تواصل معنا

مجتمع

عين على أبناء طنجة الحلقة السادسة عشر: فوزية بوالزيتون.. ابنة الريف المتمردة من أجل مناصرة والدفاع عن حقوق المرأة والطفل

فوزية تجربة نضالية مريرة قادتها للتربع على عرش العمل الجمعوي

لا يختلف اثنان، كون أنَّ مدينة طنجة أو طنجى أو طنجيس، ليست كجُلّ أو باقي المدن الأخرى، فهي مدينة الاستثناء في وطننا الحبيب، كيف لا وهي الَّتِي أنجبت طوال امتداد عقود وسنوات مضت، جيلًا من النُّخب والأطر المثقَّفة والسياسيَّة والأكاديميَّة، وجيلا من رجال المقاومة الوطنيَّة، سواء كانوا أعضاء بالحركة الوطنيَّة أم بجيش التحرير، وأيضًا أنجبت مئات من الخبراء ومن الأساتذة الجامعيين ومن الفنَّانين، كما أنجبت عددًا من الرياضيّين ومن المُسيّرين وغيرهم من الباحثين والمختصّين في مجالات مختلفة ومتعدّدة، بالإضافة إلى أنَّها احتضنت كفاءات كبيرة في مجالاتها، فإن كانت غير مزدادة بطنجة، فهي طنجاويَّة العقل والقلب والهوى، لكن من الصعب أو النادر أن تجد شخصيَّة قرَّرت تكريس نفسِها لخدمة مدينتها ووطنها، إذ لا تحب تسليط الأضواء عليها، بقدر ما تعشق التفاني في العمل، فكلّ من يعرفونها يقرون بصدقها ووفائها وعطائها، إذ أصبحت قدوةً للعطاء وللإنصات وللتَّواصل.

كما من الصعب أن تجد شخصيَّة كرَّست نفسها للتكوين والتأطير والدراسة لتنجح في مسارها الحياتي والمهني والجمعوي، بل قادرة على المساهمة في إعطاء إشعاعٍ كبيرٍ لبلدها كيف لا وهي الَّتِي قرَّرت طوعًا أن تناصر الفئات الهشّة وتدافع عن حقوق المرأة ومقاربة النوع والدفاع عن حقوق الطفل وعن الحقوق الإنسان بشموليتها وكونيتها، وأن تُكرّس وقتَها للعمل إلى جانب الفئات الهشَّة، بل تحاول زرع فيهم قيم التضامن والتعاون وحب الوطن وحب الآخرين، وهي نفس القيم الَّتِي تحاول أن تزرعها في كل من يحيط بها.

حسن تواضعها وتواصلها وإصغاؤها أيضًا للآخرين، جعل منها رمزًا للمرأة الَّتِي يحتذى بها في صفوف كلّ من عايشوها، فهي تُحسن التواصل مع جُلّ الفئات العمريَّة، شيوخًا كانوا أم كبارًا، شبابًا أم أطفالًا، وهَذَا ما يجعلها محبوبة عند الكلّ، وتجعلها تؤمن بمفهوم المجايلة فعلا وممارسة، قولًا ومضمونًا.

لا يمر يوم واحد إلا وتجدها تعبر عن عشقها وحبّها لمدينة طنجة الَّتِي ترعرعت فيها وعن حبها وعشها لمدينة الحسيمة ولسلسلة جبال الريف وهي المنطقة الَّتِي شهدت على ولادتها، فهي الإنسانة الَّتِي لا يمكن أن تتوانى عن خدمة أصدقائها ورفاقها، حيث كان منزلها دائما مفتوحًا لاحتضان كلّ من هو في حاجة للمساعدة، دون أن تُعدُّ ذلك منّةً أو صدقةً، بل واجب عليها اتجاه الآخر، وإن كان ذلك على حساب صحتِها ووقتِها، فالمدينة والوطن من أهم أولوياتها.

