تواصل معنا

إقتصاد

عجز عن استخلاص ديون الجمارك وصفقات قياسية ومشاريع مُجمدة بالملايير فلوس طنجة فين مشاو؟

المُؤكّد أنَّ مدينة طنجة أصبحت -خلال العقدين الماضيّين- مركزًا اقتصاديًّا أساسيًّا في المغرب، يُناطح مدينة الدار البيضاء، مُتفوقًا على عاصمة المملكة (الرباط)، بفضل عددٍ من المشاريع الاستراتيجية، في مُقدّمتها المركب المينائي طنجة المتوسط، الَّذِي أعطى زخمًا قياسيًّا للمشاريع الاستثماريَّة بالمدينة، بالإضافة إلى الربط السّككي المباشر بين طنجة والرباط والدار البيضاء، عبر الخطّ فائق السرعة «البراق».

والثَّابت أيضًا أنَّ مدينة طنجة، هي مدينة رؤوس الأموال الكبرى والاستثمارات الضَّخمة والمشاريع العملاقة، لكنَّ كثيرًا منها يبقى حبرًا على ورق، ولا ترى ساكنتُها عديد من تلك الأوراش، الَّتِي تُعلن –عادة- بشكل دعائيّ، وتبرز إلى العلن، مع تفاصيلها التَّقنية، تفاصيلُ أخرى ماليّة تصل إلى العشرات بل مئات الملايين من الدَّراهم، الَّتِي لا يكون الخواص وحدهم مصدرها، بل أيضا يُصَب فيها نصيبٌ كبيرٌ من المال العامّ.

كل ذلك جعل تدفّقات الأموال على المدينة تكبر تدريجيًا، ومعها تكبر أيضًا ملفات التبذير وسوء التدبير، الأمر الَّذِي لم نعتمد لإثباته، من خلال هَذَا الملف، على كلامٍ مُتداولٍ وسط الغُرف المُظلمة، أو مُعطيات دون إسناد تُردّد هنا وهناك، بل ذهبنا إلى المعلومات الدقيقة والأرقام الصريحة، الَّتِي أتت بها تقارير مؤسّسات عموميَّة وطنيَّة ومحلّيَّة، وتصريحات مسؤولين، لنتأكّد من حجم المال المُهدر الَّذِي ضلّ طريقه بعيدًا عن خزائن الجماعة أو الدّولة.

  • أموال الجمارك المُهدرة

والبداية مع التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات الخاص بسنتي 2021 و2022، الَّذِي نُشر بتاريخ 19 دجنبر 2023، إذ بخصوص تتبع تحصيل الدّيون الجمركيَّة، ورد فيه أنَّ هَذِهِ العملية في حاجة إلى مزيدٍ من التّحكّم والدّقة، بما يشمل طنجة، فمن جهة، أشار قضاة المجلس إلى أنَّ التتبع الحالي لا يضمن موثوقية وشمولية المعطيات المرتبطة بمبالغ الباقي استخلاصه، ومن جهة أخرى لاحظوا أنَّ المبالغ الباقي استخلاصها مرتفعةٌ ومركزةٌ في الغرامات والإدانات النّقديَّة، وهي النقطة الَّتِي كانت مديرية الجمارك بطنجة إحدى المديريات الجهوية المعنية بها.

ووَفْق التقرير، تُبرز وضعيات تتبع تحصيل الديون تراجع نسبة المبالغ المُحصّلة، مُقارنةً مع المبالغ الباقي استخلاصها رغم ارتفاع إيرادات التحصيل، ما يعزى إلى تراكم الباقي استخلاصه على مرّ السنين، إذ تجاوز في 31 دجنبر 2021 مبلغ 697 مليار درهم، شكلت منه الغرامات والإدانات النقديَّة نسبة 97 في المئة، وهكذا وصل مجموع الباقي استخلاصه من الغرامات والإدانات النقدية إلى 675 مليار درهم، وتتوزع 87 في المئة من الديون الجمركيَّة الباقي استخلاصها بين أربع مديريات جهوية، نتيجة أهمية أنشطتها.

وتستحوذ المديرية الجهوية للدار البيضاء – سطات على نسبة تتراوح بين 30 في المئة و40 في المئة من الديون الجمركية الباقي استخلاصها، خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، تليها المديرية الجهوية للرباط – سلا – القنيطرة، بنسبة تتراوح بين 16 و23 في المئة، تليها المديرية الجهويّة للوسط الجنوبي الَّتِي تضمّ الجرف الأصفر، وآسفي، ومراكش، والصويرة، وورزازات، بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة، وأخيرًا المديرية الجهوية لطنجة – تطوان – الحسيمة بنسبة تتراوح بين 9 و17 في المئة.

