مقالات الرأي
أقبح من ذنب

ظاهرةٌ جديدةٌ تلك الَّتِي انتشرت في أوساط المجتمع المغربيّ في الآونة الأخيرة، ولقيت رواجًا كبيرًا في منصات التواصل الاجتماعيّ، الَّتِي أضحت قبلةً يقصدها الجميع، دون قيد أو شرط، لا تراعى فيها حرمة الشخص، ويسمح فيها بمزاولة جميع الأنشطة بلا رقابة أو منع ما عدا المساس ببعض القواعد، الَّتِي تتنافى مع مُؤسّسي هَذِهِ البرامج الهدّامة، ما يُروّج عبر الفضاءات الجديدة تمسّ رأسًا بالسلامة الجسديّة والنفسيّة للمواطنين، خاصّةً حين تُفتح قنواتٍ خاصة للتنمّر على الأشخاص أو فتح صفحاتٍ بأسماءَ مستعارة، تنسب زُورًا إلى مؤسَّسات إعلاميَّة، تعمل جاهدة على نشر المحتويات الفارغة وتُركز كامل التركيز على نشر التفاهات من الأخبار ونقل وقائع شخصيّة لأسماء معروفة في مجالاتٍ مختلفةٍ أو تجعل من واقعه الاجتماعي حدثًا ذا أهمية كبرى يحتاج إلى النشر والتشهير بين الناس، غالبًا ما يكون الهدف من ورائه جلب أكبر عددٍ مُمكنٍ من المتتبّعين وجني أرباح إلكترونيّة على ذمم الناس ومآسيهم اليوميّة.
فضاءات التواصل اليوم لم تعد تلك المنصات، الَّتِي تعرف عليها الناس عند أوّل مرّة باعتبارها قنوات تُسهّل التواصل بين القريب والبعيد، وتجمع شمل الناس المُتفرّق، بل تحوّلت بسبب الإحداثيات الجديدة، الَّتِي شملتها إلى فضاءات تُفرّق الشمل وتُحدث مشاكل اجتماعيّة، بل تعمل في أحايين كثيرة على تفكيك بنية الخطاب المُتبنّي لدى المجتمع المغربيّ القائم على التسامح وحسن الجوار وفتح قنوات اجتماعيّة لمؤازرة ودعم الحالات الهشّة على اختلاف مرجعياتها.
على عكس ما تتداوله بعض المنصات الإلكترونيّة، الَّتِي تعمل على تتبّع عورات الأشخاص وفضح ما تخفيه الأعين بحجة الوقوف على الخلل داخل المجتمع بآخر أفجع منه.
ما أحدثته تقنيات التواصل من تغيير داخل المجتمع المغربيّ ينذر بحجم الإقبال الكبير على المحتويات، الَّتِي تُروّج، وعلى حجم الرسائل والخطابات، الَّتِي يُمكنها أن تُؤثّر في شرائح مختلفة من المجتمع، وهو ما يستدعي وضع رقابة مُحكمة لما يُروّج داخل هَذِهِ الفضاءات، وألَّا تمنح سلطة الرقابة على أفعال المجتمع في الوقت الَّذِي تمارس فيه سلوكيات لا أخلاقيّة لا تفصل بين حرمة المواطن أو المؤسّسات، هَذَا ناهيك عن كم القراءات المغلوطة للعديد من الأفكار الداخلة والوافدة على الذاتيّة المغربيّة في ظرفيّة قياسية، من شأنها أن تُحدث خللًا ستكون له نتائج جدّ سلبية في المقبل من الأيّام.
معظم الأمور الَّتِي تتداول بين فضاءات المنصّات الرقميّة، لا ترقى إلى الذوق الأخلاقي السليم، ولا تتوافق مع الخصال الَّتِي تربّت عليها أجيال وأجيال من المغاربة، الَّذِينَ كان عنوانهم الستر والتعفّف عن ذكر مساوئ الأشخاص ناهيك عن التشهير بهم والتبجّح بهَذَا السلوك.
في الفضاء الرقميّ اليوم بإمكانك أن تقضي النهار بطوله وثلثًا من الليل متجوّلًا بين صفحات همهما الوحيد هو تلفيق الإشاعات وإصدار أخبار ومرويات لا تنضبط لأيّ معيار ولا تتّصف بوصف غير البلهة والبلادة والدفع بمجموعات من الرويبضة من كلّ فنّ لتصدّر المشهد وادّعاء الخبرة في شتّى المجالات، وهَذِهِ الأخيرة تتلوّن حسب الظرفيّة والراهنيّة، فتارة تجدها عابدة ناسكة، وتارة أخرى معصرنة فوق حدود العصرنة، وتارات كثيرة تتخبّط حسب النوازل، ولم يتبقَ إلا أيّام قليلة، وتتحوّل هَذِهِ الفضاءات إلى ساحات الحرب بين الأحزاب السياسيّة وسماسرتها، الَّذِينَ تتوافق طبائعهم مع هَذِهِ الفضاءات الَّتِي قضت على كلّ نافع، وصدّرت لهَذَا الجيل عالمًا من الترّهات الضارة والمضرة.
