المغامرة بحياتهم وحياة أبنائهم للاستمتاع بلعبة قد تُخفي مفاجآت غير سارة.
فراغ قانوني وغياب للمراقبة
ويساعد الفراغ القانوني الخاص في مجال حدائق الألعاب بشكل كبير على ارتفاع منسوب المخاطر في هذه الفضاءات التي يقبل عليها بالدرجة الأولى الأطفال والمراهقون، إذ لا يوجد في المغرب قانون خاص بحدائق الألعاب أو مدن الملاهي على عكس ما هو معمول به في العديد من دول العالم بما في ذلك العديد من البلدان العربية مثل مصر، التي نجد أنها أصدرت باكرا إطارا قانونيا يتعرض لمدن الألعاب أو الملاهي بشكل صريح، من خلال القانون رقــم 372 لسنة 1956.
ونجد في القانون المصري أنه قسم جميع أنواع الألعاب والملاهي المنتشرة في البلاد، وفي القسم الخامس تطرق إلى المعارض والملاهي المؤقتة والملاهي التي تنشأ أو تقام في مناسبات خاصة لمدة تقل عن شهر وساسات الملاهي “مدن الملاهي” والسيرك وملاعب الخيول وحمامات البحر الملحقة بمحل عام أو المعدة لدخول الجمهور نظير أجر، وبذلك حددت شروط السماح لمثل هذه الأنشطة والضوابط التقنية والقانونية المفروضة عليها ونُظم مراقبتها.
أما في المغرب، نجد أن تنظيم هذه الأنشطة يدخل ضمنيا في صلاحيات المجالس الجماعية، من خلال القانون 113.14 المتعلق بالجماعات، وتحديدا المادة 100 منه، التي تنص على أنه “يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع”.
ونجد أن هذا القانون ينص على أن من اختصاصات رؤساء الجماعات منح رخص استغلال المؤسسات المضرة أو المزعجة أو الخطيرة التي تدخل في صلاحياتهم ومراقبتها طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وكذا تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها.
ويعطي هذا القانون لرئيس الجماعة صلاحية السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة، وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها، لكن هذا القانون لا يحدد بشكل واضح كيف يمكن ضبط حدائق الألعاب والتحقق من احترامها لشروط السلامة، وخاصة التقنية منها.
أما بخصوص مسطرة منح رخصة استغلال فضاءات الأنشطة التجارية فتبدأ بإعلان حول المنافع والمضار، إذ بعد توصل المصالح المختصة بالجماعة بملف طلب الرخصة المتضمن لجميع الوثائق المطلوبة، يفتح سجل خاص لتسجيل تعرضات السكان المجاورين بخصوص المشروع، وذلك خلال مدة خمسة عشرة يوما من تاريخ نشر الإعلان حول المنافع والمضار في الجرائد المسموح لها بنشر الإعلانات القانونية.
كما يعلق إعلان في الموضوع حول المنافع والمضار بمقر الجماعة، ومجلس المقاطعة المتواجد بدائرة نفوذها المحل موضوع الطلب، وكذلك على واجهة المحل المراد استغلاله، يخبر فيه العموم بنوع النشاط التجاري، ولا تؤخذ بعين الاعتبار التصريحات والتعرضات الخارجة عن نطاق الصحة والنظافة والسلامة والسكينة العامة، ومقتضيات الشرطة الإدارية الجماعية المعمول بها في هذا الشأن.
