تواصل معنا

في الواجهة

ما فائدة دراسات الجدوى ما دامت دوامة تغيير التصميم لم تنتهِ طوال 13 سنة بدعوى عدم كفاية الأرباح؟

شركة «إيغل هيلز» تضغط على السلطات لزيادة مساحة مشروعها في مارينا.. وسلاحها الضغط بورقة توقيف الأشغال

 

يواصل مشروع الشركة الإماراتية «إيغل هيلز» بمارينا طنجة، الضغط على سلطات المدينة بشكل يشبه «الابتزاز» من أجل تغيير الصورة الأصلية للمشروع، الَّذِي أصبحت معالمه تتبدّل شيئًا فشيئًا، لتسيطر عليه الكتل الإسمنتية على حساب المساحات الخضراء والواجهة البحرية، إذ تؤكد معطيات حصرية حصلت عليها أسبوعية «لاديبيش» أنَّ الشركة قدّمت خطة لتعديل التصاميم مرة أخرى بتاريخ 22 أكتوبر 2022.

وتتعلَّل الشركة الإماراتيَّة، بأنَّ المشروع في صيغته الأصلية لم يعد ذا جدوى مالية بسبب العديد من التطوّرات، الَّتِي تبرر بها طلبها، مُتمثّلة في تبعات جائحة «كورونا» ثُمّ بارتفاع أسعار موادّ البناء، في الوقت الَّذِي يتأكّد فيه مجددًا فشل دراسات الجدوى، الَّتِي أنجزتها الشركة، علما أنَّ التصاميم الأصلية للواجهة البحرية المتوسطية لطنجة، كانت قد حظيت بمتابعة من القصر الملكي سنة 2010، أمَّا التصاميم المُعدّلة، فتمّت الموافقة عليها سنة 2015، بعد أن جرى عرضها أمام الملك محمّد السادس.

وأصبح هَذَا المشروع، الكائن في موقع استراتيجيّ في أكثر الأماكن جذبًا للسيَّاح في طنجة، تحديًا كبيرًا للسلطات الَّتِي تتعامل مع شركة «مزاجية»، كلما أرادت أن تُغير في معالمه لجأت إلى «الضغط والابتزاز»، متعلّلة بدراسات الجدوى، الَّتِي لم تكن دقيقةً، وكأنَّ المدينة هي الَّتِي يجب عليها دفع ضريبة «فشل» اختيارات «إيغل هيلز»، ليُصبح السؤال الآن: هل سيتم الخضوع مرة أخرى لطلباتها، أم أنَّ الحلول القانونية متوفرة لطيّ هَذَا الملف بأقل الأضرار؟

  • مسلسل التخبط والتأخر

وبالرجوع إلى المعطيات الَّتِي حصلت عليها «لاديبيش» والخاصة ببيانات المالية لسنة 2022 للمنطقة المينائية طنجة المدينة، يتضح أنَّ المكوّن الحضري لمشروع «إيغل هيلز» المسمى (الواجهة المائية لطنجة) يُغطي مساحة إجمالية تبلغ 28,53 هكتار، وتصل المساحة الصافية لبناياته ومرافقه إلى ما يقارب 229 ألف متر مربع، ومع ذلك فإنَّ الشركة اليوم تُطالب بزيادة هَذِهِ المساحة.

وتبدأ كرونولوجيا المشروع بتاريخ 17 مارس 2015، حين وُقّعت مذكرة تفاهم مع مجموعة إيغل هيلز الإماراتيَّة لتطوير المكون العمراني بالميناء الترفيهي لطنجة، وفي 29 أكتوبر 2015 وُقعت اتّفاقية البيع مع المجموعة من أجل تفويت قطعة أرض مساحتها الإجمالية تتعدّى 28 هكتارًا، وتمت المرحلة الأولى من عملية البيع في 15 يوليوز 2016.

ومع ذلك، فإنَّ المشروع ظلّ متوقفًا لما يناهز 3 سنوات، وفي 14 مارس 2019، حصلت الشركة على إذن باعتماد الخطة الرئيسية للمشروع، ثُمّ في 8 يوليوز 2019، صدرت رخصة البناء لفندق من فئة 5 نجوم، بالإضافة إلى تجمعاتٍ سكنيّةٍ فخمةٍ ومركز للمؤتمرات وساحة رئيسية كبيرة وموقف تحت أرضي للسيَّارات.

وفي سنة 2022، بدأت تحركات الشركة الإماراتيَّة، من أجل تعديل المشروع مرّة أخرى، حيث قُدّمت الخطة الرئيسية للمراجعة في أكتوبر 2022، وعلى هَذَا الأساس فإنَّ خطة «التحسين» تشمل إنشاء وحدات فندقية تصل إلى 1200 سريرٍ ومركز للمؤتمرات بسعة 1500 مقعد، بالإضافة إلى مركز للتسوق ومحلات تجارية أسفل المباني والمكاتب.

