آخر الأخبار
نحو الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس.. ما الذي ستستفيده طنجة من الخط فائق السرعة الثاني؟

المـــــدد الزمـــــنيـــة ستتقـلــص أكـثر فــي انتظار ثورة سككية في باقي مدن الجــهـــة
أعطى الملك محمد السادس، يوم 24 أبريل 2025، إشارة الانطلاق لأشغال إنجاز خط القطار فائق السرعة الرابط بين القنيطرة ومراكش، الذي سيكون جاهزًا في بداية سنة 2030، في أفق احتضان المغرب كأس العالم خلال السنة نفسها بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، الأمر الذي سيجعل من المملكة البلد الذي يتوفّر على أفضل خط للسكك الحديدية في كامل القارة الإفريقية والعالم العربي، ومن بين أفضل البلدان على هذا المستوى في المنطقة المتوسطيَّة.
وقد يبدو للوهلة الأولى، أنَّ مدينة طنجة التي نصيبها من مشروع القطار فائق السرعة بفضل رحلات “البراق” التي أعطى الملك محمد السادس انطلاقتها رفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم 15 نونبر 2018 في رحلة انطلقت من محطة طنجة – المدينة إلى محطة الرباط – أكدال، واستغرقت ساعة و20 دقيقة، غير أنَّ الأمر غير ذلك، فمدينة البوغاز سيكون لها نصيبٌ كبيرٌ من إيجابيّات الخط الجديد، الذي سيجعل من السفر إلى الرباط والدار البيضاء ومراكش مهمّة أكثر يُسرًا، بل أنه سيُسهل بصورة كبيرة الرحلات المتوجهة إلى مدن أخرى كبرى مثل فاس ومكناس.
*تـقـليــص المــدة الـــزمــنيـــة
التعرف على المكاسب التي ستحقّقها طنجة من هذا الخط الجديد، الذي ستبدأ فيه الرحلات التجريبية سنة 2029، يفرض اللجوء إلى العديد من المقارنات؛ انطلاقًا من الحيز الزمني الذي تحتاجُ إليه الرحلات حاليًا، مع الأخذ في الاعتبار، أنَّ خط السكك الحديدية المخصص للرحلات عالية السرعة كان يمتدّ على مسافة تقارب 200 كيلومترٍ تنطلق من مدينة البوغاز وتنتهي في القنيطرة، أي أن باقي الرحلة في اتجاه العاصمة الإداريَّة الرباط والعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، كانت تُجرى عبر قطار “TGV” لكن فوق سكك حديدية عادية تحول دون وصول القطار إلى سرعته القصوى التي تتجاوز في الأصل 320 كيلومترًا في الساعة.
البداية بالرحلة من طنجة إلى الرباط، إذ كانت المدّة الزمنية بين المدينتين هي ساعة و20 دقيقة، وعند الانتهاء من الخطّ الحالي ستتقلّص إلى ساعة واحدة فقط، ما يُعدُّ ثورة في مجال النقل بالمغرب، إذ إنَّ بعض الرحلات داخل مدينة طنجة تستغرق ساعة بالسيارة، خصوصًا في وقت الذروة، وهي أيضا المدة التي يحتاجها المسافرون للتنقل من طنجة إلى تطوان عبر الطريق الوطنية، ما يفرض التفكير بجدية في تنزيل مشروع القطار الجهوي بين المدينتين، الذي يعد بتقليص مدة السفر بين أهم مدينتين بالجهة إلى 20 دقيقة فقط.
أما الرحلات نحو مدينة الدار البيضاء التي كانت تستغرق ساعتين و10 دقائق، فستتقلّص إلى ساعة واحدة و40 دقيقة فقط، إذ سيكسب المسافرون حيزًا زمنيًّا قوامه نصف ساعة، ليس هذا فحسب، فالمسافرون من مدينة طنجة سيكون بإمكانهم الوصول إلى مطار محمد الخامس في الدار البيضاء مرورًا بالرباط في ساعة و35 دقيقة، وهو الربط السككي الذي يشمل أيضا ملعب “الحسن الثاني” الذي يتمُّ بناؤه في إقليم ابن سليمان.
