القانون والناس
واقع الإرث بين الشرع والمشرع المغربي

في خضم المشهد العام، الَّذِي سيطر على العالم بأسره من الموت الفجائي، والموت بسبب جائحة «كورونا» طفا على السطح مشكل الإرث. فإن كانت العلاقات الأسريَّة في أغلبها يكتسيها التفكّك والتشتّت؛ فإنَّ موت أحد أفرادها يُعرّي هَذَا الجمع ويفضحه للعلن، حيث لا يمكن أن نجد تقسيمًا للتركة بشكل ودّي إلا نادرًا. ومسطرة التقسيم يجب أن تمرّ بمراحل عديدة.
فهل يحق لوارث أن يحرم باقي الورثة من الإرث كما هو شائع؟ وهل يمكن حماية حقوق جميع الورثة من طرف القضاء؟ وكيف يمكن إحصاء المتروك في ظل عدم وجود الشفافية والوضوح؟ كما أن طلب جرد الممتلكات إن وُجّه للمحافظ، من طرف أحد الورثة لمعرفة مجموعة الأملاك المحفظة، فكيف يمكن معرفة الأملاك غير المحفظة؟ وما الإجراءات الَّتِي ينبغي اتّخاذها؟
باستقرائنا لمقتضيات الموادّ «321 و322 و323» من مدونة الأسرة، نجد أنَّ المُشرّع حدَّد التركة بكونها مجموع ما يتركه الميت من مال أو حقوقٍ مالية وتتعلّق بها خمسةُ حقوق مترتبة حسب الأسبقية، وهي:
- الحقوق المتعلقة بعين التركة.
- نفقات تجهيز الميت بالمعروف.
- ديون الميت.
- الوصية الصحيحة النافذة.
- المواريث بحسب ترتيبها في مدونة الأسرة.
وهَذَا الإرث ما هو إلا انتقال لحقّ بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعًا بلا تبرّع ولا معاوضة يستحقه حقيقةً أو حكمًا وبتحقق حياة وارثه بعده، مما يستشف أنَّ الادّعاء بحق على ميت أو له، لا يسمع الدعوى به إلا بعد إثبات موته وعدة ورثته وتناسخ الإراثات إن مات وذلك حسب الشرع والمُشرّع.
ومنه فإن تعدّدت الإراثات، الَّتِي تستخرج عن موت واحد نتيجة تباين واختلاف الورثة كما هو المعمول به عادةً، فإنَّ الحق يأخذه من له المقدرة على استخراج إراثة واضحة بأسبابها وبشروط يمكن قبولها عند الاستدلاء بها.
إن كانت أسباب الإرث تتجلّى في الزوجيّة والقرابة كأسباب شرعيّة، لا تكسب بالتزام أو وصية، فليس لكلّ وارث أو موروث إسقاط صفة وارث أو موروث، ولا يحق التنازل عنه للغير، ويشترط في استحقاق الإرث حسب المادة (330) من مدونة الأسرة، أن يحقّق موت الموروث حقيقةً أو حكمًا ووجود وارثه عند موته حقيقةً أو حكمًا، مع العلم بجهة الإرث، مما يتساءل أغلب الورثة عن كيفية العلم بجهة الإرث وإحصاء المتروك؟ فلا يمكن تصفية التركة إلا بعد أداء نفقة وتجهيز المتوفى بالمعروف، والإجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة، فإن كانت التركة بيد أحد الورثة الَّذِي أمسك عن إظهار ما تركه المتوفى، فيمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات؛ بناءً على طلب النيابة العامّة أو مَن يُمثّل الدولة أن يتّخذ من الإجراءات ما يكفل الحفاظ على تلك الممتلكات، ويُمكن أن تُعيّن المحكمة لتصفية التركة مَن يتّفق على اختياره، فإذا لم يتّفقوا كما هو رائج، ورات المحكمة موجبًا لتعيينه أجبرتهم على اختياره، على أن يكون من الورثة بقدر المستطاع، بيد أن أغلب الأسر الَّتِي توفي لها فرد من أفرادها، تلجأ إلى تصفية التركة من أموال وغيرها، لكيلا يُقتسم بين الورثة الشرعيّين، رغم أنَّ المُشرّعَ المغربيَّ كان واضحًا بالمادة (376) من مدونة الأسرة، الَّتِي تنصّ على أنّه: «لا يجوز لأيّ وارث قبل تصفية التركة أن يتصرّف في مال التركة إلا بما تدعو إليه الضرورة المستعجلة، ولا يستوفي ما لها من ديون، أو يُؤدّي ما عليها دون إذن المصفي، أو القضاء عند انعدامه «فعلى المصفي بمجرد تعيينه، أن يحصي جميع ممتلكات الهالك، بواسطة عدلين طبقًا لقواعد الإحصاء الجاري بها العمل». كما عليه، أن يبحث عمَّا تركه أو ما عليها من ديون.
يجب على الورثة أن يبلغوا إلى علم المصفي جميع ما يعلمونه من ديون على التركة وحقوق لها. كما يحصي المصفي بناءً على طلب أحد الورثة، التجهيزات الأساسية المُعدّة للاستعمال اليوميّ للأسرة، ويتركها بيد الأسرة، الَّتِي كانت تستعملها وقت وفاة الهالك، وتصبح هَذِهِ الأسرة بمنزلة الحارس عليها إلى حين البتّ فيها بصفة استعجاليَّة عند الاقتضاء. لكن هل تتّبع فعلًا هَذِهِ المساطر واقعيًا أم يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى؟
