تواصل معنا

مجتمع

طرمواي طنجة.. أزمة مشروع أم مشروع أزمة؟‎

أثار الحديث عن إمكانية إطلاق مشروع الطرامواي في طنجة جدلًا واسعًا، سواء بين المتخصصين أو المواطنين، إذ انقسمت الآراء بشأن مدى جدوى المشروع في مدينة تعاني اختناقات مروريَّة ومشكلات مزمنة في منظومة النقل العمومي، بين من يرى البعض أنَّ الطرامواي قد يكون خطوة نحو مستقبل مرفق نقل عمومي مستدام، فيما يعتقد آخرون أنَّه قد يزيد الوضع تعقيدًا بدلًا من تحسينه.

وتواجه مدينة طنجة، الَّتِي تُعدُّ إحدى أسرع المدن المغربيَّة نموًّا، تحدّيات متعددة على مستوى النقل والبنيَّة التحتيَّة، خاصّة مع تزايد عدد السكان وتوسع المدينة، إذ باتت الحاجة إلى حلول عملية وفعالة للنقل مسألة ملحة.

وفي هَذَا السياق، يبرز مشروع الطرامواي كخيار يطرح على الطاولة، غير أنَّ تجربة الطرامواي في مدن مغربيَّة أخرى مثل الدار البيضاء والرباط لم تقدم صورة مثالية، إذ يواجه المشروع هناك صعوبات تشغيلية وماليَّة، فضلًا عن انتقادات تتعلق بعدم تحقيق الأهداف المرجوة منه بصورة كاملة.

كما أنَّ التجارب الأوروبيَّة نفسها لم تكن أكثر نجاحًا في العديد من الحالات، فقد ألغت بعض المدن الأوروبيَّة مشروعات الطرامواي بسبب التكاليف الباهظة والصيانة المعقدة، فضلًا عن ضعف الإقبال من طرف المواطنين مُقارنةً بتوقعات الدراسات الأولية، إذ يثير هَذَا الواقع تساؤلات جديَّة بشأن مدى استعداد مدينة طنجة لاستيعاب هَذَا المشروع والتعامل مع تحدّياته المحتملة.

وفي استطلاع لآراء بعض الخبراء في مجال النقل والتخطيط الحضري، عبر معظمهم لجريدة “لاديبيش” عن مخاوفهم من أنَّ الطرامواي قد يُؤدّي إلى زيادة الاختناق المروري بدلًا من تخفيفه، والسبب الرئيسي -حسب رأيهم- يكمن في أنَّ المشروع سيشغل مساحات كبيرة من الطرق المزدحمة أصلًا، مما يقلّص مساحة السير للسيارات والحافلات، بالإضافة إلى ذلك، يرى هَؤُلَاءِ أن طنجة ليست بحاجة إلى مشروع مُكلّف ومُعقّد مثل الطرامواي في الوقت الحالي، بل إلى حلول أبسط وأكثر فعالية مثل تعزيز أسطول الحافلات العموميَّة وتحسين شبكة الطرق.

ومن جهة أخرى، يعتقد بعض المؤيدين أنَّ الطرامواي قد يكون خطوةً إيجابيَّةً إذا ما أنجز بطريقة مدروسة تأخذ في الاعتبار الخصوصيات الجغرافيَّة والعمرانيَّة لطنجة، ويرون أنَّ المشروع قد يساهم في تقليل الاعتماد على السيارات الشخصيَّة إذا ما تمّ تصميم شبكة الطرامواي لتربط بين المناطق الحيويَّة بصورة فعال، لكن هَذَا يتطلب استثمارات ضخمة وتخطيطًا دقيقًا لضمان نجاحه على المدى البعيد.

إضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات بشأن مدى تكامل المشروع مع المنظومة الحالية للنقل في طنجة، فبدلًا من البدء بمشروع قد يعقد الوضع، يمكن الاستثمار في تحسين الخدمات الحالية مثل تجهيز الحافلات بمواعيد دقيقة وممرات مخصصة، كما يمكن تشجيع التنقل المستدام عبر بناء مسارات آمنة للدراجات وتطوير نظام النقل الكهربائي الخفيف، بالإضافة إلى تهيئة محطات نقل مشتركة تسهل الربط بين مختلف وسائل النقل العمومي.

على الرغم من الجدل القائم، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن يتحقّق هَذَا المشروع دون أن يشكل عبئًا على ميزانيَّة المدينة؟ علمًا أن تكلفة إنشائه وتشغيله مرتفعة جدًا، وتشمل إعداد البنيَّة التحتيَّة وشراء العربات وصيانتها، بالإضافة إلى تكاليف التشغيل المستمرة.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أنَّ عددًا من مشروعات  الطرامواي عالميًّا تعتمد على دعم حكومي كبير لتغطيَّة العجز المالي، وهو أمر قد يكون صعبًا بالنظر إلى أولويات الميزانيَّة الوطنيَّة والجهويَّة.

أما بالنسبة للحلول البديلة الَّتِي قد تكون أكثر جدوى في المرحلة الحالية، فيمكن التفكير في تحسين نظام الحافلات عبر تحديث الأسطول وزيادة عدد الخطوط الَّتِي تصل بين مختلف أحياء المدينة، كما أنَّ الاستثمار في بنيَّة تحتيَّة ذكيَّة مثل تخصيص ممرات خاصة للحافلات أو استخدام أنظمة نقل متطورة كالـ”BRT” (حافلات النقل السريع) قد يُوفّر حلًا أكثر اقتصاديَّة ومرونةً، كما أن تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة من خلال تقديم حوافز لاستخدام وسائل النقل العام قد يخفف العبء على البنيَّة التحتيَّة للنقل.

وتظلُّ فكرة مشروع “طرامواي طنجة”، فكرة مثيرةً للنقاش لكنها تحتاج إلى دراسة معمقة وشاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب التقنيَّة والماليَّة والبيئيَّة.

في حين يظل التريث قبل إطلاق مثل هَذَا المشروع الضخم الخيار الأمثل، خاصة إذا ما تم التركيز على تحسين الخيارات الحالية للنقل وتوفير حلول أكثر واقعيَّة لتلبيَّة احتياجات المواطنين اليوميَّة.

تابعنا على الفيسبوك