آخر الأخبار
في ظل عدم محاربة الظاهرة.. أبواب المساجد بطنجة تتحول إلى «أسواق شعبية!»

يصيحون بأعلى أصواتهم: «مول المليح باع وراح»، «لا غلى على مسكين»، «ها دوا البرد عند خوكم الصحراوي».. إنهم الباعة المتجولون تتعالى أصواتهم وتختلف باختلاف منتوجاتهم المعروضة لاستمالة المصلين عند أبواب المساجد، بينما أعينهم تراقب «دوريات» السلطة الَّتِي تقوم بحملاتها بين الفينة والأخرى.
باعة متجولون اختاروا، أبواب المساجد مكان لهم لعرض منتوجاتهم وبيعًا للمارة، أو للمصلين الَّذِينَ يُصلّون بتلك المساجد، فأينما وليت وجهك بمساجد طنجة إلا ووجد باعة يفترشون على الأرض أو يستعينون بالعربات لبيع الفواكه أو الملابس الداخلية أو بعض أنواع «الدواء»، حسب ما يصرّحون به.
فمراسم الاستعداد لعرض سلعهم قبيل الأذان، تبدأ بوقتٍ مُبكرٍ قبل أذان المؤذن بحوالي ساعة، خصوصًا خلال صلاة الظهر والعصر والمغرب، كي يستطيعوا أخد مكان بقرب باب المسجد، إذ يتم عرض المنتوج الَّذِي يبيعه.
العياشي، يبيع التمر والملابس الداخلية، أكَّد في تصريح خصّ به جريدة «لاديبيش»، أنّه يُحاول استقدام سلعته، وعرضها بشكل يجلب الزبائن، ويُقدّم له منتوجًا بجودة عالية ومتميزة وبأثمنة مناسبة في ظلّ غلاء السعار.
ويضيف المتحدث ذاته، أنه يُفضّل البيع أمام المسجد ما بين فترة صلاة العصر والمغرب وفي فصل الصيف، حتَّى نهاية صلاة العشاء، فيما باقي الأوقات يتم اللجوء إلى أسواق وأماكن أخرى للبيع والترزق.
فأصواتهم تتعالى مع نهاية الصلاة، حيث يبدأ التنافس حول من يستميلَ زبناءَه من المصلين أو المارة، بل منهم من أضحى يُوظّف أطفالًا «للصياح» لجلب الزبناء، قصد الظفر ببيع بضع «كيلوات» من ألفوا حضور تلاوة القرآن (الحزب) بعد صلاة المغرب!
هَذِهِ الظاهرة لم تعد تقتصر على الرجال فقط، فحتّى بعض النساء تجدهم يفترشون أرضًا أمام المساجد بطنجة لعرض مبيعاتهم، فالسيدة راضية من النساء اللواتي اعتدن على ممارسة التجارة منذ أن وجدت نفسها لا معيل لها، بعدما فقدت زوجها، «الحمد لله على كل حال» عبارة كانت كافية لتعبرَ عن حال سيدة تصارع من أجل لقمة العيش في زمن الغلاء، وسط زخمٍ كبيرٍ من الباعة المتجولين أغلبهم رجال.
راضية، متحدّثة لجريدة «لاديبيش»، تُؤكّد أنَّ كلَّ يومٍ وله رزقه، لكنّها مؤمنة ما قدر لها من الله سبحانه وتعالى، فالعمل الحلال والكفاح تقول راضية ليس عيبًا، العيب أن تمد يدك للتسوّل من أجل لقمة العيش، والعيب أن تسرق لقمة شخص آخر لسد رمقك.
لغة جميلة وعملية حكي وسرد أجمل، تجعلك تشعر أنّك أمام امرأة راقية مثقفة، حكمت عليها الظروف أن تصارع الزمن من أجل سدّ لقمة عيشها.
بائعو الأعشاب و«خلطاتهم» العجيبة
ظاهرة هي الأخرى باتت تنتشر أمام أبواب المساجد بشكلٍ قويٍّ، يتعلّق الأمر بالأعشاب الطبية، على حد قول ممتهني هَذِهِ الحرفة، أو ما يعرف لدى العامة بـ«العشاب».
