مقالات الرأي
لا أحد سينسى سنة 2020 ولن يفتقدها كذلك

كانت إحدى أكثر النقاشات، الَّتِي غزت منصاتِ التواصل الاجتماعي في سنة 2019، هي ما إذا كانت بداية العام الجديد تُمثّل أيضًا بداية عقدٍ جديدٍ، بداية طموحات جديدة، وبداية صفحة جديدة، ومع مرور 12 شهرًا، أصبحت الرغبة في قلب الصفحة الأخيرة والتخلص من عام 2020 مطلبًا مُلحًا لجميع المُواطنين المُتضرّرين من سنة لم نعش فيها أكثر من 3 أشهر على أقصى تقدير.
كانت سنة 2020، بمنزلة الكابوس الَّذِي يتكرّر، كلما يغمض الإنسان عينه ويهم للنوم، حتّى أنَّنا لم نعد نستطيع التمييز بين الكذبِ والحقيقةِ، الحزنِ والفرحِ، تغيّرت مجموعةٌ من المفاهيم واكتشفنا سذاجتَنا في فهم واستيعاب ما يجري من حولنا، خاصّةً نحن الَّذِينَ نعيش في الدول المُصنّفة في العالم الثالث، في عام 2020، أودى فيروس «كورونا» بحياة أزيد من المليوني شخص، وهي مأساة ذات أبعاد لم يشهدها الكثير منا، إنَّها حرب لكنَّها حربٌ دونَ خسائرَ في العمران، بل خسائر في الأرواح وتدمير للاقتصاد وقلب مفاهيم الخير والشرّ.
كما تسبَّب الوباء في أسوأ انهيار للاقتصاد العالمي في الذاكرة، على وجه الخصوص، تراجعت دول عدّة سنوات من حيث الناتج المحليّ الإجمالي ومكافحة الفقر، وكأنَّها خطت خُطوات للوراء مرغمة على ذلك.
أصبحت الشوارع فارغةً فجأة، لا طير يطير، ولا وحش يسير، الكلُّ في منازله، حتّى من كان لا يملك منزلًا، فقد وجد مكانًا له يبعده عن خطورة فيروس أتى على الأخضر واليابس، توقف الأطفال عن الذهاب إلى المدرسة، استبدل أرباب العمل بحضور الموظفين الفعلي العمل عن بُعد، كما أنَّه فرض علينا أن نجلس في منازلنا، من أجل البقاء على قيد الحياة، وفي السرَّاء والضرَّاء، تعرفنا بشكل أفضل على أولئك الَّذِينَ عشنا معهم.
وجدنا في الواقعِ الافتراضيِّ الملاذَ الآمنَ، الَّذِي نحصل منه على أشياءَ بسيطةٍ، جنّبتنا الشعور بالضجر والقلق، لقد صدمتنا الاحتجاجاتُ الغاضبةُ ضد العنصرية، كما شكَّلت أخبار الوفيات وعينا خلال عدّة أشهر، نظريات المؤامرة سيطرت على الجميع، ازدادت مشاكل التوتر والقلق والاكتئاب واستهلاك الكحول.
لكن، كما قالت عالمة النفس لورا روجاس ماركوس: «كان علينا أيضًا إعادة اختراع أنفسنا، وتعلم إدارة عدم اليقين، وجعل أنفسنا أقوى أو أكثر مرونة في مواجهة الشدائد». أثارت هَذِهِ المأساة أعمال تضامن على نطاق عالمي، وذكّرتنا بالدورِ الأساسيّ للأطباءُ والعلماء، وجعلتنا نُفكّر في مزايا وعيوب العالم الَّذِي نعيش فيه.
بالطبع، من السهل أن نعزو المشكلات، الَّتِي تكشف لنا عن عامٍ واحدٍ، مع الحلم بأنَّ كلَّ شيءٍ سيتغيّر بين عشيةٍ وضحاها في عام 2021 ومع ذلك، هناك سبب للاعتقاد بأنَّ الأمور ستتحسّن قريبًا إنه «الأمل في غد مشرق».
النقطة المضيئة الوحيدة، هو أنَّ العلم تمكّن من تحقيق تطوّرات غير عادية في هَذِهِ الأشهر الـ12، من خلال مشاركة المعلومات حول العالم، وتطوير لقاحات مختلفة ضد (كوفيد -19) في وقت قياسي بدأ تطبيقه بالفعل في العديد من البلدان.
وبمجرد إعلان انتشار الوباء في مارس، حذَّر العلماء من الموت، وبعد تسعة أشهر، لا يزال يعتقد هؤلاء العلماء، أنَّه من السابق لأوانه، معرفة كيف سيتذكر التاريخ سلوكنا هَذَا العام، على الرغم من أنه يُمثّل بالفعل تمييزًا بين موقف العلماء والعديد من السياسيّين.
لقد كانت هناك مسؤولية علمية هائلةٍ، لكن في المقابل، وللأسف، فشل السياسيّون إلى حد كبيرٍ في اختبار وإيلاء اهتمام كافٍ لتوافق العلم في الاستجابة لهَذَا الوباء ونتيجة لذلك، كان المواطنون في كلّ بقاع العالم مُرتبكين بشكل غير عادى ما يُفسّر أنَّهم لن يفتقدوا عام 2020.
لقد كانت سنة 2020 حزينةً للغاية ونحن اليوم في طريقنا للنجاة، لكن مُحمّلين بخيبات وانكسارات نأمل أن نعوضها في سنة 2021.