اليوم وفي إطار سياسة جريدة «لاديبيش»، الَّتِي تحاول رصد كلّ الشخصيات الشمالية والطنجاويَّة الناجحة بامتياز وتقدير في مجالها، ارتأت أن تتوقَّف عند امرأة كلَّما تقدمت في السن إلا وازدادت حكمةً ونضجًا وعطاءً لمدينتها ووطنها، وراكمت نجاحات ذاتيَّة يشهد به العدو قبل الصديق.

اختيار هَذِهِ الشخصيَّة الريفيَّة الطنجاويَّة، لم يكن عبثًا، وإنَّما التفاتة لكلّ ما تقدمه في مجال صعب للغاية، لهَذَا لاديبيش كان لا بُدَّ أن تلتفت في هَذَا بورتريه الَّذِي وصل للحلقة 16 إلى هَذِهِ الشخصيَّة.

  • تنحدر من سلسلة الريف.. 55 سنة من العطاء والكفاح

لم تكن «فوزيَّة بوالزيتون» المزداد سنة 1969، بالجماعة القرويَّة بني عبد الله المنتميَّة لإقليم الحسيمة، ضمن جهة طنجة تطوان الحسيمة، ويبلغ مجموع عدد سكان بني عبد الله حسب إحصاءات 2004 حوالي 7566 نسمة يعيشون في 1263 أسرة، لتنتقل بعد ذلك وهي في سنّ الثامنة من عمرها إلى طنجة العالية، رغبة من والدها رحمه الله، الَّذِي كان مهاجرًا آنذاك بالديار الأوربيَّة، الانتقال إلى المدينة؛ رغبةً منه لاستكمال أطفاله الدراسة، فرغم انتمائه إلى منطقة محافظة لا تؤمن بحق الفتاة في الدراسة فإنّ والدها كان منفتحًا في هَذَا المجال ومؤمنًا بأن التَّحصيل العلمي وحده الكفيل في تحصين أولاده، بحي «الجيراري» التابع لأكبر مقاطعة في المغرب، مقاطعة «بني مكادة»، بدأت ترسم أحلامها بريشة من الهيام، وتحاول أن تكافح من أجل الآمال الَّتِي كانت تحملها على عاتقها، فهي تربت في منطقة مناضلة تنحدر من منطقة عبد الكريم الخطابي واستقرت في طنجة ببني مكادة قلعت النضال وقلعت التمرد من أجل انتزاع الحقوق الَّتِي تضمن للإنسان كرامته.

أن تصبح شخصيَّة لها تأثيرها في المجال الَّذِي تعمل فيه، وتسهم في تنشيط الحياة الجمعويَّة والاجتماعيَّة، كما مارست دور المفهوم الحقيقي لمواطنة مغربيَّة تحاول أن تجمع بين مسار مهنيّ وحقوقيّ متميّز وما بين حياتها الأسريَّة.

فوزيَّة بوالزيتون، ذات الأصول الريفيَّة أبًا عن جد، فوالدها ووالدتها ينحدران من إقليم الحسيمة، الَّتِي جمعت بين أصول ريفيَّة وتربيَّة طنجاويَّة عريقة بعاداتها وتقاليدها، تطفئ شمعتها الخامسة والخمسين اليوم السبت 8 يونيو الجاري، تحاول أن تشقّ طريقها بكلّ ثبات، حتّى تترك بصمتها في المجالات الَّتِي تشتغل وتعمل فيها.

فوزيَّة بوالزيتون، أم لفتاة «ريم»، تدرس بالمرحلة الجامعيَّة تحاول أن تزع فيها جُلّ القيم الَّتِي تربت عليها، حتَّى تبقى مفتخرة بأصولها الريفيَّة، وبمدينتها طنجة وبوطنها العزيز، حاولت أن تربيها على ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المرأة، فكان ذلك.

