تواصل معنا

مجتمع

الدخول المدرسي الجديد.. إصلاح التعليم يبدأ بإصلاح علاقة الأستاذ والتلميذ بالعملية التعليمية‎

في ظل حديث الخطاب الرسميّ عن التنميَّة، كثر الحديث -في المغرب- عن إصلاح قطاع التعليم، باعتبار التنميَّة الشاملة المنشودة تتوقَّف على مدى فاعلية نظام التعليم، حتَّى أضحى هَذَا الموضوع محورًا مركزيًا للنقاشات السياسيَّة والاجتماعيَّة. ورغم الوعود المتكرّرة بالإصلاح والنهوض بالتعليم، فإنّ الواقع يزداد تعقيدًا وسوءًا يومًا بعد يومٍ.

التعليم في المغرب، سواء كان عموميًا أم خصوصيًا، يعاني أزماتٍ متعدّدةً، بدءًا من تدهور مستوى التعليم العموميّ وصولًا إلى جشع القطاع الخصوصيّ، الَّذِي يسعى فقط إلى مراكمة الأرباح، ما يطرح تساؤلاتٍ جادّةً بشأن جديَّة الإصلاحات المقترحة.

إن أيّ تطوير أو إصلاح أو تغيير في هَذَا القطاع الحيوي لا يجعل الأستاذ محور الإصلاح ومركز الثقل فيه، محكومًا عليه بالفشل، ولذلك فإنَّ اللجوء إلى نظام التعاقد يُعدُّ إقحام مشكلة جديدة في معضلة القطاع واستدعاء أزمة أخرى إلى أزمات المدرسة المغربيَّة، كلفت المغرب سنواتٍ دراسيَّة مشوبة بالبياض، ومفاقمة وضعيَّة ومستقبل القطاع.

  • إصلاح التعليم.. وعود ونيَّات والقطاع لا يزداد إلا ترديًا

منذ سنوات، تتوالى الوعود بتحسين جودة التعليم والارتقاء به ليكون قاطرةً للتنميَّة المستدامة، بيد أنَّ هَذَا الخطاب ظلَّ بعيدًا عن الواقع الملموس. فمنذ خطة الميثاق الوطني للتربيَّة والتكوين سنة 1999، مرورًا بالبرنامج الاستعجالي، وصولًا إلى الرؤية الاستراتيجيَّة 2030، تتكرَّر الشعارات والأهداف نفسها، دون تحقيق نتائج ملموسة، بل يلاحظ أنَّ الوضع التعليميّ في المغرب يزداد سوءًا من حيث النتائج التعليميَّة، ومستويات التحصيل الدراسيّ، وحتَّى البنيَّة التحتيَّة الَّتِي تُعاني في كثير من الأحيان من الإهمال واللامبالاة.

أرقام ونسب النجاح والهدر المدرسيّ تعكس صورة قاتمة عن واقع التعليم في البلاد، رغم الاستثمارات المالية الكبيرة الَّتِي تضخ في هَذَا القطاع، لا تزال جودة التعليم دون المستوى المطلوب. هَذَا التراجع في التعليم يرتبط بعدة عوامل، منها غياب استراتيجيَّة واضحة تُركز على الأستاذ والتلميذ كعنصرين محوريين في العملية التعليميَّة، والتركيز على الإصلاحات الَّتِي لا تحسم في جوهر المشكلات.

  • تردي التعليم العمومي يدفع الأسر المغربية نحو التعليم الخصوصي

التعليم العمومي في المغرب، يشهد تدهورًا مقلقًا، وذلك بعد أن كانت المدارس العموميَّة يومًا ما حاملةً آمال المغاربة في تكوين أجيال قادرة على قيادة مستقبل البلاد، أصبحت اليوم تعاني نقصًا في البنيَّة التحتيَّة، واكتظاظ في الفصول الدراسيَّة، وضعف في التكوين المهني للأساتذة، ما أفقد الأسر المغربيَّة الثقة في المدرسة العموميَّة وتلجأ إلى التعليم الخصوصي كبديلٍ، رغم كونه -في كثير من الأحيان- يتسم بجودة أقل مما هو مُعلن.

