مجتمع
تحقيق: بعد ما اقتحمت الفضاءات العمومية بطنجة.. التسول مهنة من لا مهنة له
من إنجاز: المختار لعروسي
ما إن تضع قدميك بها حتّى تسحرك وتبهرك بجمالها غير العادي وبطبيعتها الخلَّابة، أزقّتها ودروبها تخفي قصص عبق التاريخ وروايات الحضارات الغابرة الَّتِي مرَّت بها، ولكلّ حضارة قصّة ورواية، فكيف لا وهي المدينة الَّتِي تُعدُّ مهد الحضارات وملتقى الثقافات ومدينة تلاقح الأديان ومدينة التسامح.
هي بوابة إفريقيا نحو أوروبّا، وهي ملتقى البحرين، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، هي المدينة الضاربة في القدم، هي مَن استقبلت حضارة الإغريقيين والرومان والفنيقيّين، هي من رسَّخت لأسطورة هرقل، وحافظت على مقابر الرومان، احتضنت تجارتهم وفلاحتهم واقتصادهم.
طنجى أو طنجيس أو طنجة أسماء كثيرة ومتعدّدة، احتضنت أيضًا حضارات ما بعد الإسلام، وكانت مركزًا حاسمًا أيضًا في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، مركز المقاومة ومركزًا ينتج المقاومين الَّذِينَ قاوموا الاحتلال الغاشم، بل أنتج رجالًا وطنيين وسياسيّين، كتبوا تاريخهم بمداد من التضحيات والفخر والاعتزاز، فيكفي أن أوّل حكومة للتناوب قادها سياسي مُحنّك هو ابن بار لمدينة طنجة الفقيد «عبد الرحمن اليوسفي».
مما لا شك فيه، أنَّ عاصمة البوغاز اليوم تشهد تحوّلاتٍ كبيرةً في بنياتها التحتيَّة وفي هياكلها، فهي المدينة الَّتِي تستقبل يوميًّا العشرات من الاستثمارات، وأصبحت وجهةً لكلّ المستثمرين الأجانب والمغاربة، كما أصبحت وجهة حقيقيَّة لكلّ الشباب الَّذِي يبحث عن فرصة شغل أو فرصة عمل، وهَذَا ناتج عن الاهتمام الملكيّ الَّذِي تحظى به من جهة، وبفضل موقعها الجغرافي القريب جدًا من الجارة الإسبانيَّة.
لكنّ كل هَذِهِ المميزات -الَّتِي تزخر بها مدينة طنجة- لا تخفي بروز ظواهر اجتماعيَّة خطيرة جدًّا، نتجت -وفق التطور الَّذِي تعيشه المدينة- ظواهر قد تتسبّب في اندثار بعض القيم والعادات والتقاليد، فهي ظواهر ناتجة عن مجتمع غارق في التناقضات ومشكلات الحياة، إذ يحاول أن يجد مخرجًا من المأزق الَّذِي يعيش فيه، وإن كان ذلك على حساب قيم مجتمع بأكمله.
لا يمكن إذن أن نتحدّث عن مدينة طنجة، دون تسجيل تنامي ظاهرة اجتماعيَّة خطيرة تُسهم في اندثار كلّ القيم، لتعطي صورةً سلبيَّةً عن مدينة حضاريَّة ودوليَّة يعرفها العالم ويقصدها من أجل السياحة والتمتّع بها، وهي ظاهرة التسوّل، فأينما ولّيت وجهك وإلا رصدت عيناك جحافلَ من المتسوّلين، المئات من الأشخاص ينتمون إلى فئات عمريَّة مختلفة وإلى الجنسين، يعتمدون أساليبَ مُختلفةً ويخلقون قصصًا متعدّدةً، لكلّ واحد منهم طريقته الخاصة في خلق تعاطف الناس من أجل استمالتهم وجلب منهم الدريهمات.