وصدر التقرير، بعد أقل من 4 أشهر على تغيير شامل عرفتهم المديريات الجهوية للضرائب، شمل مديرية طنجة، الَّتِي عُين على رأسها عمر بوعنان، قادمًا من المديرية الجهويّة لأكادير، لكن الغريب أن الَّذِي ذهب إلى أكادير ليس سوى عز الدين اليعقوبي، المدير الجهوي للضرائب في طنجة، أي أن الأمر يتعلق بعملية تبادل، في حين كانت علامات الاستفهام الَّتِي تُحيط بأرقام العائدات الجمركيّة في طنجة تقتضي المحاسبة وتحديد المسؤوليات.

  • أزمة ديون في طنجة

عدوى نزيف الأموال، نجدها أيضًا داخل جماعة طنجة، فهَذِهِ الأخيرة ظلّت لسنوات مُثقلة بالديون، الأمر الَّذِي عبَّرت عنه –صراحةً- وثيقة ميزانية سنة 2023، الَّتِي أبقت المنح المُخصّصة للمقاطعات في أقل من 100 مليون درهم، تحديدًا 93، 59 مليون درهم، وهو الرقم المحدد من طرف المجلس السابق الَّذِي كان يرأسه محمد البشير العبدلاوي، ووَفْق تقرير صادر عن المجلس فإن هَذَا القرار جاء «مُراعاةً للوضعية الماليّة الراهنة للجماعة، والإكراهات المتمثّلة في ارتفاع حجم المبالغ الملتزم بها والديون المستحقة».

وكان المجلس الحالي، برئاسة العمدة منير ليموري، قد اكتشف أنَّ الجماعة تُركت غارقةً في الديون مع انتهاء الولاية السابقة، الَّتِي كان حزب العدالة والتنمية قد حصل فيها على الأغلبية المُطلقة، ما حال دون الرفع من مُخصّصات المقاطعات الأربعة إلى غاية إصدار ميزانية سنة 2024، الَّتِي رفعت المبلغ الإجمالي المُخصص إلى 104 ملايين درهم، وهو أمر ما كان ليحدث لولا أنَّ المكتب الحالي وضع تصفية الديون على رأس أولوياته.

وفي سنة 2021، ومباشرةً بعد الانتخابات، أعلن المكتب الجديد برنامج عمله، وخلال إحدى الدورات عرض أمام الحاضرين أرقامًا تدعو إلى التأمّل، فقد كشف أنَّ الأعباء المالية للتدبير المُفوّض وحدها زادت -خلال سنة واحدة- بنسبة 16 في المئة، وبلغت المصاريف الإجمالية ما يقارب 936 مليون درهم، أمَّا الباقي استخلاصه من رسوم جبائية فوصل إلى ملياري درهم، في ظل عدم توسيع الوعاء الجبائي، وَفْق ما أبرزه تقرير للجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة.

ولفهم التركة الثَّقيلة الَّتِي وجدها المجلس الجماعي الحالي أمامه، لا بُدَّ من العودة إلى تصريحات صحفية صادرة عن العمدة ليموري منتصف سنة 2022، إذ تحدَّث عن أنَّ الجماعة شرعت في تصفية ما مجموعه 250 مليون درهم من الديون، الَّتِي وجدها متراكمةً على مؤسّسة الجماعة، في إطار تفعيل المذكرة الوزاريَّة الصّادرة عن وزارة الداخليَّة، الَّتِي تحثّ المجالس الجماعيَّة على حلّ مشاكل الدّيون الَّتِي تُعرقل المشاريع التنمويَّة، وهي الَّتِي كانت سببًا في الحجز على حساب المجلس الجماعي.

والحقيقة أنَّ وصول ليموري، الَّذِي يقود تحالفًا من 4 أحزاب، إلى رئاسة المجلس الجماعي، كانت تعني انطلاق جولات ماراثونيَّة كانت تقوده مرارًا إلى الرّباط من أجل اللّقاء بمسؤولي وزارات الدّاخليَّة والاقتصاد والماليَّة، من أجل إيجاد حلولٍ عاجلةٍ للدّيون المتراكمة، الَّتِي أوصلت المجلس، في عهد الولاية السَّابقة، إلى الباب المسدود، على الرغم من أنّه كان –نظريًا- أكثر انسجامًا، بسبب تحكّم حزبٍ واحدٍ في صناعة القرار.

