في الواجهة
“ألزا” لم تستطع مواكبة حاجيات مدينة طنجة.. والوالي والعمدة يستعدان لإحداث ثورة في المجال مستقبلا
النقل عبر الحافلات في طنجة ونواحيها.. مسلسل طويل من خيبات الأمل وأمل كبير في تغير المسار ابتداء من 2024
تقترب سنة 2023 من نهايتها، وباقترابها يصل عقد شركة “ألزا” المفوض لها تدبير قطاع النقل الحضري، بدوره، إلى خط النهاية، إذ في سنة 2024 ستكون جماعات إقليم طنجة أصيلة والفحص أنجرة المعنية، على موعد مع تحدٍ جديد هو اختيار الشركة التي ستُدبر القطاع بناء على نظام التدبير المفوض مُجددا، وذلك لمدة 10 سنوات أخرى، وهذه الشركة قد تكون هي نفسها “ألزا” الإسبانية لأن لا شيء يمنعها من ذلك إلى حدود الساعة، لأن دفتر التحملات والعرض المالي والتقني المقدم هما العاملان اللذان سيحسمان الأمر.
ومع اقتراب هذا الملف من الموعد الحاسم، يتطلع الطنجيون بكثير من الترقب والحذر، إلى مرفق حيوي لطالما كان مليئا بالثغرات والنقاط السوداء، الأمر الذي لا يخفى على مسؤولي المجلس الجماعي لطنجة وباقي المجالس ومنتخبيهم بكل مكوناتهم، أغلبية ومعارضة، لكنه هذه المرة يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتدقيق والصرامة، من طرف الجهة المسؤولة عن الاختيار، مؤسسة التعاون بين الجماعات “البوغاز”، أكثر من أي وقت مضى، لأن الأمر لا يتعلق فقط بصورة المدينة وحاجيات سكانها، بل بِرهان المملكة على أحداث كبرى ستستضيفها على أراضيها خلال السنوات المقبلة.
بداية حكاية التدبير المفوض
في سنة 2014 دخلت شركة “ألزا” إلى مدينة طنجة بعدما حصلت على عقد التدبير المفوض لقطاع النقل الحضري، لتصبح بذلك واحدة من بين مجموعة من المدن الكبيرة التي انضمت إلى قائمة الشركة الإسبانية، التي بدأت عملها في المغرب منذ سنة 1999 عبر مدينة مراكش، قبل أن تظفر بعقد التدبير المفوض بمدينة أكادير ثم بعد طنجة جاءت الرباط والدار البيضاء.
وصول “ألزا” إلى مدينة البوغاز أتى بعد تجربة سيئة جدا مع شركة “أوطاسا”، التي كانت أول شركة تدبر هذا القطاع في طنجة عبر عقد للتدبير المفوض، ورغم أن أداءها في البداية كان جيدا، إلا أنه أخذ تدريجيا يتراجع، إلى أن تحولت مركباتها إلى كُتل من الخردة، وأصبح اندلاع حريق في محركاتها وتسببها في حوادث، بعضها قاتل، أمرا متكررا في شوارع المدينة.
ولم يكن وصول “ألزا” يحمل الكثير من علامات التفاؤل، فالشركة بدأت عهدها بمرحلة انتقالية امتدت لأشهر، استعانة خلالها بحافلات مكتراة من إسبانيا، ثم شرعت في العمل بأسطولها الذي لم يكن في البداية يتجاوز 80 حافلة، غير أن عقد التدبير المفوض كان يجبرها على رفع هذا الرقم إلى 140 على الأقل، بحكم أنها كانت تُؤمن الربط بين طنجة ومناطق أخرى بالإقليم، مثل مدينة أصيلة وجماعات اكزناية والقصر الصغير وبريش وغيرها.
ومع مرور السنوات، كان من الواضح أن شركة “ألزا” تجد العديد من الصعوبات في الانضباط إلى دفتر التحملات المُلزمة به، لذلك شهدت المدينة سنوات 2016 و2017 و2018 العديد من الاحتجاجات من طرف مجموعة من السكان داخل المجال الحضري لطنجة، الذين حُرموا من خدمات النقل، بل منهم من كان الوضع بالنسبة لهم أحسن خلال فترة “أوطاسا”، على غرار سكان حي “السانية” الذين تضرروا من تغيير مسار الخط المار سابقا من منطقتهم السكنية.