  • فوزية بوالزيتون النشأة والتربيَّة في وسط محافظ على القيم والعادات منفتح على العلم والدراسة

نشأت وتربت، منذ نعومة أظافرها، إلى غاية السن الثامنة من عمرها، ببيئة ريفيَّة لها عاداتها وتقاليدها الخاصة بها، كل شيء بالجماعة القرويَّة الَّتِي تنتمي لإقليم الريف مختلف عن المدن الكبرى، فهي كانت تدرس، لكن لا بُدَّ أن تقوم بأمور أخرى مثل سقي الماء وغيرها، وإن أرادت الدراسة عليها أن تقطع كيلومترات على قدميها.

بعد ذلك انتقلت إلى المدينة بمفهومها الجدلي البعيد عن مفهوم القبيلة والجماعة وغيرها، كانت تنتمي لأسرة محافظة على القيم والتقاليد، لكنها منفتحة مؤمنة بإنسان حر يتمتع بجل حقوقه، لكن ذلك لا يتم إلا عن طريق الدراسة، الأمر الَّذِي ساهم في تكوين شخصياته القويَّة والشجاعة والمغامرة بشكل كبير، كما وجودها بطنجة الَّتِي عاشت فيها ما يقارب 47 سنة ساهمت أيضا في تكوين شخصيَّة مُثقّفة ومتفاهمة، كيف لا وطنجة تُعدُّ مدينة ملتقى الثقافات ومهد الحضارات وتلاقح القيم الإنسانيَّة.

بمنطقة الجيراري وبالقرب من حي النصارى ببني مكادة وبالقرب من سينما طارق، المنطقة الَّتِي كتبت اسمها بمداد من الفخر والاعتزاز والتضحيَّة، إذ تربّت وترعرعت وكون علاقات مع مجموعة من أبناء الحي.

طبعًا المجال المكاني الأول هو الحي ومن خلاله كان انفتاحها على باقي فضاءات مدينة طنجة، وبالنسبة لها في فترة الطفولة كنا مبهورة بمصطلح(المدينة) فكان هو الأكثر ترددًا واستعمالًا من اسم المدينة، كانت المدينة وزيارتها والغوص في عوالمها حلمًا وعشقًا، خصوصًا عندما تسمع «سيدي بوعراقيَّة والجبل الكبير وحسنونة والسوق دبرا والسوق الداخل والقصبة والحافة ومرشان والبلاية ووكسبراطا والسواني…».

كل اسم كان لها بمنزلة تحدٍ من أجل الاستكشاف، من أجل معرفة (أمم) هَذِهِ المدينة السرمديَّة، وكل حي كان يرتبط في استكشافها بغرض أو موضوع، وغالبا كان التحدي يرفع بعد سماع قصص المنطقة الَّذِينَ يكبرونها سنا وعن مغامراتهم وزياراتهم والصداقات الَّتِي كونتها مع أبناء تلك الأحياء ا، الَّتِي كانت هي حافة العالم الَّتِي ينتهي عندها كل شيء.

طبعا كل تلك العوالم المشكلة لفضاء المدينة في أبعاده الزمانيَّة والمكانيَّة، كان لها الأثر الذهني والنفسي والسوسيلوجي في تشكيل شخصيَّة فوزيَّة بوالزيتون الطفلة ثم الشابة، ثم فوزيَّة المرأة بداية بتخيل المكان/ الفضاء والتموضع فيه لاحقا حسا وواقعا.

كل هَذَا ساهمت في تقويَّة شخصيَّة «بوالزيتون» في السنوات الأخيرة بسبب انخراطها أيضا في العمل والجمعوي، واهتمامه بالقضايا الوطنيَّة المتعلقة بحقوق الإنسان والفئات الهشة، ففوزيَّة بوالزيتون اليوم تبدي اهتمامًا كبيرًا بكل ما يقع بالمدينة وبشأنها المحلي، فهي متابعة جيدة لكل التفاصيل الدقيقة الَّتِي تعيشها أو تعرفها المدينة بشكل يوميّ بل لحظي الأمر الَّذِي يساعدها في تحقيق النجاح على جُلّ المستويات.