إذ تُعدُّ ظاهرة التسوّل من الظواهر الاجتماعيَّة الَّتِي تعكس الجوانب المُعقّدة للحياة في المجتمع المغربي، يتجاوز التسول البساطة الظاهريَّة، فطنجة على غرار عددٍ من المدن المغربيَّة تعاني ظاهرة التسول منذ سنوات طويلة، وتتفاوت أسبابها وظروفها من منطقة إلى أخرى، حيث يرجع البعض ذلك إلى الفقر والبطالة، في حين يربط البعض الآخر ذلك بالظروف الاقتصاديَّة الصعبة والظلم الاجتماعيّ. تصاحب التسول ظواهر أخرى مثل الاستغلال والتنظيم الإجراميّ، ما يجعلها موضوعًا معقدًا يتطلّب فهمًا عميقًا وتحليلًا شاملًا. وبين هَذَا وذاك تجد طنجة أصبحت غارقةً في عدد المتسولين الَّذِي جعلوا من التسوّل مهنة تدرّ عليها أرباحًا، فهي مدخل رزقهم، فالتسول عن البعض مهنة.
*يقصدونها الناس من أماكن مختلفة.. حولوا التسوّل من ظاهرة اجتماعية إلى حرفة يحترفونها
إذا كانت الآلاف تقصد مدينة طنجة قصد السياحة ومثلها تقصد طنجة للعمل، فهناك مئات من الأشخاص يقصدون مدينة طنجة للتسوّل والعمل في هَذَا المجال بشكل مُنظّم، حيث ساهموا في تحويل التسوّل من ظاهرة اجتماعيَّة سيئة إلى حرفة يحترفونها، بل أصبحت موردَ رزقهم، تدرّ عليهم دخلًا شبه قار.
فلم تعد الحاجة هي مَن تخرج هَؤُلَاءِ للشارع، من أجل لقمة العيش والتغلّب على الجوع والفقر، بل هو عمل منظم يجب القيام به.
في هَذَا الصدد التقت جريدة «لاديبيش»، بعض الأشخاص الَّذِينَ قبلوا أن يحكوا قصصهم أو قصص أصدقائهم، إذا كانت على الشكل التالي:
حميد، وهو اسم حركي فقط يعود لابن ميدلت البالغ من العمر 48 سنة، جاء في البداية لطنجة قصد البحث عن العمل بعد ما ضاق به الحال بمدينته، لكن كبر سنّه وقلّة صحّته ومؤهله الدراسي، حال ذلك بالفشل ووجد نفسه مرّة أخرى يدور في خانة البطالة وقلّة الحيلة، وهو الشخص المتزوج ولديه ثلاثة أطفال، حسب حد قوله، فإنّه التقى بامرأة بمدينة طنجة، وبعد التعرّف عليها وتبادل أطراف الحديث عرف أنّها تعمل في التسوّل وتدرّ أرباحًا مُهمّةً، وتمكنت بعد وقتٍ طويلٍ من إقناعه، بأن يعمل في هَذَا المجال.
حميد يضيف في معرض حديثه مع جريدة «لاديبيش»، رفضت ذلك كثيرًا وقاومت كثيرًا، لكن في الأخر قبلت كي أخرج من دوامة العوز والفقر. الطريقة الَّتِي يسرد بها حميد أبهرت هيئة تحرير جريدة «لاديبيش»، وهي ما دفعتنا لنسأل عن المستوى الدراسي حيث صدمنا عندما علمنا أنه حاصل على الإجازة في الدراسات الإسلاميَّة، حميد قال إنّه يعمل مع تلك المرأة، فهي من تؤمن له المكان الَّذِي يتسوّل فيه مقابل أن يمنحها 150 درهمًا يوميًّا، الأمر الَّذِي دفعنا لنسأله وكم يبقى له فأجاب كل يوم ورزقوا لكنَّ البركة حاضرة، وأكّد أنه في بعض الأحيان يصل ربحه إلى 500 درهم في اليوم وفي البعض الأحيان لا يتجاوز 200 درهم. وأكّد حميد أنّه يعمل كمتسوّل، كأنه يعمل في وظيفة عموميَّة، فهو يبدأ العمل مع الحاديَّة عشرة صباحًا إلى غاية الثالثة زوالًا، ثُمّ يذهب للغداء والاستراحة ويواصل عمله من الرابعة والنصف إلى غاية العاشرة ليلًا، أي يعمل تسع ساعات وبشكل يوميّ.