وتأتي بعد ذلك مرحلة إجراء معاينة ميدانية للمحل المراد استغلاله، فبعد انتهاء الأجل المخصص لمسطرة البحث عن المنافع والمضار، يقوم رئيس الجماعة أو من يفوضه بتوجيه استدعاء لأعضاء اللجنة المختلطة قصد إجراء معاينة ميدانية للمحل موضوع الطلب، ثم تُشكل لجنة مختلطة تتكون من ممثلي المصالح التالية: قسم الشؤون الاقتصادية بالجماعة، والقسم الجماعي لحفظ الصحة، وقسم التعمير بالجماعة، ووكالة المداخيل المعنية، وممثل السلطة المحلية، وممثل الوقاية المدنية، ويمكن أن يستدعى إلى حضور أشغال اللجنة المختلطة ممثل كل مصلحة أخرى معنية بطبيعة النشاط.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: إلى أي مدى تنجح النصوص القانونية الحالية في ضمان سلامة مدن الملاهي؟ حيث إن قطاع الحدائق الترفيهية يختلف عن كثير من القطاعات من حيث وجوب الحفاظ على أقصى درجات التأهب والتقيد بمعايير السلامة، لأن حدوث أي خلل سيرفع مستوى الخطر ويتسبب في وقوع حوادث، وهو الأمر الذي سبق أن أشار إليه تقرير لوكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية في غشت من سنة 2019 بعد أن تحطمت إحدى الأرجوحات الدوارة بفضاء ألعاب بمنطقة مغوغة، ما تسبب في إصابة 20 شخصا.
وتعليقا على ذلك قالت سهام إخميم، الأستاذة المبرزة في العلوم الاقتصادية والقانونية، إن التنظيم القانوني غير فعال في حماية ضحايا حوادث حدائق الألعاب، وأضافت أن هذا النوع من الحوادث ينجم عادة عن عدم القيام بالصيانة الدورية والإصلاح، الأمر الذي يترتب عنه مسؤولية مدنية فقط دون المسؤولية الجنائية، التي لا يمكن أن تقع على صاحبها إلا بعد تقييم القاضي للأمر.
أما زينب العراقي، المحامية بهيئة مراكش، فقالت إن القوانين المعمول بها بشأن حدائق الألعاب لا تهم سوى التجهيزات الموجودة داخلها، دون أن تكون الحديقة نفسها خاضعة لتلك القوانين كشخص اعتباري، وأضافت أنه وفقا للقوانين المعمول بها، يمنح مجلس المدينة رخصة للمستغل للفضاء بناء على فحص فوري للتجهيزات دون أن تكون هناك مراقبة دورية خلال فترة الاستغلال.
غياب للتأمين رغم المخاطر
وحول هذا الموضوع يقول مدير لشركة تأمين بطنجة أن “علاقة شركات التأمين جد معقدة مع شركات الألعاب الخاصة بالأطفال وذلك لعدة أسباب أهمها إلزامية مراقبة جودة الألعاب كل على حدة وسلامتها من أي عطب قد يؤدي إلى حادث قد يكون مأساويا”، وأضاف “مثلا، لو أن مطعما أو مقهى به مساحة خاصة للألعاب فإن عملية التأمين تكون خاصة بهذه المساحة دون المطعم، ولهذا فإن الثمن يصير عاليا جدا وهو ما يجعل مسيري مثل هذه المطاعم والمقاهي لا يتوفرون على تأمين خاص بمنطقة اللعب الخاصة بالأطفال. أو أنهم إن عملوا على تأمينها لعام أو عامين فهم غالبا لا يجددون العقد بعد ذلك لأن ثمنه جد مرتفع”.
وأورد نفس المتحدث أن “هذا بالطبع يشكل خطرا كبيرا على سلامة المواطنين، كبارا و صغارا”، وكنموذج عملي يقول “لدينا في شركتنا للتأمين عدة أمثلة حول هذا الإشكال، ونعلم أن هناك شركات لا تتوفر على أي عقد تأمين هذا المجال منذ عشرات السنين”، وأضاف “الأمر عندنا في المغرب مختلف كثيرا عما يجري في الدول الأوروبية مثلا، في إسبانيا أو فرنسا توجد معايير دولية من المستحيل ألا تطبق، وتحترم بالضرورة في مجال كهذا”.
وخلص المسؤول في شركة التأمين إلى أنه في مجال ألعاب الأطفال في الدول الأوروبي القريبة هناك معايير جودة وسلامة يسهر الكل على احترامها تمثل أساس دفتر تحملات يفرض على كل الشركات التي تستثمر في المجال، لكن “نحن في المغرب بعيدون كل البعد عن هذه العقلية والصرامة في المحافظة على سلامة المواطنين، وطبعا، الفساد الإداري يزيد الطين بلة حين يسهل عملية التهرب من مثل هذه المسؤوليات”، وفق تعبيره.
