ثقافة
نجاح باهر لبرنامج ليالي بني مكادة الرمضانية.. وابتذال وإطناب في برنامج رمضانيات طنجة الكبرى رغم الدعم المالي الكبير

عاشت ساكنة مقاطعة بني مكادة -أكبر مقاطعة بالمغرب- خلال شهر رمضان المبارك على إيقاع أجواء روحانيَّة وثقافيَّة ورياضيَّة وأكاديميَّة مميّزة، إذ اعتبرت الأنشطة الرمضانيَّة التي نظمتها المقاطعة، التي اختارت لها اسم “ليالي بني مكادة الرمضانيَّة في دورتها الثانيَّة”، من أبرز البرامج التي عاشتها المدينة طول الشهر الفضيل، خصوصا أنَّها عاشت طابعًا خاصًا من خلال أمسيات دينيَّة، مسابقات قرآنيَّة، وعروض ثقافيَّة متنوعة.
فبرنامج ليالي بني مكادة الرمضانيَّة، خلال السنة الحاليَّة، راق العديد خصوصًا أنَّه أشرك أزيد من 100 جمعيَّة من المجتمع المدني التي تنشط داخل الرقعة الجغرافيَّة الخاصة ببني مكادة، حيث حضرت الفعاليَّة والتنوع، المؤدي إلى الزخم الذي كان ميزها، خاصة أنَّ البرنامج رعى الجانب القيمي أكثر من الكمي.
فخلال السنة الحاليَّة، استطاعت المقاطعة بفضل برنامجها من استقطاب أسماء أكاديميَّة ورياضيَّة وفنيَّة وثقافيَّة وسياسيَّة كبيرة جدا، فخلال ندوة التشهير استطاعت المقاطعة جلب الإعلامي الكبير “رشيد البلغيتي” والحقوقي والمحامي المثير للجدل “الحبيب حجي”، والدكتور “عبد الله أبو عوض”، كما جلبت خلال ندوة شغب الملاعب أسماء كبيرة جدًا، مثل الدكتور مصطفى الشكدالي ومحلل قناة الرياضيَّة الصحفي محسن الشركي وأيضًا الإعلامي الكبير عبد الله الجعفري رئيس قسم الرياضي بقناة ميدي 1 تيفي، والإعلامي الرياضي محمد الصمدي، وخلال ندوة الإعلام والثقافة جلّت كل من المثقفة المعروفة بديعة الراضي والإعلامي والروائي الشاب “عبد الواحد استيتو”.
ولم تتوقف الندوات عند هذا الحد بل نظّمت ندوة لمناقشة مستجدات القانون الخاصة ببطاقة الإعاقة، وندوة أخرى بشأن التغذيَّة، وجل هذه الأنشطة بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، وهو ما تبيَّن خلال الأمسيَّة الشعريَّة الناجحة وأيضا خلال العرض المسرحي.
البرنامج راعى المواهب، ونظَّم دوريًا في كرة القدم الخاص بالفئات الصغرى ذكورًا وإناثًا، وأيضًا مسابقة في فنون الحرب، وأيضًا مسابقة في حفظ وتجويد القرآن، وهي كلها مسابقات وأنشطة لتشجيع المواهب الصاعدة بالمنطقة.
البرنامج الرمضاني في دورته الثانيَّة، تميّز بثقافة الاعتراف، إذ تم تكريم عددٍ من الأوجه التي أعطت الكثير في مجالها، ما يكرس ثقافة الاعتراف، كما تميّزت أمسيته الختاميَّة بتكريس ثقافة القرب حينما نُظّم حفل ختامي بالهواء الطلق بأحد أهم الأحياء الشعبيَّة بطنجة حي بئر شيفاء وهو الحفل الذي أقامه المنشد المغربي المشهور علي المديدي.