ويضيف حميد لا نعرف العطلة ولا المرض في عملنا، فقط العمل والإبداع في طريقة التسوّل هي الكفيلة بجلب موارد رزق، علما أنّه لا يمكن أن نبقى حبيسي مكانٍ واحدٍ، فالأمكنة تختلف وتتعدد حسب الوضع، وحسب الفترات الزمانيَّة. من جهتها أكّدت حليمة 41 سنة، ابنة مدينة الخنيفرة، أنّه بعد طلاقها وجدت نفسها ترعى خمسة أطفال، والأب أي الطليق لا يتحمّل مسؤولية أطفاله، ولا يمنحهم النفقة اللازمة، فكانت لا بُدَّ لها أن تبحث عن عمل يُمكنها من التغلّب على قساوة الحياة.
عملت حليمة في بداية الأمر في مجال النظافة، فإنّ هناك عواملَ كثيرةً دفعتها لعدم الإكمال في هَذَا المجال، وبالتالي كان لا بُدَّ لها أن تأتي لطنجة وتبحث عن العمل، فعملت في مجال التسوّل. حليمة تحكي أنها دخلت لعالم التسوّل دون أن تُفكّر في الأمر أو تخطط له، فقد تعرّضت لعملية السرقة بطنجة ولم تعد تملك أي درهم، وكان لا بُدَّ لها أن تسدّد أجرة الفندق، فحاولت أن تطلب ذلك من بعض الساكنة، لكنها تفاجأت بسخاوتهم، حيث وفّرت 400 درهم في فترة وجيزة، الأمر الَّذِي شجعها على التسوّل وامتهان الأمر.
حليمة قالت إنّها تتعامل مع الأمر وكأنّها مُوظّفة تُحدّد سابقًا مكان تدخلها بعد دراسة الأمكنة سابقا، كما تعرف نوعيَّة المارة والساكنة لتختار وقت التسوّل والخطاب المستعمل ونوعيَّة للباس، فالأمر بالنسبة لها ليس عشوائيًا وإنَّما يجب أن يكون مدروسًا، حتّى تتمكّن من النجاح في مهامّها.
حليمة اليوم تُوفّر من التسوّل، أكثر مما يُوفّر الموظف نظير عمله فهي تصل لسقف 10000 درهم شهريًا، وربَّما بشكل أقل في بعض الأحيان، لكنَّها تُوفّر مبلغًا يكفيها لرعاية أولادها وأسرتها الصغيرة، لكنّهم لا يعلمون شيئًا عن طبيعة شغلها.
*المخدرات والاعتداءات الجنسيَّة والفقر دفعهم للتسول
حمزة (13 سنة) ينحدر من إحدى قرى إقليم مراكش، يحكى لنا كيف اضطر إلى المجيء لطنجة، فهو الَّذِي تحمل في البداية قسوة عشيق أمه الَّذِي كان يعيش معها في منزلهم بعد وفاة والده في حادثة سير مؤلمة، وتذكّر حمزة بحرقة كيف لم يطق الصبر على معاناته المتكرّرة معه بعد تجرئه على الاعتداء عليه جنسيًّا كلما غابت والدته عن المنزل. وما حزَّ في حمزة ودفعه مباشرة للرحيل عن البيت، هو تكذيب والدته له عندما اشتكى لها من اعتداءات خليلها الَّذِي أنكر أفعاله أمامّها، بل نهرته وأنبته مُتهمةً إيّاه باختلاق حكايات بغية طرد صديقها من المنزل.
فوجد نفسه في الشارع وهو غارق في بحر الإدمان على المخدرات، ويفترش الشارع لينام، وبدأت عملية الاعتداء الجنسي والتغرير به تتكرّر معه، فبدأ يحلم بالهجرة إلى أوروبّا وهو ما دفعه للسفر إلى مدينة طنجة، وهناك تعرف على «حامو» باطرون القاصرين الَّذِينَ يتسولون بدأ يعمل معه مقابل 120 درهمًا في اليوم، الأمر الَّذِي شجَّع حمزة على الاستمرار في هَذَا المجال.
