القانون والناس
التربية والتعليم بين مسؤولية المعلم والقانون

في خضم ما يشهده المجتمعُ المغربيُّ من تدنٍّ للمستوى التعليميّ والأخلاقيّ، نجدُّ المُعلّمَ والأستاذَ في مواجهة جيلٍ يُمكن أن يُصنّف في خانة الفساد، لكن أين هي مسؤولية الآباء وأولياء الأمور من مسؤولية المُعلّمين والأساتذة عن الأطفال، الَّذِينَ هم في عهدتهم.
وبالرغم من أنَّ هَذِهِ المسؤولية تقترب من حيث شكلها العامّ بالمسؤوليات الموضوعية، فإنّه يسري عليها ما يسري على المسؤولية الشخصية من أحكامٍ، خصوصًا ما يتعلق بالإثبات إذ إنَّ المُشرّع قد أسَّس هَذِهِ المسؤولية على الخطأ الواجب الإثبات من طرف المدعي، وهَذَا ما ورد في الفصل (85) مُكرّر من قانون الالتزامات والعقود الَّذِي ورد فيه بأنه «يسأل المعلمون وموظفو الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل من الأطفال والشبان خلال الوقت الَّذِي يوجدون فيه تحت رقابتهم». والخطأ أو عدم الحيطة أو الإهمال الَّذِي يحتج به عليهم، باعتباره السبب في حصول الفعل الضار، يلزم المدعي إثباته وَفْقًا للقواعد القانونية العامة.
باستقرائنا مقتضيات الفصل (85) مكرر المتعلق بمسؤولية رجال التعليم، نجد أنَّ تطبيق مقتضيات هَذِهِ المسؤولية يستلزم توافر شرطين وهما: أن يوجد الطفل أو شاب تحت إشراف معلم أو مُوظّف تابع لشبيبة والرياضة.
ويفهم من هَذَا الشرط أن مسؤولية المعلمين وموظفي الشبيبة والرياضة عن الأضرار الَّتِي يتسبب فيها الأطفال والشبان، الَّذِينَ هم في عهدتهم تقتصر على الفترات الَّتِي يكون فيها هَؤُلَاءِ الأطفال والشبان تحت إشرافهم، ويتعلق الأمر هنا بأوقات الدراسة أو ممارسة التداريب الرياضيّة، بما في ذلك فترات الاستراحة وفي أثناء القيام بالرحلات الجماعية بتلاميذ خارج المؤسّسة، أما عن المقصود بمصطلح المعلمين المشار إليه في الفصل (85) مكرر، فإنّه يتعين أخذه في معناه الواسع فهو يشمل شريحة المعلمين، سواء كانوا يعملون في إطار الوظيفة العمومية أو يشتغلون في إطار التعليم الخصوصيّ، وليس هناك ما يمنع من تطبيق هَذِهِ المسؤولية على أساتذة التعليم الثانوي لاتّحاد العلة، وهي إمكانية التحكّم في سلوك التلاميذ لوجود نوعٍ من الانضباط في متابعتهم الحصص الدراسية، أمَّا بالنسبة لأساتذة التعليم الجامعيّ، فإنّهم لا يخضعون لمقتضيات المسؤولية المنصوص عليها في الفصل المذكور، وذلك لانعدام عنصر الرقابة على طلبتهم.
إنَّ مسؤولية رجال التعليم ومُعلّمي التداريب الرياضية لا تتحقق إلا إذا تسبَّب الطفل أو التلميذ في حصول ضرر للغير، وهنا يتعيّن أخذ مصطلح الغير في مفهومه الواسع، فهو لا يقتصر على الأشخاص الأجانب الَّذِينَ لا علاقة لهم بالمؤسّسة التعليميَّة أو الرياضيَّة، وإنَّما يشمل أيضا باقي الأشخاص الآخرين الَّذِينَ يُوجدون في نفس المؤسّسة، الَّتِي يوجد بها الطفل الَّذِي تسبَّب في وقوع الفعل الضار بما في ذلك الأطفال الَّذِينَ يشاركونه في تلقي الدروس أو التمارين الرياضية. بيد أنَّ التساؤل العام للمجتمع المغربيّ، هو إن كان الفعل الضار للطفل هو مسؤولية المعلم فكيف الحال للمعلم أو المعلمة الَّتِي تنعت التلاميذ بألفاظ نابية أو خارجة عن التربية والتعليم؟ فهل هناك محاسبة؟! الأطفال الَّذِينَ تقل سنّهم عن 13 سنة، أو هم متلقون للمعلومة وليسوا منتجين لها إلا حالات استثنائية، الَّتِي لا يمكن القياس عليها.
مقتضيات ظهير 4 ماي، الَّتِي تم إقحامها في قانون الالتزامات والعقود بمقتضى الفصل (85) مكرر نجد أنّه خلافًا لكلّ المسؤوليات المترتبة عن خطأ الغير الَّتِي بناها المُشرّعُ المغربيُّ على قرينة افتراض الخطأ في جانب الشخص المسؤول، فإنّ مسؤولية رجال التعليم ومُدرّبي الرياضة نلاحظ أنه قد أسسها على الخطأ الواجب الإثبات، وهَذَا يعني أنَّ الطرف المضرور يتعين عليه أن يُقدّم الدليل على نقض الحراسة أو انعدام الرقابة في جانب المعلم أو الأساتذة الَّذِي يتولى تربية وتهذيب الطفل الَّذِي تسبب في وقوع الفعل الضار.
وعندما يتعلق الأمر بمسؤولية رجل التعليم في القطاع العمومي؛ فإنّ الدولة هي الَّتِي تحل محلّ رجل التعليم في الأداء. فالمضرور له الحقُّ في رفع دعواه مباشرة ضد الدولة، وذلك خلال فترة الثلاث سنوات الموالية لارتكاب الفعل الضار، وفي ذلك نوع من الخروج عن مهلة التقادم المخصصة لسقوط دعوى المسؤولية التقصيريّة، الَّتِي حدَّدها المُشرّعُ في الفصل (106) من قانون الالتزامات والعقود، وتُعدُّ مدة الثلاث سنوات السابقة مهلةً لتقادم الدعوى، وليس لسقوط الحق في المطالبة بالتعويض. وبالتالي فهي مدّة قابلة للتوقف والانقطاع في الأحوال المنصوص عليها في القانون.
وأنّه يترتب على حلول الدولة محل رجل التعليم المنتمي للقطاع العام في الأداء إمكانية ممارسة الدولة لدعوى الرجوع، هَذَا المُوظّف المسؤول عن وقوع الفعل الضار، ونظرًا لارتباط رجل التعليم بالدولة بمقتضى علاقة التوظيف العموميّ، فإنّ دعوى رجوع الدولة على الشخص المسؤول يتعين رفعها وَفْقًا لقواعد المسؤولية الإدارية
مسؤولية رجال التعليم عن التلاميذ
فان كان الدورية 21 مارس 2022، قد منعت إخراج أي تلميذ من مؤسّسة التعليم العموميّ، فإنّه من واجبها أن تمنعَ أيَّ شخصٍ أستاذًا كان أم مديرًا أم حارسًا من التلفظ بأي لفظ فيه تنمرّ أو خدش للحياء من أجل تربية جيل ينعم بالأخلاق، فليس التعليم والتربية مجرد سطور مدونة بين صفحات الكتب والمقررات، بل هو منهج وأسلوب مُجسّد من طرف الأطر التربوية.