هَذَا الوضع يسهم بشكلٍ واضحٍ في إضعاف الدور الاجتماعي، الَّذِي من المفترض أن يلعبه التعليم العمومي في تعزيز قيم المساواة وتكافؤ الفرص، حيث أصبح التعليم الآن ميدانًا للطبقيَّة والتمييز بين من يملك القدرة على تحمّل تكاليف التعليم الخصوصي ومَن لا يستطيع ذلك.

إن استمرار هَذَا التدهور يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل الأجيال القادمة وعلى استقرار المجتمع المغربي ككلّ.

  • التعليم الخصوصي.. الجشع ومراكمة الأرباح على حساب جودة العملية التعليمية

التعليم الخصوصي، الَّذِي تمّ الرهان عليه والمفترض أن يكون شريكًا في عملية تطوير التعليم، بات قطاعًا تجاريًّا بامتياز يهدف إلى مراكمة الأرباح دون الاهتمام بجودة التعليم المُقدّم، كما تفرض مؤسَّسات التعليم الخصوصي -في كثير من الأحيان- رسومًا باهظةً على الأسر دون أن تُقدّم في المقابل خِدْمات تعليميَّة تتناسب مع هَذِهِ الرسوم.

ورغم أن هَذِهِ المؤسسات تدعي تقديم تعليم متميّز، فإنّ الواقع يثبت أن جشع البعض منها يدفعها إلى التضحيَّة بالجودة من أجل تحقيق المكاسب الماديَّة، كما يُسهم التعليم الخصوصي في زيادة الفوارق الاجتماعيَّة بين أبناء المغاربة، إذ إنَّ التعليم الجيد حكرٌ على الطبقات الأكثر غنى،

وهَذِهِ الفوارق التعليميَّة غالبا ما تترجم في المستقبل إلى فوارق اقتصاديَّة واجتماعيَّة أعمق، ما يُهدّد التماسك الاجتماعي.

  • أمل المدرسة المغربيَّة.. إصلاح حقيقي يمر عبر إصلاح نظرة الأساتذة للعملية التعليميَّة أولًا

في هَذَا السياق المتأزم، يبرز عنصر أساسي يتجاهله كثيرون عند الحديث عن الإصلاح وهو نظرة الأساتذة أنفسهم إلى العملية التعليميَّة، فالأساتذة هم عصب العملية التعليميَّة، ودون تغيير نظرتهم إلى التعليم كرسالةٍ نبيلةٍ ومُهمّةٍ وطنيَّة تتجاوز حدود الوظيفة، سيكون من الصعب تحقيق أي إصلاح فعليّ.

ويشكو كثير من الأساتذة اليوم من ظروف العمل الصعبة والرواتب غير المجزيَّة، كما أنَّ معدلات البطالة المرتفعة تدفع كثيرين إلى التعامل مع التعليم كوسيلة لكسب الرزق فحسب دون الالتزام بتحقيق جودة التعليم.

إن إصلاح التعليم في المغرب يتطلَّب كذلك إعادة بناء العلاقة بين الأستاذ والمجتمع، وتقدير دور الأستاذ في بناء الأجيال، كما يتطلّبُ تكوينًا مستمرًّا للأساتذة وخلق بيئة عمل تتيح لهم الإبداع والابتكار في التدريس، فالأساتذة يجب أن يكونوا قادةً للتغيير في مدارسهم ومجتمعاتهم، وليسوا مجرد مُنفّذين لبرامج تعليميَّة جامدة.

إن أزمة التعليم في المغرب ليست مسألة موارد ماديَّة فقط، بل هي أزمة مرتبطة بتصوّرات واستراتيجيّات غير فعّالة. فالإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من مراجعة شاملة لكلّ مكونات النظام التعليمي، بدءًا من دور الدولة في تعزيز التعليم العموميّ، مرورًا بوضع حدّ لجشع القطاع الخصوصيّ، وصولًا إلى إعادة الاعتبار لدور الأستاذ في العملية التعليميَّة. دون هَذَا الإصلاح الجذري، سيظل التعليم في المغرب رهينة الوعود والتطلعات المتراكمة في المخططات الإصلاحيَّة المتكررة.

 

تابعنا على الفيسبوك