والمعطيات الرَّسميَّة، تُؤكّد أنّه خلال السَّنوات ما بين 2015 و2021، عاشت الجماعة على وقع «الشكاوى» فقط، من طرف رئيس المجلس الجماعي حينها، محمد البشير العبدلاويّ ونائبه الأوّل محمد أمحجور، ففي دورة ماي 2018 مثلًا، وخلال مناقشة الحصيلة الماليَّة لعمل الجماعة سنة 2017، كشف العمدة السَّابق أنَّ الجماعة، تعيش عجزًا يفوق 150 مليون درهم، بسبب أنَّ النَّفقات وصلت إلى 791 مليون درهم، في حين أنَّ المداخيل لم تكن تتجاوز 640 مليون درهم، مبرزًا أنَّ تنفيذ الأحكام القضائيَّة المتراكمة التهمت وحدها 422 مليون درهم في 3 سنوات.

ورمى العمدة السَّابق الكرة في ملعب المجالس السَّابقة، معتبرًا أنَّ المجلس الَّذِي كان يرأسه دفع ضريبة «سنوات من غياب الصَّرامة في تنفيذ الأحكام القضائيَّة»، وأعلن أنّه قرَّر الاستنجاد برئيس الحكومة حينها، سعد الدّين العثماني، بسبب استمرار الحجز على أموال الجماعة.

أمَّا نائبه الأوّل فكان يشتكي من «هضم حقّ المدينة وغياب العدل في توزيع حصص الرسوم المحولة والضريبة على القيمة المُضافة، باعتبار أنَّ مدن مثل مراكش وفاس كان نصيبها أكبر»، لكن أيضًا اعترف بأنَّ 82 في المئة من الإنفاق من ميزانية الجماعة يذهب لتنفيذ الأحكام القضائيَّة والإدارة وشؤون المدينة.

  • استنزاف لميزانية المدينة

أمحجور، الَّذِي اختفى عن السَّاحة السّياسيَّة تمامًا بعد خسارته سباق الانتخابات التشريعيَّة سنة 2021، كان قد أعلن في فبراير من سنة 2017، أنَّ مدينة طنجة «منكوبة ماليًا»، بسبب تنفيذ أحكام قضائيّة تهم أساسًا نزع ملكيّة أوعية عقاريّة لصالح الجماعة، الَّذِي اعترف بعجز الجماعة عن أداء نفقات إجباريّة، من بينها تلك الخاصّة بالنَّظافة وديون شركات الاتّصالات والماء والكهرباء، وهو نفسه الَّذِي أعلن أن 53 في المئة من مصاريف المجلس سنة 2016، ذهبت لقطاع النظافة ودفع أجور المُوظّفين.

ومع ذلك، فإنَّ أمحجور إلى جانب العبدلاوي، هما العقلان المُدبّران لأكبر «توريطة» وجد المجلس الجماعي الحالي نفسه مجبرًا على التّعامل معها، والحديث هنا عن عقدي التَّدبير المُفوّض لمرفق النَّظافة العمومية، لشركتين جديدتين، مغربيتين هَذِهِ المرّة وليستا أجنبيتين كما في السَّابق، ولكنهما تلتهمان وحدهما 60 في المئة من الميزانية الجماعية، في عقد يمتدّ لـ7 سنوات جرت المصادقة عليه سنة 2021، أيّ في النفس الأخيرة من الولاية السَّابقة.

وهكذا نجد أنَّ المجلس الجماعي تعاقد مع شركة «ميكومار» التابعة لشركة «صوماجيك» المُفوّض لها أيضًا تدبير قطاع ركن السيَّارات، مقابل 136 مليون درهم، للتكفّل بمنطقة «طنجة الغربية» الَّتِي تضمُّ مُقاطعتين هما طنجة – المدينة والسواني، كما تعاقد مع شركة «أرما» المملوكة لهولدينغ عبد السلام أحيزون، وزير البريد والمواصلات السلطية واللاسلكية في التسعينيّات، والرئيس المدير العام لمجموعة «اتّصالات المغرب» حاليًا، مقابل 161 مليون درهم، للتكفّل بقطاع النظافة بمنطقة «طنجة الشرقية»، الَّتِي تضمُّ مُقاطعتي بني مكادة ومغوغة.