أما بالنسبة لمدينة مراكش، فإن طنجة ستكون مرتبطةً بها برحلات مباشرة لا تزيد مدتها عن ساعتين و40 دقيقة، ما سيقلّص الحيز الزمني الحالي بأكثر من ساعتين، فالمسافرون من مدينة البوغاز حاليًا يقضون في الرحلة 5 ساعات ونصف، تشمل الوصول إلى الدار البيضاء عبر قطار “البراق” فائق السرعة، ثم الانتقال إلى القطار العادي، ولا يجب أن ننسى أيضا أن المشروع الجديد سيُمكن سكان طنجة من ربط أسرع مع مدن أخرى في وسط المغرب، مثل فاس ومكناس، اللتان سيتمُّ ربطهما بالقطار فائق السرعة انطلاقًا من القنيطرة، لكن مع استخدام السكك الحديدية العادية، التي تبلغ سرعته على متنها 150 إلى 160 كيلومترًا في الساعة.
*مشروع ملكي استراتيجي
الفهم التام للمشروع الملكي السككي الجديد يتطلَّب العودة إلى البلاغ الرسمي، الذي يتضمَّن المعطيات الصادرة عن المكتب الوطني للسكك الحديدية، الذي أوضح أنَّ البنيات التحتية السككيَّة للمغرب ستتعزّز بإطلاق برنامج مهيكل بقيمة 96 مليار درهم، تمَّ تمديد خط القطار فائق السرعة ليصل إلى مراكش، وتحديث الأسطول الوطني، وتطوير شبكة النقل الجماعي على مستوى ثلاث مدن كبرى وبروز منظومة صناعية ترتكز على رؤية استراتيجية في خدمة تنقل مستدام وشامل وتنافسي، بطموح قاري ومتّجه نحو المستقبل.
وقد أشرف الملك محمد السادس، على إعطاء انطلاقة إنجاز الخط السككي فائق السرعة LGV بين القنيطرة ومراكش، على طول يناهز 430 كيلومترًا، ويعكس هذا المشروع، حسب البلاغ الرؤية الملكية المستنيرة الرامية إلى تحسين العرض السككي الوطني، ويندرج في إطار التوجهات الاستراتيجية للمملكة، بقيادة ملك البلاد، في مجال التنمية المستدامة، لا سيَّما تعزيز حلول التنقل الجماعي منخفضة الكربون، كما يجسد العزم الراسخ للمغرب على مواصلة تطوير شبكة السكك الحديدية الوطنية، إذ تضطلع بدورها الكامل كعمود فقري لمنظومة نقل مستدامة وشاملة.
ويُشكّل هذا المشروع المهيكل، بغلاف مالي قدره 53 مليار درهم دون احتساب المعدات المتحركة، جزءًا من برنامج طموح تطلب تعبئة استثمارات إجمالية بقيمة 96 مليار درهم، ويهم أيضًا اقتناء 168 قطارًا بمبلغ 29 مليار درهم، موجهة لتجديد الحظيرة الحالية للمكتب الوطني للسكك الحديدية، ومواكبة مشروعات التنمية، والحفاظ على مستوى الأداء بـ14 مليار درهم، ستمكن على الخصوص من تطوير ثلاث شبكات للنقل الحضري على مستوى مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش.
ووفق المصدر ذاته، يشمل مشروع القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش إنشاء خط سككي فائق السرعة، يربط مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش، مع ربط بمطاري الرباط والدار البيضاء، ومع هذا المشروع الجديد، ستصبح المدة الزمنية بين طنجة والرباط ساعة واحدة، وساعة وأربعين دقيقة بين طنجة والدار البيضاء، وساعتين و40 دقيقة بين طنجة ومراكش مع ربح حيز زمني يزيد عن الساعتين، وسيمكن المشروع كذلك من ربط الرباط بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء في 35 دقيقة، مع ربط كذلك بالملعب الجديد لبنسليمان.
كما يرتقب أيضًا تأمين خدمة للخط فائق السرعة بين فاس ومراكش في حيز زمني يقدر بثلاث ساعات و40 دقيقة، بقطارات فائقة السرعة تسير على الخطوط العادية من فاس حتى شمال القنيطرة قبل المواصلة على الخطوط الجديدة فائقة السرعة إلى مراكش.
ويهم مشروع الخط فائق السرعة القنيطرة – مراكش، بالخصوص، تصميم وإنجاز خطٍ جديدٍ بين القنيطرة ومراكش بسرعة 350 كيلومترًا في الساعة، وتهيئة مناطق المحطات بالرباط والدار البيضاء ومراكش أي أشغال على السكك المستغلة، والتجهيزات السككيّة، وبناء محطات جديدة للقطارات فائقة السرعة، ومحطات قطارات القرب وتهيئة المحطات الموجودة، فضلًا عن إنشاء مركز لصيانة وإصلاح العربات بمراكش.