تلك الاحتجاجات كشفت بالملموس أن “ألزا” غير قادرة على الاستجابة لمتطلبات سكان مدينة طنجة، وغير قادرة على مسايرة النمو الحضري والديمغرافي المتسارع للمدينة، فوفق تصريحات عمدة المدينة السابق، محمد البشير العبدلاوي، في إحدى دورات المجلس الجماعي الاستثنائية، في دجنبر من سنة 2017، فإن الشركة وفرت 150 حافلة، وهو رقم “أكبر من المتفق عليه”، لكنه مع ذلك يمثل نصف ما كانت توفره الشركة حينها لمدينة مراكش، حيث كانت تتجول في شوارعها 300 حافلة.
“ألزا” والمشاكل المتراكمة
ومشكلة طنجة مع تدبير قطاع النقل الحضري، مع شركة “ألزا” على وجه التحديد، ممتدة في الزمن، واستمرت إلى غاية سنة 2023 المشرفة على نهايتها، ففي ماي الماضي قررت الشركة رفع تسعيرة الخطوط الحضرية وشبه الحضرية على مستوى المدينة والإقليم، في قرار مفاجئ سبب إحراجا للمجلس الجماعي الذي كان قد أنهى للتو دورته العادية لشهر ماي، وهو الأمر الذي بررته بـ”تفعيل الفصل 36 من عقد التدبير المفوض”.
ووجد الزبناء أنفسهم مجبرين على أداء 4 دارهم عوض 3 دراهم ونصف عند استعمال الخطوط الحضرية داخل المدينة، بينما ارتفع سعر تذكرة الخطوط شبه الحضرية ليتراوح ما بين 5 و8 دراهم، وهو الأمر الذي احتاج لتوضيحات من طرف عمدة طنجة منير ليموري، الذي أكد أن هذه الزيادة كانت مقررة في 2020، لكنها تأجلت بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية حينها، لكنه كشف أيضا عن أن الجهة التي كانت تتكفل بتغطية تلك الزيادات حتى لا تُفرض على المواطنين هي الجماعة.
ووفق الأرقام التي قدمها ليموري، فإن الشركة الإسبانية عند توقيعها عقد التدبير المفوض كانت مطالبة بجلب 160 حافلة عند بداية عملها، أي أكبر مما أعلنه العمدة السابقة، على أن ترفع من هذا الرقم تدريجيا في السنوات الموالية استجابة للطلب المتزايد على خدمات النقل الحضري وشبه الحضري على مستوى مجموعة جماعات “البوغاز”، ووصل هذا الرقم إلى غاية ماي من سنة 2023 إلى 200 حافلة، أي أنها أضافت 40 حافلة فقط في 9 سنوات، وهو أمر “غير كاف” وفق تأكيد ليموري.
والواضح هو أن “ألزا” بالصيغة الراهنة لعقدها وطريقة عملها، لم تعد قادرة على مواكبة احتياجات مدينة بحجم طنجة، وإقليمين بحجم طنجة – أصيلة والفحص – أنجرة، اللذان يمثلان إحدى ركائز الاقتصاد الوطني بما يَضُمانه من استثمارات كبيرة وساكنة نشيطة، لذلك فإن تجديد دفتر التحملات أمر مؤكد، وفق ما أعلن عنه عمدة المدينة قبل أشهر، حيث ستُفرض شروط جديدة على الفاعل القادم في هذا المجال، بما يضمن تحديد عدد الحافلات المطلوبة ووتيرة إضافة حافلات أخرى بشكل أكثر دقة، يتلاءم والنمو الذي تعرفها المنطقة ورهاناتها المستقبلية.
تكلفة مرتفعة وخطايا كبرى
والمؤكد أن مرفق النقل الحضري هو أحد المجالات التي تثقل كاهل المالية العامة، والأمر لا يتعلق فقط بالمستحقات السنوية التي تنالها الشركة نظير تدبيرها للقطاع عبر عقد التدبير المفوض من لدن جماعة طنجة، بل ايضا بأموال أخرى يتم تخصيصها لتجويد الخدمات، ففي نونبر من سنة 2022 كشف تقرير لوزارة الداخلية أن هذه الأخيرة خصصت دعما بقيمة تجاوزت 54 مليون درهم لإصلاح النقل الطرقي الحضري عبر الحافلات، ومن بين الجهات المستفيدة كانت شركة “ألزا” بفرعها في مدينة طنجة.