  • فوزيَّة بوالزيتون.. هوايات متعددة ومختلفة

لفوزيَّة بوالزيتون هوايات متعددة ومختلفة، هوايات ربما استمدتها من عمق المحيط الَّذِي عاشت فيه، فهي المحبة العاشقة للموسيقى الهادئة الهادفة والملتزمة بالقضايا، تربت على أغاني مارسيل خليفة وأميمة وماجدة الرومي وفيروز وسعيد المغربي وغيرهم الكثير، هواية الاستماع إلى الأغاني الهادفة ساهمت أيضا في تكوين شخصيَّة فوزيَّة القويَّة والحادة، الَّتِي لا تتنازل على مواقفها ومبادئها مهما حدث.

إلى جانب الموسيقى، فوزيَّة بوالزيتون، تعشق السينما العالميَّة الواقعيَّة، فهي متابعة جيدة لجل الأعمال السينمائية الجديدة عالميا، خصوصا تلك الَّتِي تحصد جوائز عالميَّة مثل جائزة أوسكار.

والى جانب عشقها وسماعها للموسيقى ومشاهدها للسينما، فهي قارئة جيدة في جُلّ المجالات، فالقراءة تغدي الروح وتنمي العقل وتجعلك مرتبطا دائما مع الواقع، تقرأ أيضا كل المستجدات المتعلقة بمجال عملها وتدخلها.

بوالزيتون فوزيَّة، لها أيضًا هواية الانفتاح على مجالات معرفيَّة، فهي أيضا من عشَّاق البحر وذلك راجع ربما لانحدارها من مدينة ساحليّة، فهي ملتقى البحرين الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.

المرأة تعشق السفر والمغامرات، خصوصًا المناطق الَّتِي تجمع بين الجبل ليكتشف أسراره وما بين البحر ليكتشف أغواره.

  • فوزية بو الزيتون.. مسار علمي وتكويني متنوّع ومختلف

لفوزيَّة بو الزيتون مسارٌ دراسيٌّ سلسٌ بامتياز، فهي ابنة رجل ريفي يُؤمن بحق الأبناء إناثًا وذكورًا، أن يكملوا دراستهم، درست السنة الأولى الابتدائي بمدرسة التابعة للجماعة القرويَّة ببني عبد الله إقليم الحسيمة، بعدها انتقلت إلى مدينة طنجة حيث واكبتها دراستها الابتدائيَّة بالمدرسة الابتدائيَّة «الولادة»، وحصلت على شهادة مستوى الابتدائي هناك بتلك المؤسّسة التعليميَّة القائمة بذاتها لحدود الساعة والتابعة لمقاطعة مغوغة حاليًا، وبالضبط بحي تافيلالت.

انتقلت بعد ذلك إلى الثانويَّة الإعداديَّة علال الفاسي، حيث واكبت دراستها فإنّ انتقلت إلى مرحلة الثانويَّة، المرحلة الَّتِي سوف يتشكل لديها الوعي السياسي والفكري أيضًا، فقرَّرت مواكبة دراستها الثانويَّة بعلال الفاسي أيضًا.

في سنة 1989، تمكنت ابنة الريف «فوزية بوالزيتون» من الحصول على شهادة البكالوريا شعبة الأدب، وهي السنة الَّتِي شهد فيها المغرب المقاطعة الوطنيَّة للامتحانات بجل الجامعات المغربيَّة، في علال الفاسي بدأ حلم الوطن يكبر وفكرة التحرر والانعتاق تنمو والتضامن وتبني القضيَّة الفلسطينيَّة تترسخ أكثر فأكثر.

بعد حصولها على الباكالوريا، كانت فوزية، الَّتِي لقيت كل الدعم من والدها رحمه الله، تعي ما تفعل، وتعرف أنه لا مجال لتحقيق الذات دون مواصلة مشوارها الدراسي، الَّذِي ربما كانت قد تحرم منه، إن هي استمرت بالريف ولم تنتقل إلى طنجة وهو القرار الشجاع الَّذِي اتخذه والدها من أجلها وأجل إخوتها.

