تواصل معنا

آخر الأخبار

ربط سككي داخلي جديد من الملعب إلى المطار.. هل تتحوّل طنجة إلى نموذج جديد بالنسبة لخدمات القطارات في المغرب؟

الدراسات انطلقت بالتزامن مع الاستعدادات لتنزيل مشروعات ربطها بتطوان ومراكش وأكادير

بعد سنوات من إغلاق محطة القطار “امغوغة”، أصبحت مدينة طنجة أكثر قربًا من أي وقت مضى من الحصول على محطة قطار ثانية، وذلك بعد كشف النقاب عن مشروع الربط السككي بين ملعب طنجة الكبير ومطار طنجة – ابن بطوطة الدولي، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية للربط السككي، التي من شأنها أن تُغيّر وجه خِدْمات النقل العمومي بالمملكة، لتصبح من بين الأفضل في إفريقيا والعالم العربي، وكذا في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وبحسب ما أوردته العديد من المصادر المتقاطعة، فإنَّ الأمر يتعلّق بمشروع لإنشاء خط سككي جديد داخل مدينة طنجة، يربط محطة القطار فائق السرعة “طنجة – المدينة” بملعب طنجة الكبير ومطار ابن بطوطة، وذلك في سياق تعزيز البنية التحتيّة المتعلّقة بمجال النقل بالمدينة، استعدادًا لاحتضان كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وأيضًا مجهودات المملكة لتحقيق إقلاع في المجال السياحي مستقبلًا، بما يشمل جهة – طنجة – تطوان – الحسيمة.

  • من الملعب إلى المطار

وتتحدث المعطيات المتوفرة حاليًا عن انطلاق الدراسات الأوّليَّة لهذا المشروع شهر فبراير المنصرم، التي تشرف عليها جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، باعتبارها طرفًا في تمويله وتنزيله، إلى جانب كلّ من وزارتي الداخلية، والنقل واللوجيستيك، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، ومجلس الجهة، حيث سيُكلّف المشروع غلافًا ماليًّا بقيمة 2,1 مليار درهم، وفي حال ما إذا جرت الأمور على النحو المسطر له فإنَّ الأشغال ستنطلق أواخر سنة 2025، أو في بداية 2026 بعد الانتهاء من كأس أمم إفريقيا، التي ستكون مدينة طنجة من بين المدن الرئيسية المحتضنة لها عبر توفير أكبر ملاعبها بسعة 75.600 متفرج.

ووَفْق المعطيات التي حصلنا عليها، فإنَّ المشروع الذي من المتوقّع أن يتمَّ الانتهاء منه في غضون سنة 2028، سيُوفر ربطًا سككيًّا واسعًا ومُهمًّا لا يقتصر على محطة “البراق” والمطار والملعب الكبير في القرية الرياضية، بل سيربط المدينة بالعديد من المرافق العموميَّة والمواقع الاقتصاديَّة، بما في ذلك المحطة الطرقية للحافلات، وأسواق منطقة سيدي احساين، بالإضافة إلى المدينة الذكية “طنجة – تك”، وستكون المحطة الرئيسية بالقرب من المجمع الحسني الذي يفصله شارع الجيش الملكي (طريق الرباط) عن الملعب الكبير.

ولا زال هذا المشروع محاطًا بتكتمٍ كبيرٍ من طرف العديد من الجهات الرسمية، إلا أنَّ المؤكد هو أن العديد من الدراسات الميدانية انطلقت مؤخرًا في المواقع التي ستمرُّ منها السكة الحديدية، حيث عاين السكان وجود مهندسين وطبوغرافيين في محيط الملعب الكبير ومناطق سيدي احساين والحرارين، الذين يعتقد أن لهم ارتباطًا بالدراسات الأوّليَّة، لكن الأمر الذي عزَّز هذه الفرضية هو إعلان المغرب مؤخرًا عن إبرامٍ واحدةٍ من أكبر صفقات قطاع النقل في تاريخية، التي تهم اقتناء 168 قطارًا، بما فيها القطارات فائق السرعة والقطارات تأمين خِدْمات النقل بين الحواضر، والقطارات المكوكيَّة السريعة وقطارات الربط بين المدن الكبرى.

