آخر الأخبار
أكثر من 566 ألف نسمة يحتاجون إلى تجويد الخدمات العمومية ولتحديث البنيات التحتية تعداد سكانها يتجاوز الرباط ويتعدّى دولًا صغيرة.. هل أصبح تقسيم بني مكادة إلى عدة مقاطعات أمرًا ضروريًّا؟
كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى الخاص بسنة 2024، عن أنَّ مقاطعة بني مكادة استمرَّت في تصدّر جميع مقاطعات المغرب، من حيث عدد السكان، بل إنَّها شهدت ارتفاعًا كبيرا في عدد الساكنة، مُقارنة بالمعدل الوطني، وذلك بالرغم من أنَّ النمو السكاني في معظم مناطق المغرب شهد انكماشًا واضحًا، مُقارنةً بالعقود الماضيَّة، الأمر الَّذِي يضعنا أمام منطقة بمعاير مدينة كاملة.
هَذَا الواقع، يجعلنا نقف أمام مقاطعة لها متطلّبات كثيرة، لأنَّ المقيمين فيها يتجاوز عددهم القاطنين في العديد من المدن الكبرى، بل يتجاوز التعداد السكاني لبعض الدول الصغيرة، الأمر الَّذِي يفرض مجددًا طرح فكرة تقسيمها إلى مقاطعتين أو ثلاث مقاطعات، من أجل تطوير وتجويد لخدمات والتغلّب على الإكراهات، خصوصًا في ظلّ الحديث عن أنَّه في أفق الانتخابات الجماعيَّة لسنة 2027، ستقوم وزارة الداخلية باقتراح تقسيم ترابي جديد لمدينة طنجة.
- مقاطعة بحجم دولة
لن يكون من المبالغة القول بأنَّ مقاطعة بني مكادة، تُعادل -في تعداد سكانها ومساحتها- دولًا بالكامل، وليس فقط مدنًا أو أقاليمَ، الأمر الَّذِي يعني أن تدبير الشأن العام بالنسبة لسكانها ليس أمرًا هينًا، فحتَّى الدول الصغيرة تكون مُقسّمة إلى أجزاءٍ ترابيَّةٍ مثل الجماعات أو البلديات أو الإقليم، من أجل تسهيل أداء وظائفها وجعلها أكثر نجاعةً.
فتعداد سكان مقاطعة بني مكادة -حسب أرقام الإحصاء العام الأسر للسكان والسكنى- هو 566.538 نسمة، مُوزّعين على أكثر من 150 ألف أسرة، في حين أنَّ التعداد السكاني السابق يتحدَّث عن نحو 387.000 نسمة، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، وذلك وَفْق ما جاء في الموقع الرسمي جماعة طنجة، الَّتِي تقول أيضا إنَّ المساحة الإجماليَّة لتراب المقاطعة هي 19،5 كيلومتر مربع.
وقبل المرور إلى التعداد السكاني، نبقى في المساحة، فرقم 19،5 كيلومتر مربع، يعني أنَّ مساحة بني مكادة أكبر من الفاتيكان، الَّتِي تبلغ مساحتها 0،44 كيلومتر مربع، وأكبر بـ10 مرات من مساحة إمارة موناكو البلغة 2 كيلومتر مربع، كما أنَّها أكبر بأكثر من 3 مرات مُقارنةً بمساحة جبل طارق، وهي 6 كيلومترات مربعة، كما أنَّها تعادل تقريبا مساحة دولة ناورو البالغة 21 كيلومترًا ومربعًا، ودولة توفالو البالغة 26 كيلومترًا مربعًا.
أمَّا على مستوى التعداد السكاني، فإنَّ الرقم الَّذِي كشفت عنه المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط، يعني أن مقاطعة بني مكادة تتفوّق على دول معروفة كثيرة، فهَذَا الرقم أكبر من سكان مالطا البالغين حوالي 527 ألف نسمة، وأكثر من تعداد سكان جمهوريَّة جزر المالديف البالغ تقريبا 522 ألف نسمة، كما يتجاوز سكان سلطنة بروناي البالغ 445 ألف نسمة، وجزر الباهاماس الَّتِي يقطنها 408 آلاف نسمة تقريبًا، كما أنَّه أكبر من عدد سكان إيسلندا، الَّذِي لا يتعدّى 371 ألف نسمة حسب آخر التقديرات الرسميَّة.
