القانون والناس
أزمة إعداد القوانين بين الدستور والقانون

في خضم ما يشهده توجّه السياسة الوطنية، لا تزال قوانين مُحيّنة تسعى لسدّ الفراغات وإحقاق الحقّ،
وتطبيق العدالة على واقع، وفاءً لاختيار التوجّه السامي للمملكة، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحقُّ
والقانونُ، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسَّسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعدَّدية والحكامة
الجيّدة، وإرساء دعائم مجتمع مُتضامن، يتمتّع فيه الجميع بالأمن والحُرّية والكرامة والمساواة، وتكافؤ
الفرص، والعدالة الاجتماعيَّة، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، بيد
أنَّ -مؤخرًا- يتساءل الجميع حول مدى تطبيق الدستور من طرف الوزارة التشريعية الوطنية؟ وهل تبقى لها
حصانة وامتياز خاص لا علاقة له بالدستور والقانون وهل الفصل (1) من الدستور المغربي ومقتضياته
خارج نطاق تطبيقات السياسة التشريعية والبرلمانية؟!
وحيث إنَّ نظام الحكم بالمغرب نظامُ ملكية دستوريّة، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. يقوم النظام الدستوري
للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ
الحكامة الجيّدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
يستشف من مقتضيات الفصل السالف الذكر، أنّه لا يحق لوزارة معينة الانفراد بإعداد مشروع قانون دون
المشاركة والتعاون والتوازن، ما يُشكّل خللًا دستوريًّا وقانونيًّا، انفراد سلطة معينة على أخرى؟! فالسلطات
التشريعية بمختلف أطيافها تتبّع القانون الأسمى للبلاد وهو الدستور؟!
فإن كان تقصير المسؤولين في تنفيذ المقاربة التشاركية لجميع الفاعلين المعنيّين بإعداد مشاريع القوانين ذات
الصلة بالفاعلين بالقطاع عن سوء تقدير أو عن إغفال أو نظرة سطحية أو فوقية للواقع هو ضربٌ للمبادئ
الأساسية للدستور والقانون، يمكن استدراكُه قبل تنزيله وتطبيقه على أرض الواقع من طرف الوزارة
المعنية أو من طرف المتضرَّر الـساسي.
إن كان الدستور قد نصَّ على أنَّ قانون المالية، الَّذِي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل
البرلمان، وذلك طِبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي؛ ويُحدّد هَذَا القانون التنظيمي طبيعة
المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانيَّة حول مشروع قانون المالية.
حيث تُؤسَّس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لتمارس أنشطتها بحُرّية، في نطاق احترام
الدستور والقانون. لتساهم بقضايا الشأن العامّ، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركيَّة،
في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسَّسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى
هَذِهِ المؤسسات والسلطات تنظيم هَذِهِ المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون، ما يجب معه أن
يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكوميَّة وتسييرها، مطابقًا للمبادئ الديمقراطية.
لتعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيّين، في إعداد
السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، لا أن تتجزَّأ السلطات وتنفرد بقرارات لا تخدم الفاعلين أو
حتّى المواطن البسيط! فهل سيسمح بتمرير القوانين دون اللجوء إلى القانون والدستور أم أنَّ مُشرّع القانون
يشرع قانونَه الخاصَّ؟!
