تواصل معنا

مقالات الرأي

هل الإسلام السياسي ظاهرة سياسية حديثة حصرية أم أنه مدين لالتزامات دينية إسلامية طويلة الأمد؟ ((تتمة))

أنوار المجاهد

تتمة للجزء الأوّل من المقال السَّابق، الَّذِي تطرّق إلى مجموعة من الأسئلة، الَّتِي تتعلّق بالجوانب الأيديولوجيّة والمعياريّة والرَّمزيّة والعصريّة للإسلام السِّياسيّ، فإنَّ هَذَا الجزء الثَّاني والأخير سنحاول معالجة الموضوع من زاوية تأخر النَّظرية السِّياسية كمجال أكاديمي في استنباط نهج مُميّز ومساهمة في دراسة الإسلام السِّياسي، انطلاقًا من اعتبارنا أنَّ النَّزعة العابرة للقوميات والعالمية أمرٌ لا مفرّ منه في النَّشاط الإسلامي، حيث إنَّ الأدبيات بشأن الإسلام السِّياسي في العلوم السِّياسيّة والتَّاريخ والدِّراسات الدِّينيّة والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع ضخمة، كما هو الحال مع العديد من المجالات المتعدّدة التَّخصّصات للمنح الدِّراسية، فإنّ النَّظريّة السِّياسية كمجال أكاديمي، قد تأخرت في استنباط نهج مُميّز ومساهمة في دراسة الإسلام السِّياسي، إذا فهمنا النَّظرية السِّياسية بالمعنى المؤسّسي من العمل، الَّذِي يُؤدّيه المُنظّرون السِّياسيّون الأكاديميّون.

وبالتَّالي، يركز هَذَا المقال بشكل أكثر موضوعية على الأسئلة، الَّتِي تمّ تناولها في مجموعة مُتنوّعة من الأدبيات، الَّتِي تتعلّق بالجوانب الأيديولوجيّة والمعياريّة والرَّمزيَّة والعصريّة للإسلام السِّياسي.

يُركّز القسم الأول على سؤال ما هو حديث عن أيديولوجية الإسلام السِّياسي وتطبيقه، ويبحث القسم الثَّاني في «الدِّراسة النَّقدية للعلمانيّة» الأخيرة وتداعياتها على دراسة الإسلام السِّياسي فيما يبحث القسم الثَّالث في الجدل الأكثر تحديدًا حول المشكلة، الَّتِي تطرحها الدَّولة الحديثة للإسلام، أمَّا القسم الرَّابع فيعيد النَّظر في مسألة «الإسلام والدِّيمقراطية» في ضوء الأحداث الأخيرة منذ صعود وسقوط ما يُسمّى بالرَّبيع العربي.

من الآراء الشَّائعة بين الإسلاميّين السِّياسيّين والعديد من العلماء الغربيّين أنَّ الإسلام أنتج حركة سياسية في الحداثة؛ لأنَّ هناك شيئًا سياسيًا في جوهره بشأن الإسلام، حيث تشمل نقاط الاتّصال المشتركة لهَذَا الرَّأي حقيقة أنَّ النَّبيَّ محمدًا كان قائدًا سياسيًا وعسكريًا أسَّس الإسلام ككيانٍ سياسيٍّ، وأنَّ الإسلام لم يطور تاريخيًا الفصل المؤسّسي بين «الكنيسة» المشتركة و«الدَّولة» المشتركة الَّتِي خرج منها يمكن أن تتطوّر العلمانية الوظيفيّة، وأنَّ الإسلام مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالتَّطبيق العام لقانون ديني (الشَّريعة الإسلامية) هَذَا الادّعاء – بأنَّ هناك اغترابًا حتميًا عن الدَّولة القومية العلمانية الحديثة؛ بسبب تناقضها مع التَّوقعات الإسلاميّة الأكثر أصالةً وأساسيّةً.

إنَّ الارتباكَ الغربيَّ الحديث مع الإسلام السِّياسي، هو جزء من سوء فهم المسيحيّين في العصور الوسطى للمسلمين والانشغال الشَّاذ بمسألة صدق محمد كنبيٍّ. بدلًا من ذلك، «إذا أردنا أن نفهم أي شيء على الإطلاق بشأن ما يحدث في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر وما حدث في الماضي، فهناك نقطتان أساسيتان يجب فهمهما، أحدهما هو عالمية الدِّين كعامل في حياة الشُّعوب المسلمة، والآخر هو مركزيته، من وجهة النَّظر هذه، كلما أصبحت السِّياسات الأكثر شعبية وحتّى ديمقراطية في البلدان الإسلامية، كلما توقعنا أن تعكس لغة دينيّة إسلاميّة.

«الإسلام منذ نشأته هو دين القوة، وفي العالم الإسلامي… القوّة يجب أن يمارسها المسلمون وحدهم…. هنا مرة أخرى، يجب أن نتذكّر أنَّ الإسلام لا يُنظر إليه على أنّه دين بالمعنى الغربي المحدود ولكن كمجتمعٍ وولاءٍ وأسلوب حياة – وأنَّ المجتمع الإسلامي لا يزال يتعافى من الحقبة المؤلمة عندما كانت الحكومات المسلمة وتم الإطاحة بالإمبراطوريات وإخضاع الشُّعوب المسلمة قسرًا لحكم الأجانب، تعكس وجهة النَّظر هَذِهِ اللُّغة الَّتِي يستخدمها الإسلاميّون أنفسهم في شرح سبب عدم قبول المسلمين مطلقًا بالعلمانية وخصخصة الدِّين. تمّ تقديم تفسير مماثل من قبل مجموعة مهمة من العلماء الَّذِينَ حولوا انتباههم إلى طبيعة وتاريخ العلمانية إنَّهم يركزون على الاحتمال التَّاريخي لمنظمات السِّياسة الأوروبيَّة في فترة ما بعد التَّنوير والعنف الَّذِي يمارسه ضد جميع التَّقاليد الدِّينيّة غير الرَّاغبة في الانكماش في المجال الخاص.

تابعنا على الفيسبوك