- أكبر من 3 جهات
وحتَّى داخل المغرب، فإنَّ تعداد سكان وأسر مقاطعة بني مكادة يتجاوز 3 جهات، ويتعلق الأمر بجهة العيون – الساقيَّة الحمراء، الَّتِي يقطنها 451.028 نسمة، مُوزّعين على 106.751 أسرة، ثُمّ جهة كلميم – واد نون، الَّتِي يقطنها 448.685 نسمة، وتضمُّ 105.394 أسرة، وأخيرًا جهة الداخلة – وادي الذهب، الَّتِي يقل عدد سكانها عن 220 ألف نسمة، ويبلغ عدد الأسر فيها 54.161 أسرة.
وحتَّى على مستوى جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فإنَّ تعداد السكان لمقاطعة بني مكادة هو الأعلى على الإطلاق ضمن كلّ الجماعات والمقاطعات، ويُمثّل أكثر من 14% من إجمالي السكان البالغ 4،03 مليون نسمة، مُوزّعين على 1،04 مليون أسرة.
أمَّا على مستوى التقسيم الإقليمي، فإنَّ بني مكادة تتفوّق على الجميع خارج العمالة الَّتِي تنتمي إليها وهي عمالة طنجة – أصيلة، باستثناء إقليم تطوان، الَّذِي يضمن نحو 612 ألف نسمة بما يشمل الجماعات المحيطة بالمدينة، وهي بذلك تتفوّق على إقليم الحسيمة الَّذِي يبلغ تعداد سكّانها أقل من 372 ألف نسمة مُوزّعين على ما يقارب 90 ألف أسرة، وإقليم شفشاون الَّذِي يضمُّ أقل من 413 ألف نسمة وأقل من 91 ألف أسرة.
ومقاطعة بني مكادة تُعادل حوالي 5 مرات ونصف التعداد السكان لكامل تراب إقليم الفحص – أنجرة، الَّذِي يزيد بقليل عن 100 ألف نسمة و25 ألف أسرة، كما أنَّه أكبر من سكان عمالة المضيق – الفنيدق بمرّتين ونصف تقريبًا، إذ وصل إلى 254 ألف نسمة مُوزّعين على نحو 68 ألف أسرة، وأكبر من تعداد سكان إقليم العرائش وهو 510 آلاف نسمة وأقل من 125 ألف أسرة، ثم إقليم وزان الَّذِي يتمُّ نحو 275 ألف نسمة ونحو 75 ألف أسرة.
- بني مكادة أضخم من العاصمة
أرقام المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط، تُظهر أنَّ التعداد السكني لمقاطعة بني مكادة يُوازي التعداد السكاني لمدينة وليس لمقاطعة، بل إنَّها في حال ما إذا كانت مدينة بالفعل فستكون واحدة من المدن الكبرى بالمملكة، وستكون الخامسة في الترتيب متفوّقة على مدن كبيرة أخرى، بما في ذلك العاصمة الرباط ومدن مكناس وأكادير ووجدة وتطوان.
ويقول تقرير صادر عن المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط، إنَّ المدن السبع الكبرى تضمُّ 37،8% من السكان الحضريين في المغرب، مُوزّعين على التوالي بـ3 ملايين و236 ألف نسمة في الدار البيضاء، تليها طنجة بمليون و275 ألفًا، وفاس بمليون و183 ألفًا، ومراكش بمليون و15 ألفًا، وسلا بـ945 ألفًا، ومكناس بـ562 ألف نسمة، والرباط بـ516 ألفًا، في حين أن بني مكادة تضمُّ وحدها أكثر من 566 ألف نسمة.
أرقام المندوبيَّة تظهر أيضًا أنَّ بني مكادة أكبر من القنيطرة الَّتِي يبلغ عدد سكانها أقل من 508 آلاف نسمة، ووجدة بـ506 آلاف نسمة، ثُمّ أكادير الَّتِي يقطنها نحو 505 آلاف نسمها، تليها مدينة تطوان بما يقارب 423 ألف نسمة، فمدينة آسفي بحوالي 324 ألف نسمة.
أمَّا بخصوص الأسر، فقد أظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أنَّ عدد الأسر في المغرب بلغ 9.275.038، منها 6.173.930 أسرة بالوسط الحضري و3.101.108 أسرة بالوسط القروي. ومقارنة بإحصاء 2014 ارتفع عدد الأسر بـ1.961.232 أسرة، أي بمعدل نمو سنوي قدره 2،4%. وحسب وسط الإقامة ارتفع عدد الأسر بـ1.366.187 بالوسط الحضري، بمعدل نمو سنوي 2،5%، مقابل 595.045 بالوسط القروي، بمعدل نمو سنوي بلغ 2،2%، وهكذا.