حالة مماثلة التقت بها جريدة «لاديبيش»، وتخصّ الطفل حاتم لم يكمل بعد 15 سنة، وينحدر من مدينة الجديدة، الَّذِي كان في حالة تخدير بسبب تناوله أقراصًا مُهلوسةً، حملته الوحدة معها على متن سيارة الخدمة، حاتم الَّذِي كان يعيش رفقة والدته المطلقة وثلاثة من إخوته، كان يرى المعاناة الَّتِي تواجه والدته من أجل توفير لهم لقمة العيش، فهي من كانت تعمل في مجال الفلاحة وفي بعض الأحيان كعاملة في المنازل.
لكن يقول حاتم مع اشتداد الفقر وضيق ذات اليد، غادر حاتم مدينته متوجهًا نحو الشمال حاملًا معه حلم الهجرة إلى الديار الأوروبيَّة. وهو الحلم الَّذِي لم يفارقه للحظة حيث حاول لمرّات متعدّدة الهجرة السريَّة عبر ميناء طنجة دون جدوى ومستعد لمعاودة الكرّة مرّات ومرّات، وفي انتظار ذلك يقضي يومه في تسوّل ما جاد كرم المواطنين يصرفه في الأكل والتدخين وتعاطي الأقراص المخدّرة، وبسبب إدمانه على هَذِهِ الأخيرة كان يوسف يفرّ دومًا من مركز الرعاية الاجتماعيَّة بسبب حاجته الملحة إلى المال لاقتناء المخدرات، فيحصل عليه من احترافه التسول.
حاتم قال أيضًا إنّ التسوّل تسبب له في اعتداء جنسي، فبينما هو يطلب الناس مقابل حصول على دريهمات، وقفت عليه سيارة فارهة وسط المدينة يقودها شخص يتجاوز عمره ستين سنة، طلب منه الصعود للسيارة، وأقنعه أنه فاعل خير، وأنّه سوف يخرجه من التسوّل وتعاطي المخدرات وسوف يعيده للدراسة وتوفير بعض الأموال لأسرته، الأمر الَّذِي فاجأ حاتم وأبدى موافقته، حيث طلب منه الرجل مرافقته إلى منزله الَّذِي يقع بمكان خارج مدينة طنجة. يستطرد قائلًا: «كان كل شيء عاديًّا، لم يحصل أي شيء في اليومين الأولين، فالرجل يتعامل معه كابنه ويُوفّر له كل شيء، لكن في اليوم الثالث طلب منه أن يدخل معه حمام المنزل من أجل التحمم وهناك غرر به حيث مارس عليه الجنس وظل على ذلك الوضع لمدة أسبوعين، ليطرده بعد أنا عادت أسرته من السفر، فعاد حاتم للتسول».
*بيـوت اللــه تتحـــوّل إلــى مكان مفضل للمـتسوّليـــن
في الوقت الَّذِي كانت فيه المساجد (بيوت الله)، أماكن للصلاة والعبادة، فهي لم تسلم أيضًا من عدد من الظواهر الاجتماعيَّة الغريبة، خصوصًا في محيطها، ففي أغلب أبواب المساجد الكبرى بالمدينة تجد عددًا من النساء والرجال يتسولون ويطلبون من المصلين أن يمنحوهم بعض الدريهمات، محاولين استعطافهم واستخدام الوازع الديني، ما دام المكان يوحي بذلك.
جُلّ المساجد بمدينة طنجة أصبحت تستقطب المتسوّلين، ولكلّ واحد منهم طريقته الخاصة في التسول أو «السعاية» ولكلّ مبدع نصيب، هكذا تقول لطيفة لجريدة «لاديبيش»، فالتسوّل ليس بعمل جامد، وإنَّما يتطلب تجديد طرق التسوّل حسب حد قول هَذِهِ المتسولة.