والمثير في الأمر، هو التغير الَّذِي تسعى الشركة إلى إحداثه في المساحة الإجمالية للمشروع، لتنتقل مساحته من 229 ألف متر مربع إلى 320 ألف متر مربع، في حين أنَّ الاتّفاقية المبرمة بين إيغل هيلز وشركة التهيئة من أجل إعادة توظيف المنطقة المينائية لطنجة، تنصّ على أنه يمكن تقليل من المساحة الأرضية للمشروع بنسبة 20 في المئة، لتصل إلى 256 ألف متر مربع دون أي مطالب من الشركة الإماراتيَّة.

وفي البرنامج المعتمد بتاريخ 17 مارس 2019، كانت المساحة الإجمالية للمشروع مُحدّدة بالضبط في 228.839 متر مربع، منها 70.341 متر مربع للوحدات الفندقية و3460 مترًا مربعًا لمركز المؤتمرات، ونحو 40 ألف متر مربع لمراكز التسوّق والفضاءات التجارية، وما يزيد قليلًا عن 113 ألف متر مربع للفضاءات السكنية و1980 مترًا مربعًا للمكاتب.

وفي سنة 2020، بدأت شركة «إيغل هيلز» العمل على الشطر الأول من المشروع، بناء على المخطط المعتمد حينها، وحتّى بعد 4 سنوات من الحصول على التراخيص، لا تزال وتيرة هَذَا الشطر ضعيفة جدًا، بل إنَّ بعضها لم ينطلق قطّ، ووَفْق المعطيات الَّتِي تتوفر عليها، فإنَّ هَذِهِ النسبة لا تتجاوز إجمالًا 8 في المئة، وذلك بالرغم من الدعم والتسهيلات والحوافز الَّتِي قدَّمتها السلطات لهَذِهِ الشركة، وسبق أن قدمت إدارة المنطقة المينائية للشركة عدّة ملاحظات بهَذَا الخصوص.

  • ضغوطات لزيادة المساحة

ووجهت شركة «إيغل هيلز» عدّة مراسلات إلى السلطات، تحاول -من خلالها- جاهدة توسيع مساحة مباني المشروع إلى 320 ألف متر مربع، مستعملة عبارات فضفاضة لتجاوز القانون، حيث تتحدَّث عن «احترام روح التصميم المعماري المُقدّم أمام الملك محمد السادس، والمصادق عليه سنة 2013»، وتتعلَّل بأنَّ العوائد الربحية للمشروع لم تعد كافية وفق المكونات المنصوص عليها سنة 2019 نظرًا للتأثير السلبي لجائحة (كوفيد- 19)، وأيضًا بسبب الزيادة في أسعار موادّ البناء.

وبتاريخ 26 أكتوبر 2022، قدمت الشركة مقترحًا يرفع مساحة المشروع إلى أكثر من 322 ألف مترٍ مربعٍ، ولخلق الضغط على سلطات طنجة أوقفت العمل إلى حين الاستجابة لطلبها، وربطت عودته بالموافقة على شروطها الجديدة المخالفة للاتفاق الأصلي، الَّتِي ستكون على حساب الواجهة البحرية والشكل العام لمارينا طنجة، وبدأت ولاية طنجة بالفعل دراسة هَذَا المقترح، وأرسلت لجنةً للاطّلاع على المشروع والموقع، لكنَّ طلب الشركة الإماراتيَّة لا يزال قيد المراجعة.

وتُذكر هَذِهِ التطورات بما حدث في أكتوبر من سنة 2020، حين أوقفت الشركة أشغال المشروع من أجل الضغط على السلطات، في خضم الجدل الدائر حول إضافة طابق آخر إلى بناياتها السكنية، بعدما كان التصميمُ الأصليُّ ينص على إنشاء مبانٍ من طابق أرضي وطابقين علويين، أمَّا التصاميم الَّتِي فرضتها الشركة -بعد ذلك- فتنص على إنشاء 3 طوابق علوية، وحينها كانت قد تعلَّلت أيضا بجدوى المشروع وعوائده المالية الَّتِي لم تعد كافية.

  • إيغل هيلز تتلاعب بمشروع أشرف عليه الملك

ويمثل هَذَا الأمر تلاعبًا من طرف الشركة الإماراتيَّة بمشروع قُدمت تفاصيله للملك، فوَفْق المعطيات الَّتِي حصلت عليها «لاديبيش»، فإنَّ الأمر يتعلق بتصاميم، حسمتها لجنةٌ تقنيةٌ، ترأسها المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، نظرًا للعناية المولوية الَّتِي كان يوليها الملك لهَذَا الورش، الَّذِي سيكون واجهة المغرب باتّجاه أوروبّا، واقترحت «إيغل هيلز» نفسها لتنفيذ المشروع بناء على دفتر تحملات وشروط تقنية وهندسية واضحة، لكنها بعد ذلك تراجعت عنها.