وهكذا، انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة من 4،6 إلى 3،9 فرد بين 2014 و2024 على المستوى الوطني ومن 4،2 إلى 3،7 فرد بالوسط الحضري، مُقارنةً بـ5،3 إلى 4،4 بالوسط القروي، لكن مقابل كل ذلك فإنَّ عدد الأسر في المقاطعة وحدها تجاوز 150 ألف أسرة.
وإذا ما قارنا بني مكادة مع باقي مقاطعات طنجة، يتضح الفرق الكبير في تعداد السكان وعدد الأسر، فمقاطعة طنجة المدينة هي ثاني أكبر المقاطعات بتعداد سكّاني يصل إلى 343 ألفًا و535 نسمة و107 آلاف أسرة، متبوعة بمقاطعة مغوغة الَّتِي تضم 252 ألفًا و656 نسمة، وأقل من 71 ألف أسرة، وأخيرًا مقاطعة السواني الَّتِي يصل عدد سكانها إلى 111 ألفًا و772 نسمة، بينما عدد الأسر فيها تزيد على 33 ألفًا.
- الصدارة على مستوى عمالة طنجة
وعلى تراب عمالة طنجة – أصيلة، نجد أنَّ مقاطعة بني مكادة تتفوّق بكثير على كل الجماعات، سواء ذات الصبغة الحضريَّة أو القرويَّة، فجماعة أصيلة تقطنها 36 ألف نسمة، وتعيش فيها أقل من 9700 أسرة، أما دائرة أصيلة الَّتِي تضمُّ جماعات أقواس بريش والساحل الشمالي وسيدي اليمني والمركز الحشري اثنين سيدي اليمني، فتضمُّ أقل من 34 ألف نسمة موزعين على نحو 7900 أسرة.
ونفس الشيء ينطبق على جماعة اكزناية، الَّتِي يبلغ تعداد السكان فيها 88 ألفًا و676 نسمة، وتضمُّ ما مجموعه 25 ألف أسرة، أمَّا الجماعات الَّتِي تدخل في نطاق دائرة طنجة، وهي المنزلة وسبت الزينات والعوامة وحجر النحل ودار الشاوي والمركز الحضري لدار الشاوي، فتعداد سكانها أقل من 61 ألف نسمة مُوزّعين على 14 ألفًا و102 أسرة.
تجد الإشارة، إلى أنَّ الإحصاء العام للسكان والسكنى، كشف أنَّ عدد السكان القانونيين للمملكة حسب نتائج عملية 2024، بلغ 36.828.330 نسمة في فاتح شتنبر 2024، منهم 36.680.178 مغربي و148.152 أجنبي، ومُقارنةً بإحصاء 2014 عرف عدد السكان زيادة إجمالية بلغت 2.980.088 نسمة، وهو ما يعادل نموًّا سنويًّا بلغ 0،85%، خلال هَذِهِ الفترة، مقابل 1،25% بين 2004 و2014. وارتفع عدد الأجانب المقيمين بالمملكة بـ61.946 فرد بين 2014 و2024، أي بزيادة سنويَّة قدرها 5،6%.
وبلغ عدد السكان بالوسط الحضري 23.110.108 نسمة، بزيادة قدرها 2.677.669 بين 2014 و2024، أيّ بمعدل نموّ سنوي قدره 1،24%، في حين بلغ عدد السكان بالوسط القروي 13.718.222 نسمة، بزيادة قدرها 302.419 نسمة مقارنة بإحصاء 2014 وهو ما يعادل نموًا سنويًّا بلغ 0،22%.
- التقسيم يعود للواجهة
الحديث عن تقسيم مقاطعة بني مكادة ليس مجرد استنتاج، فالمساحة الشاسعة لهَذِهِ المقاطعة والتعداد السكاني المرتفع، دفع العديد من الفاعلين في المجال الترابي إلى طرح مسألة إعادة النظر في نطاقها، الأمر الَّذِي لا يزال معلقًا بالنسبة للمجالس المنتخبة، لكنَّ الأمر غير ذلك بالنسب لوزارة الداخلية، الَّتِي اعتمدت بالفعل تقسيمها إلى دائرتين حضريتين من بين الدوائر الست المكونة لتراب المدينة، الأمر الَّذِي تمَّ تأكيده من خلال قرار وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، رقم 1330.24 بتاريخ 15 يوليوز 2024.