فوزيَّة التحقت بكلية الآداب والعلوم الإنسانيَّة بمارتيل، لتدرس شعبة التاريخ والجغرافيا، وهي الشعبة الَّتِي حصلت فيها على شهادة الإجازة سنة 1995.

في المرحلة الجامعة، لم يكن لهَذِهِ الطالبة الريفيَّة المتأصلة والمتردة الَّتِي نشقت هواء طنجة، فإنّ تكون مناضلة في صفوف الاتّحاد الوطني لطلبة المغرب، النقابة الوحيدة، آنذاك الَّتِي تمثل الطلبة وتدافع عن حقوقهم الماديَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

الفترة الَّتِي مرت بها فوزيَّة بالجامعة المغربيَّة ليس بالمرحلة السهلة، فهي تبنت الفكر التحرّري، والإيديولوجيَّة اليساريَّة، فكان لا بُدَّ عليها أن تكون مثالًا يحتذى به، أن تناضل من أجل حقِّها في التحصيل العلمي وتحسين ظروف الدراسة والحفظ على كرامة الطالب، وأن تنجح في كل سنة لأن وجودها هناك من أجل الدراسة ونضالها أيضًا من أجل الدراسة.

بعد سنوات من الانقطاع على الدراسة، عادت فوزيَّة بو الزيتون مرة أخرى لتحصل بكلية الحقوق بمدينة طنجة على شهادة ماستير، في مجال مقاربة النوع والحقوق الإنسان بين الضفتين، وهو الأمر الَّذِي نجحت فيه بامتياز وكان البحث الَّذِي ناقشت به من أجل الحصول على دبلوم «الماستير» متميزًا جدًّا ومفيدًا للغاية.

فرغم إشرافها على العقد الخامس آنذاك فإنّها ظلت متشبّثة بضرورة مواكبة دراستها، فالسنّ لا يمكن أن يكبح إرادة الإنسان ورغبته.

بعيدًا عن التكوين الأكاديمي المرتبط بالمدرسة العموميَّة، أو بالجامعات المغربيَّة، حيث تكون في مجال التقليص من مخاطر تعاطي المخدرات، بكلّ من كندا وإسبانيا وفرنسا وبيروت بلبنان، وأيضًا تكون في مجال الحقوق الإنسان ومقاربة النوع، وحصلت على شواهد تقديريَّة عديدة في هَذَا المجال.

  • فوزية بوالزيتون.. مسار مهني حالم وطموح

لفوزيَّة بو الزيتون مسار مهني شاق للغاية، لكن هَذَا المسار دائما ظل المشتبة بالحلم وبالغد الأفضل، فهي كانت في البداية كعاملة في مجال النسيج، وبالضبط بعد انتهائها من الدراسة الجامعيَّة سنة 1995، فعملها كعاملة، كان آنذاك على الأقل يفتح لها إمكانيَّة الاعتماد على الذات والسفر والكفاح من أجل مواصلة الحلم.

بعد ذلك عملت لأوّل مرة في العمل الجمعوي بجمعيَّة الوفاء بمنطقة بئر شيفاء، حيث تعمل مع الأطفال في برنامج الهدر المدرسي، ومع النساء في وضعيَّة صعبة، بعد ذلك انتقلت فوزيَّة للعمل بجمعيَّة دارنا، وهي الجمعيَّة الَّتِي سمحت لها في تكوين قدراتها الذاتيَّة المتعلقة بممارسة العمل الجمعوي كمهنة وليس التطوّع، فعملت لبضع سنوات وأبلت بلاءً حسنًا، وتركت مكانة خاصة في قلوب كل ما عايشوها وعملوا معها.