«خلطات» يقولون إنَّها تصلح لمعالجة بعض الأمراض، كالروماتيزم والسكري.. بداخل قنينات كتبت عليها عبارات من قبيل «للضعف الجنسي، للبرودة… للروماتيزم..»، يُقدّمون وصفاتهم لمرتادي المصلين وباقي المارة في تفاصيل مدققة حول نوعية العشبة وموطنها ثُم دواعي وطريقة استعمالها، فيعمدون إلى تعزيز أقوالهم ببعض الشهادات الحية لمواطنين يقولون إنهم جربوها وأحيانًا يستعينون ببعض «الأحاديث» لاستمالة وجلب الزبائن من شرائح عمرية مختلفة.
عبد القادر «عشاب» ينحدر من الأقاليم الجنوبية، اعتاد ممارسة مهنته متجولًا أمام أبواب المساجد بعاصمة البوغاز، منذ أن ورثها عن أبيه، أجاب هيئة تحرير جريدة «لاديبيش» ما إذا كان قد تلقى تكوينًا بخصوص كيفية التداوي بالأعشاب الطبية، أجاب دون تردد «غير البراكة ورضى الوالدين!». ووفق الشخص ذاته، فقد صرَّح لنا، أنّه يُحاول بيع موادّ لا يكون لها مضاعفات، حيث تكون مصنعة من موادّ طبيعية فقط، كما يحترم تاريخ الأدوية، عكس البعض، فهناك من يعمل على «ترويج سلع تقترب من نهاية صلاحيتها، فينتقل بين هَذَا المسجد وذاك حتَّى لا ينكشف أمره» مُضيفًا: «هناك بعض الباعة سامحهم الله، يستغلون الموقع لتمرير ما شاؤوا من سلع تفتقر للجودة، بعدما استعصى عليهم ترويجها أماكن اخرى مستغلين ثقة مرتادي بيوت الله».
- مطاردات «دوريات» الأمن
أحيانا وأنت تجوب أزقة الأحياء المجاورة للمساجد يلفت انتباهك مظهر عربات مجرورة وأخرى مدفوعة تراوح الأزقة جيئة وذهابًا، نتيجة مطاردات دوريات السلطة المحلية، حيث لم تنجح الحملات الَّتِي تقوم بها السلطات بين الفينة والأخرى لإخلائهم من تلك المواقع.
يقول أحد أعوان السلطة: «هَذَا جهدنا، تجري على واحد يبانوا عشرة خرين غدا» مُوضحًا في ذات الوقت، أنَّ العملية تصب في مصلحة المستهلك ومن أجل الحفاظ على النظام ونظافة المكان، داعيًا إلى تعاون الجميع في هَذَا الإطار». بيد أنَّ بعض الباعة اعتبروا علاقاتهم مع رجال السلطة بالممتازة، فيما البعض الآخر اعتبر حملات السلطة المحلية غير مُجدية لحلّ مُشكلٍ اجتماعيٍّ له أبعاد اقتصادية في العمق.
وفي خضم إعداد هَذَا التقرير، علمت جريدة «لاديبيش»، أنَّ بعض الباعة اعتبروا أنَّ الأمر بمنزلة استثمار، إذ صار يمتلك البعض منهم 4 عربات يجري توزيعها على أبواب مساجد مختلفة بأحياء طنجة، مما يحولها إلى «شركة متنقلة» تحتلَّ أبواب المساجد وتجوب الأزقة والشوارع حسب نوعية المواد المعروضة.. خضر، فواكه، ملابس داخلية، أوانٍ بلاستيكية.
- تذمر أصحاب المحلات التجارية
في المقابل يشتكي العديد من أصحاب المحلات التجارية، جراء معاناتهم اللا محدودة بسبب قلة البيع ومحدودية الرواج نتيجة منافسة الفراشة وأصحاب العربات المجرورة أمام أبواب المساجد، مؤكدين أنَّهم أصبحوا على عتبة الإفلاس، ومُهدّدين بإغلاق محلاتهم في ظل الضرائب الَّتِي يدفعونها بخلاف نظرائهم من الباعة المتجولين، حسب قولهم.