ولطالما كانت “ألزا” محط العديد من الملاحظات السلبية من طرف المجلس الجهوي للحسابات لجهة طنجة تطوان الحسيمة، انطلاقا من عقد التدبير المفوض نفسه، ففي 2018 كشف المجلس أن التفاوض بشأن هذا العقد لم يكن قانونيا، على اعتبار أن اللجنة الدائمة المكلفة بمراقبة التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء، المكلفة به شركة “أمانديس”، كانت طرفا في العملية رغم افتقارها للصفة القانونية، وهو ما دفع قضاة المجلس إلى مراسلة العمدة السابق، محمد البشير العبدلاوي، لاستفساره حول ملاحظاتهم، على اعتبار أن الأمر من اختصاص الجماعة فقط.
وفي 2019، كشف تقرير المجلس أن الشركة سبق لها أن قامت بمراجعة تعريفاتها مرتين، خلال اجتماعين للجنة التتبع في أكتوبر 2014 ويونيو 2016، وهو الأمر الذي ينطوي على “خرق للمسطرة التعاقدية المنصوص عليها في المادة 36 من اتفاقية التدبير المفوض”، وأورد المجلس أنه “لوحظ أنه تم تطبيق هاته المراجعة والتغييرات في قيمة تعريفات النقل الحضري والنقل بين الجماعات، في غياب لمصادقة السلطة المختصة التي يجب أن تتم بمقتضى مراسلة رسمية في الموضوع تبين التعريفات الجديدة التي ينبغي تطبيقها”، وهو ما يترجم أيضا إلى خرق للبند نفسه من اتفاقية التدبير المفوض.
ولهذه الخروقات انعكاسات مباشرة على المالية العامة، فالشركة حققت مداخيل إضافية بقيمة 8,43 مليون درهم استنادا إلى ما جنته بشكل غير قانوني من خلال تلك الزيادات، أي التعريفات التي لم يتم التداول في شأنها من طرف لجنة التتبع، الأمر الذي ينضاف إلى سلسلة من الخروقات التي همت استثمارات لم تلتزم بها الشركة على الرغم من التنصيص عليها صراحة في دفتر التحملات.
وهكذا نجد أن الشركة ملزمة بتثبيت 4 كاميرات مراقبة في كل حافلة، في حين رصد التقرير أن عددها لا يتجاوز 3، بالإضافة إلى عدم التزامها بتزويد كل الحافلات بشاشات مسطحة مخصصة لتقديم معطيات ومعلومات عن المرفق المفوض والأنشطة الثقافية بالمدينة، كما أنها لم تلتزم بتوفير عبوات الأدوية الخاصة بالإسعافات الأولية، وتفادت أيضا تعميم الملصقات الخاصة بضوابط استعمال الحافلات والأشياء الممنوعة وطريقة استخدام المقاعد وقواعد السلامة، والمفروض أن توفرها باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، بل إن التقرير رصد أن العديد من الحافلات لا تتوفر على نوعية من المقاعد تجرى التنصيص عليها صراحة في عقد التدبير المفوض، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مصير تلك الأموال التي “اقتصدتها” شركة “آلزا.
ثورة مستقبلية في مجال النقل
والرهان الحقيقي القادم، على مستوى النقل الحضري وشبه الحضري، هو الوصول إلى صيغة تضمن لسكان مدينة طنجة والجماعات المرتبطة بشبكة الحافلات، خدمات تلائم فاتورة التدبير المفوض، وهو الأمر الذي كان محط علامات استفهام كبيرة خلال السنوات الماضي، فشركة “ألزا” مثلا كانت تستفيد من دعم سخي، لدرجة أنها، في أكتوبر من سنة 2022، وخلال دورة مجلس مؤسسة التعاون بين الجماعات “البوغاز”، حظيت بدعم استثنائي يتعلق ببروتوكول تمويل من أجل تخفيف الأثر المالي لجائحة كوفيد 19″ على الشركة المفوض لها تدبير مرفق النقل الحضري.
وللمفارقة، فإنه الشركة بعدها بيومين فقط، تورطت في حادثة كادت تكون الأفظع في تاريخها لولا الألطاف الإلهية، وذلك بعدما اندلعت النيران في إحدى حافلاتها التي كانت تقل العشرات من التلاميذ والطلبة، بالقرب من منطقة “بوبانة”، وتحديدا أمام المركب التجاري “سوكو آلطو”، إذ حال انتباه السائق للأدخنة المتصاعدة منها، ومطالبته الركاب بمغادرتها فورا، دون تطور الأمور لما هو أسوأ، علما أن الحافلة تحولت بعد ذلك بدقائق إلى كتلة من النار، ثم لم يبق منها إلا الهيكل.