  • صفقات كبرى في المجال السككي

وبدأت المغرب في الأشهر الماضية إبرام الصفقات الخاص بهذه الاستراتيجية، وبتاريخ 28 أكتوبر 2024، شهد قصر الضيافة بالرباط، توقيع بروتوكول اتِّفاق للتزويد بقاطرات للقطار فائق السرعة والعناصر الداعمة لها، والذي وقَّعه المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، محمد ربيع لخليع، والمدير العام لـ”ألستوم”، هنري بوبارت لافارج، وتهمّ عقد اقتناء قاطرات للقطار فائق السرعة منها 12 ناجزة و6 اختيارية، وهو الأمر التي تم أمام الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

بعد ذلك، وخلال شهر فبراير الماضي، أنجز المغرب صفقتين كبيرتين، تعنيان بشكل مباشر مدينة طنجة، الأولى مع شركة شركة “هيونداي روتيم” وتبلغ قيمتها 1,53 مليار دولار، من أجل تزويد المكتب الوطني للسكك الحديدية بـ110 قطارات من طابقين ستون مخصصة للنقل الجهوي، وهو ما دفع رئيس كوريا الجنوبية بالنيابة، تشوي سانغ موك، لبثّ رسالة شكر للملك محمد السادس، يبرز فيها امتنانه لـ”ثقة السلطات المغربية واهتمامها بالشركات الكورية، التي تتميّز بتنافسيتها العالية وتقدّمها التكنولوجي على المستوى العالمي”، وقالت الحكومة الكورية الجنوبية إنَّ هذه الصفقة هي أكبر عقد لتوريد مركبات السكك الحديدية حصّلت عليه شركة كورية في سوق خارجية على الإطلاق.

ومباشرة بعد ذلك، تمَّ الإعلان عن فوز شركة “كاف” الإسبانيّة بالصفقة الثانية، التي تهمُّ تزويد المغرب بـ40 قطارًا للنقل بين المدن بصفقة قيمتها 600 مليون يورو، وذلك بعد منافسة شرسة بين العديد من الشركات الفرنسية والصينية والإسبانية والكورية الجنوبية، ما يعني مرور المخطط الذي أعلن عنه المكتب الوطني للمطارات، أواخر سنة 2023، إلى مرحلة التنزيل الفعلي.

  • طنجة ضمن مخطط ONCF 2030

والمؤكد أنَّ مدينة طنجة أصبحت واجهة الاستراتيجية المغربية للربط السككي قبل سنة 2030، وهو ما أكَّده المكتب الوطني للسكك الحديدية، قبل أيام، خلال مشاركته في اليوم الدراسي الإعلامي نادي الهندسة المدنية بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، بشأن علاقة الهندسة بمونديال 2030، حين أبرزت أن مدينة طنجة تُعدُّ هي المنطلق لعمليات تمديد الخطوط فائقة السرعة، في سياق مساعي المملكة للرفع من نسبة الساكنة المستفيدة من هذا النوع من القطارات إلى 59 في المئة خلال السنوات الست المقبلة، إثر تمديد شبكة “التي جي في” ما بين القنيطرة وأكادير.

وحسب ما جاء على لسان مدير المنشآت في قطب الخطوط عالية السرعة بالمكتب الوطني للسكك الحديدية، بدر الدين البرتول، فإن الدراسات التي تُجرى حاليا بخصوص تحديث شبكات النقل السككي فائق السرعة، التي وصلت إلى مرحلة متقدمة، ستُقلّص زمن الرحلات ما بين طنجة والرباط إلى ساعة واحدة عوض ساعة و20 دقيقة، وما بين طنجة والدار البيضاء إلى ساعة و35 دقيقة عوض ساعتين و10 دقائق، مبرزًا أنَّ رحلة “التي جي في” من طنجة إلى مراكش ستكون في حدود ساعتين و40 دقيقة، ولن تتعدّى 4 ساعات ما بين طنجة وأكادير.

