مجتمع
في زمن التكنولوجيا.. معاناة المواطن مع البيروقراطية الورقية مستمرة

في عصرنا الحالي أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزَّأ من حياتنا اليوميَّة، إذ تسهم في تسهيل مختلف العمليات والخِدْمات. غير أنَّ هناك مفارقة تثير التساؤل لدى كثير من المواطنين، فنجد أن الاهتمام بتوظيف هَذِهِ التكنولوجيا يتركّز -بشكل كبير- على مجالات مثل تحصيل الضرائب وتحصيل الغرامات، بينما تُهمل الخِدْمات الحيويَّة الَّتِي تتعلق بمصالح المواطنين مثل عقود الازدياد وتنفيذ الأحكام القضائيَّة.
وزيادة على هَذِهِ الملاحظات، تطرح تساؤلات عدّة حول الأسباب الَّتِي تجعل المواطن مضطرًا لتحمّل عناء التنقّل أو السفر، والتعامل مع واقع قلّة الموظفين للحصول على وثائق رسميَّة بسيطة، في الوقت الَّذِي يمكن فيه توفير هَذِهِ الخِدْمات بسهولة عبر الإنترنت أو من خلال تطبيقات الهاتف.
وفي ظل التكنولوجيا المتقدمة المتاحة اليوم، يمكن للحكومات والمؤسَّسات العامة تحسين نوعيَّة الخدمات المُقدّمة للمواطنين بشكل كبير، إذ إنّ توفير خِدْمات مثل استخراج عقود الازدياد، شهادات الزواج، الأحكام القضائية، وغيرها عبر الإنترنت، سيجعل حياة المواطنين أكثر سهولة وسيوفر عليهم الكثير من الوقت والجهد، فإنّ الواقع يعكس صورة مغايرة، فالمواطن لا يزال مجبرًا على التنقُّل إلى المرافق الحكوميَّة، والانتظار في طوابير طويلة، وربما التعامل مع معضلة قلة عدد الموظفين كما أنَّ بعضهم قد يكون غير متعاونٍ، وهو ما يطيل وقت الإجراء، وقد يمتدّ الأمر لأيام أو حتى أسابيع في بعض الأحيان، وهَذَا لا يتماشى مع عصر السرعة والسهولة الَّذِي نعيشه اليوم.
قد يبدو غريبًا أنَّ مؤسسات مثل المحاكم، الَّتِي تُحصّل الملايين من رسوم التقاضي وغيرها، لا تعمل وزارة العدل بشكل كافٍ على تسهيل الخِدْمات الإلكترونيَّة للمواطنين، في حين تُعدُّ هَذِهِ المؤسَّسات من أكثر الجهات الَّتِي يحتاج المواطنون إلى التعامل معها بشكلٍ مُستمرٍّ، ومع ذلك نجد أنَّ الكثير منها لا يزال يعتمد على الأنظمة الورقيَّة القديمة.
ويؤدي هَذَا الواقع إلى تعطّل مصالح المواطنين، ويزيد من التكاليف والجهد المبذول في الحصول على الوثائق المطلوبة على الرغم من وجود حلول تقنيَّة متاحة بسهولة، لا تزال هناك فجوة واضحة في تطبيق التكنولوجيا في مجال الخِدْمات الحكوميَّة.
إن التحول الرقمي يجب أن يشمل جميع جوانب الحياة، ولا ينبغي أن يقتصر فقط على المجالات الَّتِي تعود بالنفع الماليّ للدولة مثل الضرائب والغرامات. من الضروري أن تدرك الحكومات أن تسهيل حياة المواطنين وتحسين الخِدْمات المُقدّمة لهم لا يقل أهميَّة عن تحصيل الإيرادات.
لقد بات الانتقال من مدينة إلى أخرى أو حتّى من قريَّة إلى المدينة للحصول على وثيقة رسميَّة أمرًا غير مقبول في عصرنا الحالي. حيث يبقى من الوارد جدًا أن تتعطّل مصالح المواطنين لأيام أو أسابيع بسبب إضرابات الموظفين أو غيابهم لأسباب طارئة مثل المرض أو السفر.
إن توفير خِدْمات إلكترونيَّة شاملة، بما في ذلك استخراج الوثائق الرسميَّة والتعاملات القانونيَّة، سيُخفّف العبء عن المواطنين وسيُعزّز من ثقتهم في مؤسّسات الدولة. كما سيقلل من البيروقراطية والفساد، حيث ستكون العمليات أكثر شفافيَّة وسرعة. في النهاية، لا ينبغي أن يتحمل المواطن مشقّة الوصول إلى الخِدْمات الأساسيَّة في ظل توفر التكنولوجيا الَّتِي يمكن أن تجعل هَذَا الأمر ممكنًا بنقرة واحدة على هاتفه.