كل ما قدم هو من طرف مؤسسة منتخبة، وليس جمعيَّة مجتمع المدني، ونحن نعرف أنَّ المقاطعة ليست بالشخصيَّة المعنويَّة وليس لها موارد ماليَّة كثيرة، ومع ذلك تفوقت المقاطعة وانسلخت من جلباب السياسة وفتحت أبوابها أمام الجميع.
كانت بني مكادة تعرف حركيَّة ثقافيَّة ودينيَّة واضحة خلال رمضان، إذ كانت الساحات والمساجد والمراكز الثقافيَّة تحتضن أنشطة تلبي تطلعات مختلف الفئات، وهو ما تم تكريسه والحفاظ عليه خلال هذه السنة، والجميل أنَّ المقاطعة أعلنت برنامجًا سنويًّا متنوعًا لن يتوقف في رمضان أو في أمسيات الصيف.
من جانبهم، عبّر عددٌ من أبناء المنطقة، والمستشارون عن إعجابهم بالطريقة التشاركيَّة، معتبرين أن “الرمضانيات” كرَّس سياسة العمل المشترك وثقافة التطوع، خصوصًا أنَّها فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعيَّة وإحياء القيم الدينيَّة والثقافيَّة.
واعتبر العديد من فعاليات المجتمع المدني، أن سياسة التواصل والانفتاح أدَّت دورًا في النجاح الباهر الذي حقّقه البرنامج، وأيضًا في الطريقة التشاركيَّة التي أعدت البرنامج، ما يعكس واضحة لدى المسيرين.
إن ساكنة منطقة بني مكادة عبَّرت في عدد من الأحياء عن رضاها، متمنين استمرار مثل هذه المبادرات طول السنة، وتطوير أكثر طرق التواصل؛ لكي يتمّ التجاوب مع حاجيات المواطنين اليوميَّة.
بالمقابل لم ينجح برنامج رمضانيات طنجة الكبرى في دورته الرابعة من تحقيق المراد، فرغم كلّ المجهودات التي قام بها المنظمون والترويج الإشعاعي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فإنّ الواقع شيء آخر، فالبرنامج لم يعكس حجم الإمكانيات الماليَّة التي وفرت لهذا البرنامج.
فبرنامج رمضانيات طنجة الكبرى، سقط مرة أخرى في الابتذال والتكرار وعدم الاجتهاد، إذ اعتمد تقريبًا على نفس الأسماء التي اعتادها في الدورات السابقة، كما أنَّ عناوين الندوات واللقاءات كان أكبر من حجم النقاش وبعض المؤطرين، الذين لا علاقة لهم بالموضوعات المقترحة.
كما أن البرنامج سخّرت له إمكانيات وآليات الاشتغال لم ولن توفر للعديد من المؤسسات الأخرى وعلى رأسها القاعات، مثل قاعة قصر الثقافة والفنون، التي تجعلنا نتساءل هل فعلا هذه المؤسَّسة تتعامل بشكل ديمقراطي وشفّاف مع باقي المؤسسات الأخرى؟ وهل سيتمُّ توفير لهم القاعات بالطريقة نفسها التي وفّرت للمؤسسة المنظمة لهذا البرنامج؟
كما أنَّ البرنامج لم يغرِ الساكنة والنخبة المثقفة، فغالبيَّة اللقاءات لم تعرف حضورًا مهمًّا للمهتمين، اللهم لقاء واحد للسياسي “بن جلون”، الذي تم التعبئة له، لتمرير رسائل سياسيَّة مشفرة، الأمر الذي أكَّد أن المؤسسة تعمل تحث عباءة سياسيَّة واضحة ولم تستطع الانسلاخ عن العمل السياسي، فالأمسيات التي كانت لها البعد التصوفي والروحاني، التي نظمت بقاعات مغلقة هي الوحيدة التي كانت تعرف حضورًا مهمًّا، نظرا لكون المنظّمين كانوا يوزعون الدعوات على الحضور والأسر بعناية دقيقة، حتّى يضمنوا الحضور وامتلاء القاعة، وهو قياس لا يمكن الاعتماد عليه في نجاح البرنامج.