في أواخر سنة 2006 وبداية 2007، انتقلت للعمل بجمعيَّة حسنونة، حيث ما زالت تعمل إلى حدود اللحظة هناك كمديرة للجمعيَّة، الَّتِي تعمل مع فئة مستعملي ومستعملات المخدرات القابلة للحقن، وهو مجال صعب للغاية، خصوصًا أن فوزيَّة عندما بدأت العمل في هَذِهِ الجمعيَّة الَّتِي تأسست تقريبًا في نفس تاريخ التحاق فوزية بعملها، كانت الجمعيَّة الوحيدة الَّتِي تعمل مع هَذِهِ الفئة الَّتِي تستعمل مخدر الهيروين والكوكايين، وكان واجب عليها أن تخلق وسائل الاشتغال رفقة فريق عمل صغير للغاية.

الجمعيَّة الَّتِي كانت تعمل في البداية على توزيع حقن جديدة واسترجاع الحقن المستعملة، من لدن مستعملي المخدرات القابلة للحقن، وكانت تعمل على التحسيس والتوعيَّة والتوجيه، كبرت اليوم لتعمل في أربع مراكز طب الإدمان وتتدخل في طنجة وأصيلة والعرائش والقصر الكبير، كما أنها تعمل أيضا على محور الدعم النفسي والاجتماعي، والإدماج المهني لهَذِهِ الفئة.

فوزية بوالزيتون أصبحت مكونة في مجالها وباحثة أيضا، حيث تقوم بتكوين جل من يريد أن يعمل في مجال التقليص من مخاطر تعاطي المخدرات، بشمال إفريقيا وشرق الأوسط وعلى المستوى الوطني، كما أنَّها أصبحت مكونة في مجال الأمراض الَّتِي تنتقل عن طريق التعاطي أو الجنس مثل داء فقدان المناعة البشري.

كما تخصَّصت فوزية في مشاركة وتأطير عددٍ من الندوات والورشات حول حقوق الفئات الهشة وأيضًا في مقاربة النوع بين الجنسين، فلها مشاركات عديدة سواء كتدخلات موضوعاتية أو كتأطير الورشات المهتمة بهَذَا المجال.

فوزيَّة بوالزيتون أيضًا أصبحت متطوّعة في بعض الجمعيات أو الشبكات وأيضًا عضوًا في عدد من الشبكات، فهي في لجنة دولية تقوم بمواكبة ودعم المشروعات، الَّتِي تعمل في نفس مجالها بالدول الإفريقيَّة، وعضوًا في الشبكات الَّتِي دفع عن حقوق المرأة ولها مشاركات عديدة، آخرها حضور ملتقى دولي بالولايات المتحدة الأمريكيَّة.

  • فوزية بوالزيتون والعمل الجمعوي والتطوعي

عملها في العمل الجمعوي لم يكن من الفراغ، وإنَّما بإيمانها بثقافة حقوق الإنسان، فهي مناضلة سابقة في صفوف الجمعيَّة الوطنيَّة للمعطلين بالمغرب فرع طنجة، وكانت تواكب جُلّ نضالات الجامعيَّة محليا ووطنيا، كما أنَّها عضو سابق بالجمعيَّة المغربيَّة لحقوق الإنسان.

رغم عملها بجمعيَّة حسنونة لمساندة مستعملي ومستعملات المخدرات، فإنّها ظلت متطوعة في عدد الهيئات أو الجمعيات، فثقافة التطوع قناعة راسخة عند بو الزيتون من الصعب استئصالها.

ارتباط فوزيَّة بالعمل الجمعوي لا يمكن ربطه فقط بالمجال المهنيّ المحض، وإنَّما بقناعة شخصيَّة فالمرأة أرادت أن تجمع بين قناعتها وعملها، فارتبطت بالمجال الاجتماعي والجمعويّ التطوعيّ.

  • فوزية بو الزيتون والعمل السياسي أية علاقة

ككل مواطن مغربي يحبّ وطنه ومدينته، فوزيَّة بو الزيتون متتبعة جيّدة لكلّ مُستجدّات المدينة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، لكن ذلك لم يغريا يومًا لكي تمارس العمل السياسي المنظم والمؤسس، أو أن تنخرط بأي هيئة سياسيَّة، ففوزيَّة الَّتِي مرت بالجامعة المغربيَّة وناضلت في صفوفها وارتبطت بالفكر اليساري وبالأيديولوجيَّة اليساريَّة وناضلت في منظمات موازيَّة تتبنى الفكر نفسه، لم يغرها اليوم أي عرض سياسي لأي هيئة سياسيَّة ببلادنا.