وحسب البلاغ، سيتيح إنجازُ تمديد الخطّ فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، مع ما ينتج عنه من تحرير للقدرة على الشبكة التقليديَّة، الفرصة لتطوير خدمة حقيقية للقرب، تتمثَّل في قطارات القرب الحضريَّة، تغطي جزءًا من حاجيات النقل الجماعي بالنسبة لسكان مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش، وتُعدُّ هذه الخدمة الجديدة لقطارات القرب الحضرية استجابة حقيقيَّة لتحديات التنقّل الحضري في هذه المدن الكبرى، وتوفر العديد من المؤهلات على مستوى المواعيد وجودة الخِدْمة والاستدامة.
*مشاريع أخرى بعد الخط الثاني
وتزامنًا مع إطلاق مشروع إنجاز الخط فائق السرعة الجديد القنيطرة – مراكش، أطلق المكتب الوطني للسكك الحديدية برنامجًا غير مسبوق لاقتناء 168 قطارًا جديدًا يهدف إلى تعزيز وتحديث مجمل أسطول معدّات خدمة المسافرين، وستتيح عملية الاقتناء هذه، وفق الـONCFK، التي خصّص لها استثمار بقيمة 29 مليار درهم، تحسين الأداء التشغيلي وتعزيز الخدمات الجهوية، والاستجابة للزيادة المتوقّعة في حركة المسافرين بحلول سنة 2030. وعلى وجه التحديد، تهم العملية بشكل ملموس اقتناء 18 قطارًا فائق السرعة لمشروعات التمديد، و40 قطارًا للربط بين المدن، و60 قطارًا مكوكيًّا سريعًا و50 قطارًا من شبكات النقل الجماعي على مستوى المدن الثلاث.
كما سيتيح هذا البرنامج الطموح لاقتناء عربات السكك الحديدية، بروز منظومة سككية صناعية، وفق البلاغ، ومع معدل اندماج محلي يزيد عن 40 في المئة، يُبرهن البرنامج على التزام قوي تجاه المقاولة والكفاءات المغربية وستكون له حتمًا آثار إيجابيَّة من حيث دعم الاقتصاد الوطني وخفض تكاليف النقل والتنمية المستدامة.
وينقسم البرنامج -على الخصوص- إلى مكونين رئيسيين، أولهما ذو طابع صناعي ويهم إنشاء وتشغيل وحدة صناعية محلية لتصنيع القطارات وإرساء منظومة للموردين والمناولين، ويتعلق المكون الثاني بإحداث شركة مختلطة بين الشركة المصنعة والمكتب الوطني للسكك الحديدية لتأمين الصيانة الدائمة والصناعية، التي تُغطّي مدة عمر القطارات مع التحكم في التكاليف.
وسيمكن هذا البرنامج، الذي سيمتد على مدى عشر سنوات، من تكوين موارد بشرية وخلق عدة آلاف من مناصب الشغل مباشر وغير مباشر، ومع برنامج التحديث الجديد، تشهد شبكة السكك الحديدية المغربية برمتها نهضة حقيقية، لا تتعلّق فقط بتمديد شبكة القطار فائق السرعة إلى مراكش، وإنَّما أيضا بتحديث وتعزيز وتجديد أسطول قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية، وإحداث شبكة سككية للنقل الجماعي وخلق منظومة صناعية جديدة واعدة.
وقد تمَّ إنجاز هذا المشروع الاستثماري المهمّ لتحديث الشبكة السككية اعتمادًا على خبرة مقاولات دولية ذائعة الصيت، ويتعلق الأمر بشركة “ألستوم” الفرنسية للمعدات المتنقلة فائقة السرعة، والشركة الإسبانية “كاف”، فيما يخص القطارات الرابطة بين المدن بسرعة 200 كيلومترٍ في الساعة، وأيضًا الشركة الكورية الجنوبية “هيونداي روتيم” المتخصّصة في قطارات القرب الحضرية، بشروط تمويلية تفضيليَّة.
*فــي انتــــظــار نصـــــيب جـــهـــة الشـــمــــال
التطوّر الذي يشهده خط القطار فائق السرعة، والأحداث الكبرى التي ينتظر أن يحتضنها المغرب مستقبلًا، خصوصًا كأس العالم 2030، أصبح يتطلَّب المرور إلى السرعة القصوى أيضًا في تأهيل شبكة النقل السككي الداخلي والإقليمي والجهوي، بما يضمن التوازن بين استفادة سكان المدينة من تنقل مريح ومتطوّر نحو المدن الكبرى البعيد كما نحو المدن المجاورة، وأيضًا بما يجعل طنجة محور الربط بين الخط فائق السرعة وبين استفادة مدن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة ككل من هذه العروض، وهو أمر ستكون له انعكاساتٌ بالضرورة على التنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للمنطقة، المتّسمة حاليا بانعدام التوازن.