الربط السككي المستقبلي لمدينة طنجة، لن يقتصر على المدن البعيدة، فخارج الربط الوطني بشبكة القطارات الفائقة السرعة يُوجد أيضًا مشروع لربط جهوي سيُمكّن سكان مدينتي طنجة وتطوان والمدن المجاورة لهما من التنقّل عبر شبكة السكك الحديدية، الأمر الذي تم الكشف عنه في أكتوبر 2024، حين حصلت شركة “إينيكو” الهندسية الإسبانيّة على عقد دراسات الجدوى الخاصة بإنجاز خط القطار المباشر بين أكبر مدينتين في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة.

هذا العقد الذي يضع الشركة الإسبانية في تحالف مع شركة CID المغربيَّة المسؤولة عن دراسات 4 مسارات عمل رئيسية، تبلغ تكلفته الإجمالية 2,7 مليون يورو ومدته 14 شهرًا، ويهمُّ إيجاد صيغ الربط السككي بين المدينتين على مسافة 85 كيلومترًا، بما يشمل محطات أساسية مثل ملعب طنجة الكبير والمطارات، بالإضافة إلى إنشاء خط نحو المدينة الجديدة “الشرافات” وجماعة اكزناية والمنطقة الصناعية للمدينة الذكية “طنجة تك”.

وكان عمر مورو، رئيس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، قد ألمح إلى إمكانية تنزيل مشروع الربط السككي بين مدينتي طنجة وتطوان، في مارس 2024، وذلك خلال كلمته في أثناء انعقاد الدورة العادية لمجلس الجهة، إذ تحدَّث عن احتمال تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع من خلال مشروع القطار الجهوي.

وأوضح مورو، أنَّه في ظل طموح الجهة الشمالية بأن تصبح القطب الصناعي الأول بالمملكة، فإن المجلس وبشراكة مع المكتب الوطني للسكك الحديدية، يهدف إلى إنجاز مشروع يربط مدينة طنجة بمدينة “طنجة – تك” الصناعية والتكنولوجية، ليكون خطا ذا بُعد اقتصادي بامتياز، إذ سيمرُّ من المناطق الصناعية في العوامة واكزناية وسيصل إلى منطقة عين دالية، لكنَّ العائق الرئيسي الذِي يجب تجاوزه هو التمويل، على حدّ تعبيره.

ومن جهته، حث وزير النقل واللوجيستيك السابق، محمد بن عبد الجليل، جميع الفرقاء المعنيين، بما يتضمَّن المجالس المنتخبة على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، إلى العمل بشكل مشترك مع الحكومة من أجل إيجاد الصيغ المناسبة لتمويل مشروع الربط السككي بين طنجة وتطوان، الذي سيصبح جزءًا من النسيج السككي الوطني، عوض أن تبقى مدينة تطوان والمدن المجاورة لها مرتبطة بشبكة القطار عبر الرحلات البرية فقط التي تؤمنها شركة “سوبراتور” التابعة للمكتب، وكان ذلك تأكيدًا على وجود رغبة رسمية لإحداث الربط السككي المنتظر منذ سنوات طوال.

المسؤول الحكومي نفسه كان قد أورد، في شتنبر 2024، خلال إجابته عن سؤال كتابي توصل به في الموضوع عبر البرلمان، أنَّ نقطة البداية بالنسبة لخط القطار طنجة وتطوان، هي دراسة الجدوى التي سيُعدها المكتب الوطني للسكك الحديدية من خلال طلب العروض الذي ذهب فيما بعد لشركتين إسبانية ومغربية. وأبرز المسؤول نفسه، أنَّ مشروع الربط السككي نحو تطوان سيكلف 8 مليارات درهم، حسب تقديرات تلك الفترة.