فكل ما يفكر فيه كري الذهبي مهاراتها الذاتيَّة وتطوير أداء الجمعيَّة الَّتِي تعمل فيها، وأن تستمر في الدفاع عن الفئات الهشّة وتتمكن من الدفاع عن حقوق المرأة وعن مقاربة النوع أيضًا ففوزية الَّتِي لا تربطها أي علاقة بالعمل السياسي، تحلم كباقي الأحرار بوطن يتّسع للجميع، وطن يقوم فيه كل واحد بدوره وبممارسة واجباته.

  • فوزيَّة بوالزيتون والتكريمات

خلال مسارها الحافل بالعطاء والتضحيَّة، كان لا بُدَّ لهَذِهِ المرأة أن تحظى بتكريم مباشر وباعتراف بمجهوداتها، وأن تحظى بدعمٍ معنويٍّ مُهمٍّ للغاية، وهو الدعم الَّذِي يحتاج إليه أي شخص. ففوزيَّة بوالزيتون سبق وأن كُرّمت بشكل رسميّ في إحدى الأنشطة الَّتِي نظمتها جمعيَّة حسنونة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، إلى جانب بعض الفاعلات المدنيات بطنجة، وكم هو جميل أن يحتفي ويعترف بك أشخاصٌ يعملون معك.

كما تمّ تكريمُها أيضًا إلى جانب بعض الفاعلات الرياضيَّات والإعلاميَّات وغيرهن بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، بإحدى الأنشطة الَّتِي نظَّمتها المؤسّسة التعليميَّة الساقيَّة الحمراء بمنطقة طنجة البالية بمقاطعة مغوغة بطنجة.

  • فوزية بو الزيتون وارتباطها بالقضيَّة الفلسطينيَّة

فوزيَّة بو الزيتون مثلها مثل غالبيَّة المغاربة، تُعدُّ القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّة وطنيَّة يجب تبنيها والقطع مع كل أشكل التطبيع مع الكيان الصهيوني، ففلسطين بالنسبة لها تمثل أداة أساسيَّة في تحليل مجريات الأحداث على المستوى الدولي وخاصة الإقليمي، وبوصلة لمعرفة اتجاهات الصراع بالمنطقة.

قضيَّة فلسطين تُمثّل فوزية منذ بداية تشكّل وعيها قضيَّة مبدئية، فهي قضيَّة تحرّر وقضيَّة صراع بين مركز العالم وهامشه في إطار لعبة المصالح الكبرى على اعتبار الدور الوظيفي لدولة الاحتلال.

  • الموت يفجع فوزية بوالزيتون

خلال مسار حياتها مرت «فوزية بوالزيتون» بأوقات صعبة للغاية، محطات أفجعتها في حياتها أبرزها مفارقة والدتها. وفوجعت للمرة الثانيَّة بعد فقدان حبيبها والدها الَّذِي كانت تجمعه معها علاقة إنسانيَّة كبيرة، فالموت هزّ كيانها وكسر شوكتها في لحظة من اللحظات.

  • فوزيَّة بو الزيتون.. محطات أمل

في مقابل لحظات الحزن مرت فوزيَّة بو الزيتون، بفترات وأحداث كان لها أثر التخفيف، خصوصا بعد ما رزقت الله بطفلة اليوم هي في ريعان الشباب، وأيضًا عندما لامست تضحياتها تتحول إلى إنجازات على أرض الواقع. بو الزيتون اليوم يمكن اعتبارها نموذجًا ناجحًا في مجالها سواء كمهنيَّة أو كمتطوعة أو كباحثة ومؤطرة في مجالات عملها.

تابعنا على الفيسبوك