هذا النوع من “المغامرة” بحياة الركاب، لم يعد مسموحا به في الوقت الراهن، ذلك أن قطاع النقل هو إحدى أهم المجالات المطلوب تطويرها بسرعة وبكفاءة خلال السنوات القادمة، التي تضع طنجة في قلب التحديات الكبرى وخصوصا منها المتعلقة بتنظيم كأس العالم 2030، وهو ما يفسر الاجتماع التي دعا له الوالي يونس التازي، والخاص بدراسة قطاع المواصلات والنقل الحضري والسير والجولان، والذي احتضنه مقر ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة يوم الإثنين الماضي.
وعمد الوالي إلى جمع كل الفاعلين في مجال النقل والسير والجولان، بما في ذلك عمدة طنجة، ووالي أمن طنجة، والقائد الجهوي للدرك الملكي، والمدير العام لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، والمسؤول عن المصلحة الدائمة للتدبير المفوض، والغرض هو مناقشة وضعية تقدم الدراسة المتعلقة بمخطط التنقلات الحضرية المستدام لمدينة طنجة، وهو ما يعني أن الرؤية المستقبلية لهذا القطاع قد انطلقت من الآن، وذلك قبل حلول سنة 2024 التي ينتهي خلالها عقد “ألزا”، وأيضا قبل سنة 2025 التي يحتضن خلالها المغرب كأس إفريقيا للأمم، كأول بروفة حقيقية للبنى التحتية للمملكة، قبل المونديال.
ومن مظاهر التحول المنتظر أن يحصل في مجال النقل بطنجة، اعتماد نوع جديد من الحافلات، ويتعلق الأمر بحافلات الخط السريع BRT، الخط الذي تمت المصادقة على النقاط الخاصة به خلال الجلسة الأولى من دورة أكتوبر العادية، وهو مشروع صديق للبيئة يعتمد على الكهرباء، ويُمَكِّنُ السكان من ربح الكثير من الوقت والاستفادة من خدمة عالية الجودة على مستوى النقل الحضري، وستكون مدينة طنجة رابع مدينة مغربية تستقبله، بعد كل من مراكش وأكادير والدار البيضاء.
ووفق بلاغ لمجلس جماعة طنجة صدر بتاريخ يوم 4 أكتوبر 2023، فقد تمت المصادقة خلال الجلسة الأولى من الدورة على النقطة المتعلقة بالدراسة والمصادقة على النظام الأساسي لشركة التنمية المحلية من أجل إنجاز وتتبع استغلال وصيانة مشروع خط النقل الحضري بواسطة الحافلات السريعة BRT بين طنجة واكزناية، وكذا النقطة المتعلقة بالدراسة والمصادقة على ميثاق المساهمين في شركة التنمية المحلية من أجل ذات الغرض، وأيضا تلك المتعلقة بالدراسة والمصادقة على مساهمة جماعة طنجة في شركة التنمية المحلية الخاصة بالمشروع نفسه.
وخُصص لطلب العروض غلاف مالي بقيمة 12 مليون درهم لإنجاز مُخطط مديري ودراسة تقنية أولية مفصلة لمشروع إحداث الخط الأول لهذا النوع من الحافلات، والذي سيربط المستشفى الجامعي بمنطقة طنجة البالية، كما يشمل طلب العروض الحالي إنجاز مخطط مديري لكل خطوط منظومة النقل الجماعي في مسارات خاصة TCSP على مستوى مدينة طنجة، إلى جانب دراسة تقنية مفصلة لإنجاز الخط الأول الممتد على مسافة تصل إلى 21 كيلومتر.
ووفق المعطيات المتوفرة، فإنه من المنتظر أن يربط الخط الأول بين المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمنطقة طنجة البالية، عبر الطريق الوطنية رقم 1 وشارع الجيش الملكي وشارع مولاي إسماعيل وشارع إدريس الأول وشارع أبي جرير الطبري وشارع الرشيدية وطريق مالاباطا، وهي التجربة الأولى على مستوى الجهة، وهو ما سيكون خطوة أولى لتغيير وجه النقل الحضري بشكل جذري في طنجة، قبل الحسم في مشروع خط الترامواي.