ومن شأن تقسيم مقاطعة بني مكادة إلى مقاطعتين على الأقل، تخفيف الضغط الحاصل على المصالح الجماعيَّة سواء على مستوى المجلس الجماعي أو مجلس المقاطعة، والمشرفة على قطاعات حيويَّة مثل الإنارة العموميَّة والنظافة وخِدْمات التطهير السائل والنقل الحضري وصيانة الطرق والأرصفة، ناهيك عن تدبير قطاع التعمير الَّذِي يُعدُّ منذ عقود نقطة سوداء بالنسبة لهَذَا المجال الترابي، خصوصًا مع اتِّساعه باتجاه مجالات قرويَّة محيطة بالمدينة، وهو ما يُفسّر ظهور بؤر واسعة للسكن العشوائي، تضطر مصالح الدولة بين الفينة والأخرى للتدخّل من أجل إعادة هيكلتها.
فكرة التقسيم كان قد طرحها بشكل علني الرئيس السابق للمقاطعة محمد خيي، في يوليوز من سنة 2021، حين عرض حصيلة عمل المجلس السابق الممتدة ولايته لـ6 سنوات، حينها كان تقدير تعداد السكان يتراوح ما بين 400 ألف و450 ألف نسمة، أي أقل من العدد الَّذِي كشف عنه الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 بنحو 166 ألف نسمة على الأقل.
وقال خيي، وَفْق ما نقلته على لسانه منابر إعلاميَّة حينها، إنَّ المقاطعة الَّتِي تمتدُّ على مساحة ترابيَّة شاسعة، فلا بُدَّ من تقسيمها إلى 3 مقاطعات أو اثنتين على الأقل، مبرزًا أنَّها مهيأة لذلك سابقًا من طرف وزارة الداخلية لكونها تشمل دائرتين حضريتين، وأضاف أنَّ العمل بهَذِهِ الطريقة سيكون أكثر نجاعةً وسيُمَكن من الاستجابة بشكل أفضل لحاجيات السكان.
وأكّد خيي، الَّذِي كان حينها أيضًا نائبًا برلمانيًّا، أنَّ القانون التنظيمي (113.14) المتعلق بالجماعات والمقاطعات يحتاج إلى مراجعة على مستوى الصلاحيات المخولة لهَذِهِ الأخيرة وطريقة عملها، كونها حاليًا لا تتوافر على استقلالية ماليَّة، كما أنَّ اختصاصاتها تتداخل كثيرًا مع اختصاصات جهات أخرى مثل الجماعة والسلطة الولائية، غير أنَّ هَذَا الورش، وَفْق كلامه، لم يُفتح خلال الولاية الحالية، وذلك بعد توافق سياسي ركّز أساسًا على القوانين الانتخابيَّة.
- احتياجات متزايدة للسكان
ولمعرفة حجم المسؤوليات المترتبة على المجالس المتعاقبة بمقاطعة بني مكادة، نعود أيضًا لأرقام المجلس السابق في نهاية فترة ولايته، حيث كشف أنَّ عمليات تبليط الأزقة بالإسمنت المسلح، وحدها، امتدت على مسافة 140.000 متر مربع، مُوزّعة على 29 حي و344 زنقة، وتم تزفيت الشوارع 58.000 متر مربع من الشوارع.
وارتباطًا بالبنيات التحتيَّة، كما جرى إصلاح أكثر من 30 ألف نقطة ضوئيَّة وتركيب أكثر من 830 مصباحًا منخفض الاستهلاك، وإحداث 4731 نقطة ضوئيَّة جديدة تُغطّي مسافة تزيد على 96 كيلومترًا، وإنجاز 4 صفقات في المناطق الخضراء لصيانة ما يقارب من 370.000 متر مربع، كما تم تسليم 4489 رخصة للبناء، وإصدار 16.847 شهادة إداريَّة للربط بالكهرباء والماء والتطهير السائل وهو ما يعني استفادة 17.000 أسرة من الماء والكهرباء، إلى جانب إنجاز أزيد من 23.000 وثيقة مختلفة متعلّقة بقسم التعمير.
هَذَا الوضع يظهر حتّى خلال ولاية المجالس المنتخبة الحالية، فمجلس جماعة طنجة، الَّذِي يرأسه منير ليموري، عمد إلى رفع منح المقاطعات برسم ميزانيَّة السنة 2025 إلى 116 مليون درهم عوض 104 ملايين درهم سنة 2024، ومثلما كان عليه الحال بالنسبة للسنوات السابقة يُنتظر أن تستحوذ بني مكادة على أكبر حصّة بما يقارب ثلث القيمة الإجمالية، على أن يتوزّع الثلثان الباقيان على المقاطعات الثلاثة الأخرى بشكل مُتفاوتٍ.