  • مشاريع بالملايير دون طائل

وحكاية طنجة مع «الأموال المهدرة»، لا تقتصر على مؤسّسة واحدة، بل تكاد تكون السمة الأبرز لدى جُلّ المؤسّسات المُعينة منها والمنتخبة، وكلما كانت الميزانية والصلاحيات أكثر كانت علامات الاستفهام والتعجب من كيفية تدبير الأمور المالية أكبر وأكبر، ولا أدلّ على ذلك من الأموال المُهدرة في مشاريع ما زالت مُجمدة إلى غاية يومنا هذا، بعضها يدخل في إطار برنامج طنجة الكبرى الَّذِي عُرض أمام أنظار الملك محمد السادس بتاريخ 26 شتنبر 2013، أي أنّه مر على انطلاقه ما يزيد عن 10 سنوات، علمًا أنَّ المدّة المحدّدة له كانت هي 4 سنوات، إذ كان يُفترض أن ينتهي العمل في كل أوراشه سنة 2017.

وهَذَا البرنامج، الَّذِي بلغت تكلفته الإجمالية 7، 7 مليار درهم تقريبًا، حظي بتمويل عدد من الوزارات، ومختلف المجالس المنتخبة، مجلس الجماعة ومجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة ومجلس عمالة طنجة – أصيلة، إلى جانب مؤسّسات أخرى مثل وكالة إنعاش وتنمية أقاليم شمال المملكة، غير أنَّ الجهة الَّتِي تولت الإشراف عليه هي الولاية، في عهد الوالي الأسبق محمد اليعقوبي، وإذا كانت عدّة مشاريع قد خرجت إلى دائرة الضوء بالفعل في عهده وفي عهد خلفه الوالي محمد امهيدية، فإن بعضَها لا يزال مصيرها مُعلّقًا إلى حدود عهد الوالي الجديد يونس التازي، رغم أنّها كلفت الملايير.

وعلى سبيل المثال، ما زال سكان طنجة يتساءلون عن مصير مشروع قصر الثقافة والفنون بـ«مالاباطا» الَّذِي كلَّف أكثر من 200 مليون درهم، وهو الأكبر من نوعه بكلّ الجهة ومن بين الأكبر –وطنيًا- إذ تصل مساحته إلى 24 ألف متر مربع، ويتوفر على مسرح بطاقة استيعابية تصل إلى 1400 مقعدٍ، بالإضافة إلى قاعتين للعروض كلّ واحدة منهما سعتها 200 مقعدٍ، بالإضافة إلى عدة قاعات أخرى مخصصة للأعمال الإبداعية والتكوينية، وعلى الرغم من أنَّ الأشغال فيه وصلت إلى نهايتها منذ أكثر من 3 سنوات فإنّه لا يزال مغلقًا.

الأمر نفسه ينطبق على فضاء ثقافيّ آخر، ويتعلّق الأمر بالمكتب الوسائطية «اقرأ» بمنطقة بوخالف، القريبة من الفضاءات الجامعيَّة، الَّتِي كان من المفروض أن تكون قبلةً للطلبة منذ سنواتٍ، إذ بدأت أشغالها سنة 2015، وكلَّفت ميزانية قاربت 50 مليون درهم، وتصل مساحتها إلى 7500 مترٍ مُربعٍ، وتُوفر فضاءاتٍ مُخصّصةً للكبار والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصّة، إضافة إلى قاعة للعروض، وأخرى للقاءات والندوات تتّسع لـ250 شخصًا، ورغم أنَّ العمل بها وصل إلى نهايته، فإنّها لا تزال مُقفلةً، ولا أحد يعلم بالضبط السبب ولا تاريخ افتتاحها مستقبلا.

ومن الألغاز الَّتِي لا حلّ لها أيضًا، مرافق القرية الرياضيَّة بطنجة، الَّتِي كلَّفت الملايير، وفي مقدمتها مركب التنس، الَّذِي وصلت تكلفته إلى 600 مليون درهم، الَّذِي يشغل مساحة 74 ألفَ هكتارٍ، ويضمّ ملعبًا رئيسيًّا يتّسع لأكثر من 3000 متفرجٍ، بالإضافة إلى 17 ملعبًا فرعيًّا، كما يتوفر على قاعة للندوات وقاعة للاجتماعات ومستودعات للاعبين والحكام ومرفق طبّي ومجموعة من المرافق التّجاريَّة والتَّرفيهيَّة، وقد افتتحه رسميًا الوالي السابق امهيدية، أواخر سنة 2016، بعد 6 سنوات كاملة من الأشغال، لكن -وإلى حدود الآن- ما زال لم يحتضن ولا بطولة وطنيَّة أو دوليَّة، بل لم يحتضن أيَّ مباراةٍ ولو استعراضيّة.

 

تابعنا على الفيسبوك