تواصل معنا

مجتمع

واقع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمغرب بين الشعارات الرسمية والواقع المرير

على الرغم من توقيع المغرب عددًا من الاتفاقيات الدولية الَّتِي تعنى بحقوق الطفل، ومن بينها تلك الَّتِي تُؤكّد حماية حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير الدعم اللازم لهم، فإنّ الواقع اليوم يظهر تناقضًا واضحًا بين هَذِهِ الالتزامات، وما يحدث فعليًا على أرض الواقع.

فالطفل المغربي ذو الاحتياجات الخاصة ما زال يواجه تحدّيات عديدة تُعرقل اندماجه الكامل في المجتمع، بل تزيد من معاناته. وتعاني هَذِهِ الفئة، الَّتِي هي من أكثر الفئات هشاشة، من غياب البنية التحتية المناسبة، ومن ضعف الوعي المجتمعيّ، ونقص كبير في الدعم الحكومي الملموس.

وفي كل مناسبة رسميَّة، تُشدّد الحكومة المغربيَّة على أهميَّة دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وتُكرّر وعودها بتقديم الدعم المناسب لهم ولعائلاتهم، لكن على الرغم من كل هَذِهِ التصريحات، فإنَّ ما يعيشه هَؤُلَاءِ الأطفال يوميًا في المدارس والمراكز الصحيَّة وفي الحياة العامة يعكس واقعًا مريرًا بالعديد من المناطق، إذ لا تتوفر البنيَّة التحتيَّة اللازمة لضمان وصول هَؤُلَاءِ الأطفال إلى الأماكن العامة أو المدارس، كما أن العديد من المؤسّسات التعليميَّة تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتقديم التعليم الملائم لهَؤُلَاءِ الأطفال، ما يحرمهم من حقّهم الأساسي في التعليم على قدم المساواة مع أقرانهم. فالمؤسسات التعليميَّة، الَّتِي من المفترض أن تكون بيئة آمنة وشاملة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، غالبًا ما تفتقر إلى الكوادر المؤهلة للتعامل مع احتياجاتهم الخاصة.

كما أن بعض المدارس ترفض تسجيل هَؤُلَاءِ الأطفال بحجة عدم توفر الإمكانيات اللازمة، ما يزيد من عزلتهم الاجتماعيَّة ويحدّ من فرصهم في بناء مُستقبل مستقرٍ. هَذَا الوضع لا يقتصر على التعليم فقط، بل يمتدّ أيضًا إلى الرعاية الصحيَّة أيضًا، فغالبًا ما يواجه الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة صعوبةً في الوصول إلى خِدْمات صحيَّة متخصّصة تُلبّي احتياجاتهم الفرديَّة، وهو ما يُفاقم من معاناتهم اليوميَّة. وعلى مستوى الوعي المجتمعي، يظل الطفل ذو الاحتياجات الخاصة يعاني التهميش في المجتمع، ولا تزال العديد من الأسر، خاصّةً في المناطق القرويَّة، تنظر إلى الإعاقة على أنها عبء أو مصدر للخجل ما يدفع بعض الأسر إلى إبقاء أبنائها بعيدًا عن الأنظار بدلًا من توفير بيئة مُشجّعة ومُحفّزة لهم. كما أنَّ الإعلام، رغم محاولاته إبراز أهميَّة حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يقدم في الغالب صورةً شاملةً تعكس التحديات الحقيقيَّة الَّتِي تواجه هَذِهِ الفئة. إلى جانب ذلك، يظلّ الدعم الحكومي الماديّ والمعنوي غير كافٍ لتلبيَّة احتياجات هَؤُلَاءِ الأطفال وأسرهم، رغم وجود بعض المبادرات الحكوميَّة، الَّتِي يظل تأثيرها محدودًا ولا يرقى إلى مستوى التحديات الَّتِي تواجه الأسر الَّتِي لديها أطفال ذوو احتياجات خاصة.

فما زالت العديد من الأسر تواجه صعوبات مالية كبيرة في توفير الرعاية الصحيَّة والتعليم الخاص بأبنائها، في ظل غياب الدعم الحكومي الفعّال والمستدام. ويقع جزء المسؤولية أيضًا على المجتمع المدني والمنظمات غير الحكوميَّة، الَّتِي يمكن أن تمارس دورًا أكبر في دعم هَذِهِ الفئة، لكن حتى هَذِهِ المنظمات تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتمويل والبيروقراطية، مما يحد من قدرتها على التأثير بشكل فعّال. ويكشف الوضع الحالي أنَّ الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق العدالة الاجتماعيَّة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب، رغم الخطابات الرسميَّة والتصريحات العلنيَّة الَّتِي تُؤكّد أهميَّة حقوقهم، فإنَّ هَذِهِ الحقوق ما زالت بعيدة المنال على أرض الواقع. فهم بحاجة إلى أكثر من مجرد وعود؛ هم بحاجة إلى استراتيجيات حقيقيَّة وملموسة تترجم إلى سياسات فعّالة وبرامج عملية تسهم في تحسين حياتهم اليوميَّة ودمجهم الكامل في المجتمع، ودون هَذَا الالتزام الحقيقي سيبقى التناقض بين ما يقال وما يُنفذ واقعًا مريرًا يزيد من معاناة هَذِهِ الفئة الهشّة.

تابعنا على الفيسبوك