والظاهر أنَّ تطوير شبكة النقل عبر القطارات في داخل طنجة، أصبحت محسومة، فمؤخرًا تأكد أن محطة مغوغة ستعود إلى الحياة بعد سنوات من الإغلاق، إذ صدر المرسوم الخاص بتوسيعها وتحديثها، في يناير 2025، والقاضي بضمّ قطعة أرضية من ملك الدولة الخاص إلى الملك العمومي للدولة بتراب عمالة طنجة – أصيلة، ويتعلق الأمر بوعاء عقاري تقارب مساحته 5 هكتارات ونصف، الأمر الذي يأتي في إطار إحداث خطوط سككيَّة داخلية.
هذا الأمر يدخل في إطار مشروع تتجاوز قيمته ملياري درهم بدأت دراساته الأولية خلال شهر فبراير الماضي، ويهدف إلى ربط المدينة بالعديد من المرافق العمومية والمواقع الاقتصادية، بما في ذلك المحطة الطرقية للحافلات، وأسواق منطقة سيدي احساين، بالإضافة إلى المدينة الذكية “طنجة – تك”، وستكون المحطة الرئيسية بالقرب من المجمع الحسني الذي يفصله شارع الجيش الملكي (طريق الرباط) عن الملعب الكبير، ومن المتوقّع أن يبدأ العمل فيه خلال السنة الجارية على أن تنتهي سنة 2028، وتموله وزارة الداخلية، وجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، ووزارة النقل واللوجيستيك، والمكتب الوطني للسكك الحديدية.
هذه المعطيات تتقاطع أيضًا مع معلومات أخرى تهم تطوير محطة القطار بمدينتي أصيلة والقصر والكبير، في إطار تجويد خدمات النقل السككي من وإلى هاتين المدينتين، بما يساهم في ربطهما بشبكة القطار فائق السرعة، لكن المشروع الأهم الذي ينتظر أن يتمَّ الحسم فيه خلال الأشهر المقبل، هو ذاك المتعلق بإحداث محطة للقطار في مدينة تطوان، لربطها بمدينة طنجة في أول تجربة للربط الجهوي بالشمال، الأمر الذي يعني أيضًا استفادة أقاليم أخرى قريبة من الربط السككي، وخصوصا المضيق – الفنيدق وشفشاون.
وفي أكتوبر 2024، بدأ الإعداد لهذا المشروع فعليًّا، إذ حصلت شركة “إينيكو” الهندسية الإسبانية على عقد دراسات الجدوى الخاصة بإنجاز خط القطار المباشر بين أكبر مدينتين في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وهو العقد الذي وضع الشركة الإسبانية في تحالف مع شركة CID المغربية المسؤولة عن دراسات 4 مسارات عمل رئيسية، وتبلغ تكلفته الإجمالية 2,7 مليون يورو ومدته 14 شهرًا.
وينتظر أن تخلص نتائج هذه الدراسة إلى إيجاد صيغ الربط السككي بين المدينتين على مسافة 85 كيلومترًا، بما يشمل محطات أساسية مثل ملعب طنجة الكبير والمطارات، بالإضافة إلى إنشاء خط نحو المدينة الجديدة “الشرافات” وجماعة اكزناية والمنطقة الصناعية للمدينة الذكية “طنجة – تك”، وَفْق ما تمَّ الكشف عنه قبل أشهر.
رئيس مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، عمر مورو، قد تحدث عن ضرورة تنزيل مشروع الربط السككي بين مدينتي طنجة وتطوان، وذلك خلال أشغال المجلس في مارس 2024، مبرزًا أنَّ التحدي الحقيقي للمشروع يبقى هو التمويل، في حين حثّ وزير النقل واللوجيستيك السابق، محمد بن عبد الجليل، جميع الفرقاء المعنيين، بما يشمل المجالس المنتخبة على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، وكذا المكتب الوطني للسكك الحديدية، إلى العمل بشكل مشترك مع الحكومة من أجل إيجاد الصيغ المناسبة لتمويل مشروع وإخراجه إلى أرض الواقع.