*عصابات محترفة للتسول
لم يعد التسوّل بطنجة ظاهرةً قائمةً على اعتماد بعض الأشخاص على هَذِهِ الطريقة لجلب الأموال، بل أصبحت مُقنّنة، وهناك عصابات تسيطر على «سوق التسوّل» بطنجة، وهي تلجأ إلى استغلال عددٍ من العجزة وذوي العاهات والإعاقات، إضافة إلى الرضّع والأطفال لكسب أموال طائلة عن طريق استدرار عطف المواطنين بإظهار الضعف والعجز والفقر.
وكانت هَذِهِ العصابات تعمد على توزيع المتسولين الَّذِينَ يشتغلون تحت إمرتها على نقاط «استراتيجيَّة» بالمدن تشهد ازدحامًا للمارة أو للسيارات تحتكرها لوحدها، منها أبواب المساجد والصيدليات والمخابز وحول ملتقيات السير… فرئيسة العصابة كانت تُعدُّ برنامجًا مُحكّمًا لتوزيع المتسوّلين على جميع أنحاء المدينة وكأنّها تدير شركة بها عشرات العمال، إذ كانت تسهر على الجمع واستخلاص مداخيل المتسولين نهاية كلّ يوم عملٍ، فمنهم من يُؤدّي سومة ثابتة نظير استغلال أماكن التسوّل، بينما آخرون يقدمون لها مجموع «الصدقات» المستخلصة، وهي تكافئهم بمنحهم نسبة من المداخيل مع توفير مكانٍ لهم للمبيت.
*استغلال الرضع وذوي الاحتياجات الخاصة
لم يعد التسوّل أمرًا هيّنًا، بل لا بُدَّ للإعداد له سابقًا حتّى تتمكّن من استمالة تعاطف الناس، فهناك من يكتري الرضع والأطفال قصد التسول بهم مقابل سومة كرائية مُحدّدة، وهو سلوك إجرامي في حق هَؤُلَاءِ الملائكة الَّذِينَ لم يسلموا من وحشيَّة هَؤُلَاءِ المتسوّلين.
فجريدة «لاديبيش»، علمت أن عددًا من المتسولين يعتمدون على سياسة كراء الرضع واسترجاعهم بعد النهاية من عملهم، الأمر الَّذِي يتطلّب تدخل الأمن من أجل ردعهم، وهو نفس الأمر الَّذِي يتكرر مع ذوي الاحتياجات الخاصة حيث تُكترى بعض الحالات الصعبة حتى يتم خلق تعاطف الناس معهم ويمنحوهم بعض الدريهمات.
إن الخطير في التسول بمدينة طنجة، هو انتقال ظاهرة التسوّل إلى المؤسّسات العموميَّة خصوصا المستشفيات بمدينة طنجة مثل: «المستشفى الجهوي محمد الخامس/ مستشفى بوعراقية المختص في داء السل/ وغيرها من المستشفيات…»، الَّتِي بدأت تطبع بشكل تدريجي مع هَذِهِ الظاهرة الَّتِي تنخر مجتمعنا، من طرف أشخاص أصبحوا يتقنون «مهنة التسول»، إذ يسافرون من مدن بعيدة ليمارسوا هَذِهِ «المهنة» بمدينة طنجة.
اختراق مثل هَذِهِ الأماكن، لا يقتصر فقط على المستشفيات، بل أصبحنا في طنجة نرصد حالات التسوّل بالمحطات النقل العمومي وأمام المؤسّسات التعليميَّة والأسواق، بل أيضًا بعدد من الشواطئ، الأمر الَّذِي أصبح يُزعج المواطنين ويؤرق راحتهم.
في هَذَا الصدد، أكّد بن رحال، أحد أبناء مدينة طنجة، أنَّ المدينة في وقت سابق لم تكن تعرف هَذِهِ الظاهرة، وحتّى إن وجدت فهي قليلة جدًّا، لكن مع التوسّع العمرانيّ والجغرافيّ بدأت طنجة تستقطب عددًا من الأشخاص الَّذِينَ يمتهنون التسوّل، كيف لا وهم يوفرون قوت يومهم بطريقة سهلة.
