إقتصاد
بعد المتغيرات التي طرأت على طنجة.. هل حان الوقت لتعديل التقطيع الترابي؟

تُعدُّ جهة طنجة تطوان الحسيمة واحدةً من أهمّ المناطق الاقتصاديَّة الحيويَّة في المملكة المغربيَّة، وتُمثّل كل من واجهتي طنجة المتوسطيَّة والأطلسيَّة نقطتي تقاطع مهمتين للتجارة الدولية والسياحة، كما تشهدان تطورًا مستمرًا لمختلف القطاعات الاقتصاديَّة.
وبات التقسيم الحالي لواجهتي البوغاز إلى عمالة طنجة أصيلة وإقليم الفحص أنجرة مجموعةً من التحدّيات، الَّتِي تُؤثّر في تنميَّة المنطقة، وهو ما يطرح الحاجة المُلحّة لإعادة النظر في هَذَا التقسيم الترابي.
وتعود جذور هَذَا التقسيم الترابي في صيغته الحالية إلى سنة 2003، إذ تم تأسيس إقليم الفحص أنجرة وإلحاقه بولاية طنجة بعد أن كانت المنطقة تقع ضمن النفوذ الترابي لولاية تطوان آنذاك، حيث كانت هَذِهِ الخطوة بغرض تنظيم وهيكلة هَذَا المجال الترابي ليحتضن مشروع المركب المينائي طنجة المتوسط، وما ارتبط به من بنيَّة تحتيَّة صناعيَّة ومناطق لوجستيكيَّة.
ومع مرور الزمن وتسارع عجلة التطوّر، أصبح التقسيم الحالي غيرَ قادرٍ على مواجهة التحدّيات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الحديثة، ويترتب عن ذلك عديدًا من المشكلات والعراقيل، الَّتِي تعوق تقدم المنطقة وتُؤثّر في التنميَّة المستدامة.
كما يؤدي التقسيم الترابي المعمول به حاليًا إلى تشتت المال العام ومعه الجهود الرسميَّة، إذ يتم توزيع الصلاحيات والميزانيات على نطاقين ترابيين، وهو ما يفرض على كل من طنجة أصيلة والفحص أنجرة إلى وضع مُخطّطات وبرامج مختلفة، مما يُقلّل من فعالية التخطيط والتنفيذ الإداري.
ويتسبب تشتيت المخططات التنمويَّة والاستثماريَّة في تُركّز المشروعات على منطقة واحدة دون أن تستفيد المناطق الأخرى من الفرصة نفسها، بينما قد تكون مناطق الفحص أنجرة تحتاج إلى تنميَّة البنيَّة التحتيَّة الاجتماعيَّة، مع تركز للمشروعات الاقتصاديَّة وجذب الاستثمارات الأجنبيَّة وتطوير المناطق الصناعيَّة.
ويُعدُّ توجيه الاستثمارات والمشروعات بشكل متوازن في جميع أنحاء البوغاز لتحقيق التنميَّة الشاملة، خطوة ضروريَّة وحاسمة لضمان التكامل الاجتماعيّ والاقتصاديّ في المنطقة، وفي هَذَا الإطار يطرح الإبقاء على جماعة من قبيل جماعة العوامة أكثر من علامة استفهام، خاصّةً أنَّها تعاني كثيرا ضعفَ تحصيل العوائد الضريبيَّة، وتتخبط في ركود تنموي خانق، في حين أن موقعها الجغرافي يؤهلها لتلعب أدوارًا اقتصاديَّة وعمرانيَّة مُهمّة بوصفها امتدادًا طبيعيا لمدينة طنجة.
ومن بين مظاهر التنافر التنموي الَّذِي يخلقه التقطيع الترابي الحالي تبرز حالة جماعة اجزناية الَّتِي تجاور جماعة طنجة وتُشكّل امتدادها العمراني والصناعي، حتَّى أنَّها تحتضن المستشفى الجامعي ومجموعة من المؤسَّسات الحيويَّة الأخرى الَّتِي يفترض وجودها تجاوزا بمدينة طنجة، وهَذَا ما دفع كثيرين للمطالبة بضم جماعة اجزناية لجماعة طنجة كمقاطعة خامسة.
وتحد العراقيل البيروقراطية المختلفة، من تدفق الاستثمارات الداخلية والأفراد وجودة الحياة بين المنطقتين، حيث من شأن تحقيق التكامل بين المدن والقرى والمناطق الصناعيَّة أن يُعزّز من فرص العمل ويسهم في تحسين مستوى المعيشة للسكان.
إن إعادة النظر في التقسيم الترابي لعمالة طنجة أصيلة والفحص أنجرة ضرورة لدعم التنميَّة المستدامة والشاملة في جهة طنجة تطوان الحسيمة، إذ إنّ دمج العمالة والإقليم في إطار ترابي واحد سيسمح بتنسيق الجهود وتحسين الإنفاق العمومي والبنيَّة التحتيَّة، وكذا الرفع من فعالية تدبير الشأن العام المحلي وتبسيط الإجراءات الإداريَّة والبيروقراطية، كما سيعزز التكامل الاقتصادي فرص الاستثمار ويسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، غير أنّ خطوة من هَذَا القبيل يفترض أن تكون خطوة مدروسة ومخططًا لها بشكل دقيق.
