مجتمع
اتفاقية تأهيل مستشفى الرازي بطنجة.. خطوة نحو الإصلاح الشامل أم حل مؤقت؟
على الرغم من مكانته كمرفق حيويّ للرعاية النفسيَّة والعقليَّة في شمال المملكة، يعاني مستشفى الرازي للأمراض العقلية بطنجة -بشكل واضح- تحديات بنيويَّة مزمنة لا يمكن التغاضي عنها.
فالمشكلات المتعلقة بنقص التجهيزات، وندرة الموارد البشريَّة المؤهلة، وافتقار المستشفى إلى مرافق مناسبة، تُمثّل جميعها جوانب من وضع غير سليم يحول دون تقديم الرعاية الَّتِي يحتاجها المرضى العقليون بشكل كافٍ.
ومع تزايد أعداد الحالات الوافدة إلى المستشفى، يبدو أنه يعجز عن الاستجابة لهَذَا الضغط، مما يضع المستشفى وطاقمه في موقف صعب، ويزيد من معاناة المرضى وأسرهم في رحلة شاقة للحصول على الحد الأدنى من الرعاية اللازمة.
وفي ضوء هَذِهِ التحديات، تأتي الاتفاقيَّة الأخيرة الَّتِي صادقت عليها جماعة طنجة كخطوة أولى تُظهر نوايا لتحسين وضع المستشفى، بتكلفة إجمالية تُقدّر بستة عشر مليون درهم، تتضمن التزامات من عدة أطراف، من بينها وزارة الصحة، ومجلس الجهة، ومجلس الجماعة، ووكالة تنميَّة أقاليم الشمال. ورغم طموح المشروع المعلن، فإنَّ الأهداف المطروحة تستدعي تساؤلًا مشروعًا بشأن مدى كفايتها لإحداث التغيير الحقيقي، وما إذا كانت تُمثّل حلًا طويل الأمد لمشكلات عميقة قد تعود للظهور في المستقبل القريب.
وتركّز الاتفاقيَّة على توسيع المستشفى، وتجهيزه بالمعدّات اللازمة، ورفع الطاقة الاستيعابيَّة لاستقبال الحالات. ورغم أهميَّة هَذِهِ الإجراءات، فإنّها تغفل عن التحدّيات الجوهريَّة الَّتِي يعاني منها المستشفى منذ سنوات. الموارد البشريَّة، على وجه التحديد، تُمثّل إحدى القضايا الَّتِي لم يتمِّ التطرّق إليها بعمق، وتظل معالجتها مجزأة رغم أهميَّة الكادر الطبي وشبه الطبي المدرب للتعامل مع حالات الأمراض العقلية. يُفترض أن تسهم وزارة الصحة بمليوني درهم في محور التجهيزات، في حين يسهم مجلس الجهة بثمانيَّة ملايين درهم، ومجلس الجماعة بستة ملايين درهم، وهي مبالغ تثير التساؤل بشأن كفايتها، خاصّةً إذا أخذنا في الاعتبار تكاليف المعدّات الحديثة والاحتياجات المتزايدة للبنيَّة التحتيَّة.
إن الالتزامات المفروضة على كلّ طرف بموجب هَذِهِ الاتفاقيَّة، ورغم أنَّها تبدو على الورق واضحة ومحددة، تضع ثقلًا كبيرًا على قدرة الأطراف الفعلية على تنفيذ بنودها عمليًا وعلى المدى البعيد. تتولى وكالة تنميَّة أقاليم الشمال الإشراف على المشروع، وهي خطوة قد تبدو مُشجّعة، لكن التنفيذ العملي يبقى مرهونًا بحجم التنسيق والشفافيَّة في تطبيق مختلف مكونات المشروع. في ظل نقص الاعتمادات المُخصّصة للصيانة المستمرّة والاهتمام الدوري بالمرافق، تظل مسألة الاستدامة نقطة محوريَّة، إذ لا يمكن الاعتماد على تدخلات مؤقتة دون استراتيجيَّة شاملة تضمن استمراريَّة التحسينات على مدى طويل.
وتبقى العديد من التساؤلات مطروحة بخصوص قدرة المستشفى للحفاظ على جودة الخِدْمات، خاصة في بيئة تعاني ندرة في الموارد البشريَّة المدربة ومرونة في التشغيل، وهي عوامل يمكن أن تجعل المستشفى عرضة للعودة إلى وضعه المتدهور فور انتهاء التمويل. المرضى وذووهم يعيشون يوميًا واقع المستشفى، ويشعرون بعبء الانتظار في طوابير طويلة أو في مرافق غير مجهزة بصورة كافيَّة، وهو ما يستدعي التفكير الجدي في مدى فاعلية الحلول الَّتِي تَعِد بها هَذِهِ الاتفاقيَّة.
في حين تظلّ المسؤولية الأكبر في ضمان نجاح هَذِهِ المبادرة على جهات المراقبة والوزارة الوصيَّة لضبط سير العمل، وفقًا لنصوص الاتفاقيَّة، ومتابعة جودة الخدمات بما يتناسب مع احتياجات المرضى وحقهم في الحصول على رعاية لائقة.