ويضيف المتحدث ذاته، الَّذِي خص «لاديبيش» بتصريحه: «فيكفي أن تتقن فنّ التسوّل والاستعطاف، حتّى تحصل على مبالغ مالية يصعب عليك الحصول عليها في بعض مهن أخرى».
أبواب المؤسسات العموميَّة والمنتخبة والإدارات، هي أيضًا لم تسلم بشكل نهائي من ردود عدد من المتسولين بشكل منتظم، فهي بالنسبة للمتسولين أماكن للعمل أيضًا ومصدر رزقهم، يجب الحفاظ عليه ولا يحق لأحد أن يقول لهم ارحلوا من هنا.
في طنجة أيضًا الشواطئ والمنتزهات والغابات لم تسلم من ذلك، فإن في الشاطئ للاستجمام مع عائلتك حتّى يفاجئك أحدهم مُطالبين بالتعاون معهم، للتغلب على وضعيَّة الفقر الَّتِي يعيشنها، أو لعلاج أطفالهم أو أزواجهم.
*الأجانب يتسولون أيضا بطنجة
لم يقتصر التسوّل في مدينة طنجة على المغاربة فقط، فطنجة ملجأ للمتسولين ليس المغاربة فقط، بل حتّى للأجانب، خصوصًا أفارقة جنوب الصحراء وبعض اللاجئين السوريّين، مع تسجيل حالات قليلة لبعض الأجانب المنحدرين من الدول الأوروبيَّة.
فطنجة الدولية إذن حتّى في عملية التسول، فالأجانب الَّذِينَ يعيشون حالات صعبة، اكتسبوا حرفة وفنّ التسوّل واقتحموا المجال.
*القانون.. وصعوبة المهام
لا شكّ أن الضابطة القضائية تجد نفسها في حرج، لتسقط أحيانًا في ارتباك في أثناء بحثها مع المتسولين، نظرًا لحساسيَّة موقفهم إزاء أفراد يفترض معاناتهم مع الفقر وعيشهم حياة البؤس والحرمان من أبسط ضروريّات العيش الكريم، ما جعلهم يلجؤون إلى مدّ يد الاستعطاف للآخر لمساعدتهم.
لكن الأمر اختلف مع تنامي هَذِهِ الظاهرة، حسب تصريحات عددٍ من متتبّعي الشأن المحلي بالمدينة، فحالات لمتسولين محترفين منهم من بلغ حدّ الاغتناء من نشاط التسوّل، واكتشاف عصابات ومافيات تحتكر مناطق بعينها وتكتري أهمها إلى متسولين محترفين يستدرون شفقة المارة بالتظاهر بالإصابة بأمراض خطيرة أو بعاهات مستديمة، فيما آخرون، وصار الأمن يتعاطى بحذر مع هَؤُلَاءِ المتسوّلين، خاصّة من ثبتت فيهم حالات العود الَّذِينَ يأبوا النزول في المراكز الاجتماعيَّة للإيواء.
ومن جانبه، فطن القضاء لهَذِهِ الثغرة الَّتِي استفاد منها المئات من المتابعين بجنحة التسول، حيث كانوا يتابعون في حالة سراحٍ مؤقتٍ، وكان التعاطف إن لم نقل اللامبالاة هو العنصر السائد في متابعاتهم، رغم أنَّ القانون الجنائي المغربي يعاقب المتسوّلين بعقوبات حبسيَّة سالبة للحريَّة، حيث تتراوح العقوبة بالفصل 326 من القانون الجنائي من شهر إلى ستة أشهر حبسًا، كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بوسعه الحصول على عمل لكنه تعود على ممارسة التسول بطريقة اعتياديَّة، وتزيد هَذِهِ العقوبة في فصول أخرى في حال التظاهر بعاهة أو استغلال القاصرين. ودأب جل المسؤولين القضائيّين على إطلاق سراح المتابعين بجنحة التسوّل لصعوبة إثبات كون المتسوّل وجد عملًا مُدرًا للدخل وتركه بغرض احتراف التسوّل.