وبعد أن تعلَّلت الشركة بأنَّها تُحاول تفادي الخسارة، تمّت الموافقة على تغيير التصاميم من طرف وزارة الداخلية، بعد توقيع مذكرة بتاريخ 17 مارس 2015، بين محمد العبار، العضو المنتدب لشركة «إيجل هيلز» ومحمد أوعنايا الرئيس المدير العام لوكالة إعادة تهيئة ميناء طنجة المدينة، وبتاريخ 15 مارس 2019، حصلت الشركة على التراخيص النهائية الَّتِي تسمح لها بالشروع في الأشغال، وَفْق تصميمٍ جديدٍ يسمح لها بإضافة طابق ثالث للبنايات السكنية.

والاتّفاقية الَّتِي وُقعت بالقصر الملكي بالدار البيضاء، سنة 2015، تحت أنظار الملك محمد السادس، وولي عهد أبو ظبي حينها ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حالية، محمد بن زايد آل نهيان، كان من المفروض أن تكون قد وضعت نقطةَ النهاية لسلسلة من المراجعات، كان الهدف الأساسي منه هو إتمام المشروع وضمان تحقيق أرباح بفائدة الشركة الإماراتيَّة، لكنَّ المفاجأة هي أنَّ هَذِهِ الأخيرة لجأت مرّة أخرى لأسلوب الضغط والابتزاز من أجل تغيير معالم المشروع، الَّذِي أصبح محطَ كثيرٍ من الجدل، بسبب إغلاقه الإطلالة البحرية للمدينة باتجاه الشاطئ البلدي.

  • هل تبتز الشركة الإماراتية السلطات المغربية؟

وفي المحصلة، تريد شركة «إيغل هيلز» أن تزيد مساحة المباني في المشروع، بما يقارب 93 ألف كيلومتر مربع، تنضاف إلى التعديلات السابقة الَّتِي سمحت لها بإضافة طابق ثالث للمباني السكنية، كل ذلك، وهي تلعب مع السلطات المغربية ورقةَ خطيرة هي ورقة «الابتزاز»، بحيث كلما رُفض طلبها أو لقيت معارضة من طرف الرأي العام المحلي، أوقفت الأشغال، لتُحول واجهة “مارينا طنجة” الَّتِي أُريد لها أن تكون من بين الأجمل في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، إلى كُتلٍ إسمنيةٍ بشعة.

والأخطر من ذلك، فإنَّ الشركة الإماراتيَّة تُؤكّد، من خلال طلبات التعديل المتكررة، أنَّها تستند إلى دراسات جدوى فاشلة، حيث إنَّها تتعلَّل في كلّ مرة بأنها تخشى من تكبد الخسائر، وأنَّ النتائج الَّتِي توصلت إليها في السابق لم تعد مُلائمةً، كل ذلك على حساب جمالية المدينة والتصاميم الأصلية لمشروع الميناء الترفيهي، وحتَّى إن وافقت السلطات مرة أخرى على طلب التعديل الحالي، فليس هناك مَا يضمن أنَّ أصحاب المشروع لن يعودوا مرّة أخرى للضغط من أجل الرفع من المساحة مجدّدًا أو رفع عدد الطوابق، أو حتَّى المطالبة بتخصيص أجزاء من الملك البحري لمبانيهم، ما دام أنَّ الورش في بداياته ولم يتم الوصول حتَّى إلى عُشر ما يجب إنجازه.

وعلى الرغم من استفادة الشركة من العديد من المزايا والدعم من طرف السلطات المغربية، غير أنَّ آخر همها هو إنجاز ما عليها من التزامات، الأمر الَّذِي حصل عندما ضغطت من أجل الحصول على حق إضافة طابق ثالث للبنايات، حيث تعطّل البدء في المشروع من 2010 إلى 2019، وهو ما تفعله حاليًا، حين تُمارس لعبة «لي الذراع» من أجل إضافة مساحات شاسعة للمشروع، دون أن تُفكر في أنَّ الأمر يتعلق بواجهة المدينة والبلد، وتحظى باهتمام شخصي من الملك محمد السادس، ولا مُشكلة لديها في أن تُحولها من مشروع سياحي أنيق إلى إحدى «مارينات» العالم الثالث، الَّتِي تغلب عليها الهياكل الخرسانية المفتقرة لأي جمالية، وتحرم الناس من الإطلالة البحرية، الَّتِي تُعدُّ رمزًا لمدينة طنجة.

ويبدو أنَّ شركة «إيغل هيلز» اعتادت على الاشتغال بشكل عشوائي وعلى ضرب القوانين عرض الحائط، لكنَّ الكرة الآن في ملعب سلطات المدينة، فإمَّا أن تستسلم مجدّدًا لهَذِهِ الشركة، وأن تتحمّل المسؤولية، فيما سيحصل مستقبلًا، حين تتحوّل إلى «لعبة» في يد أصحابها، وأن تغامر بتكرار هَذَا السيناريو معها ومع الشركات الأخرى، الَّتِي يُنتظر أن تستثمرَ في باقي أشطر مارينا طنجة، أو أن تعمل على إعادة الأمور إلى نصابها بإلزام الشركة بالوسائل القانونية بالاستمرار في المشروع، كما هو مخطط له في الأصل، الأمر الَّذِي سيحفظ للمملكة هيبتها وللمدينة رونقها.

تابعنا على الفيسبوك