  • تغير شامل في خريطة المغرب السككية

ولفهم هذه النقلة النوعية الموعودة في المجال السككي، التي سيكون لمدينة طنجة إلى جانب مدينة تطوان نصيب منها على مستوى جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، لا بُدَّ من العودة إلى تاريخ 13 نونبر 2023، حين أعلن المكتب الوطني للسكك الحديدية، إطلاق طلب عروض المنافسة لاقتناء 168 قطارًا باستثمار قدره 16 مليار درهم، ما مثَّل خارطة طريق بالنسبة لاستراتيجيته السككية.

وتحدثت الـ ONCFعن إطلاق طلب عروض المنافسة لاقتناء 168 قطارًا، باستثمار طموح تبلغ ميزانيته المتوقّعة 16 مليار درهم، مشيرًا، عبر موقعه الإلكتروني وبلاغ نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أنَّ طلب العروض يهم 150 قطارًا لتأمين خدمات النقل بين الحواضر، والقطارات المكوكية السريعة وقطارات الربط بين المدن الكبرى، وكذا 18 قطارًا لامتدادات خط السرعة الفائقة.

وأكد المصدر ذاته، أنَّ “هذا المشروع المهيكل يندرج وفق الرؤية المتبصّرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ويهدف إلى تعزيز منظومة النمط السككي الوطني، كخيار أمثل لتنقل مستدام وشامل”. وأفاد المكتب بأنَّه “وبعد مرور خمس سنوات على الشروع في استغلال أول خط للسرعة الفائقة بالمغرب وأفريقيا، يستمرُّ قطار (البراق) في تأكيد أنَّ نجاحه ليس سوى بداية لملحمات جديدة، تهدف إلى تدعيم ربط جهات المملكة وتوفير صيغ تنقل مبتكرة وذكية، أكثر سرعة واستدامة”.

كما يهدف المكتب من خلال اقتناء هذه القطارات الجديدة، من جهة إلى مواكبة الإقبال المتزايد على حركية التنقّل عبر القطار وتحديث جزء من أسطول القطارات الحالية الذي بدأ يتقادم وتأمين النقل على امتداد خط القطار الفائق السرعة نحو مراكش، ومن جهة أخرى، إلى تأمين خدمة القرب من نوع  RERأو الربط الجهوي في جهتي الدار البيضاء والرباط.

وقال المكتب الوطني للسكك الحديدية، إنَّه يرمي إلى أبعد من مجرد عملية اقتناء قطارات، إذ يعتبره فرصة حقيقية لإرساء منظومة لصناعة سككية مغربية، ستترتّب عنها تأثيرات اقتصادية واجتماعية مُهمّة، بخلق فرص الشغل وتدعيم النسيج الصناعي الوطني بنسبة اندماج محلي ملحوظ من شأنه تحويل المملكة، في هذا المجال، إلى مركز عالي التنافسية على المستوى القاري والعالمي.

وكان المكتب، قبل ذلك، قد أطلق في شتنبر 2022، طلبًا للتعبير عن الاهتمام على الصعيد الدولي بعملية الاقتناء، بغية تحديد الفاعلين المحتمل اهتمامهم بالمشروع وتحفيز المنافسة عبر تشجيع الشركاء المحتملين على إبداء اهتمامهم وإتاحة الوصول إلى أفضل العروض وربط أمتن الشراكات مع الحصول على كل المعطيات المتعلقة بمستوى مهارات وموارد وأفكار الأطراف المهتمة، ما يمكن من إعداد وبلورة المشروع بأنجع السبل، وقد أفضت هذه العملية إلى تلقي المكتب لعشرة تعبيرات عن الاهتمام من قبل معظم الصناع السككيين على المستوى الدولي.

وشدَّد المكتب، على أنَّه يتابع تحقيق هذا المشروع المُهمّ من خلال إطلاق طلب تقديم عروض المنافسة، الذي يتمحور بشأن ثلاث مكونات رئيسية، تتمثَّل في اقتناء القطارات ببرنامج استلام يمتد على مدى 4 سنوات بين 2027 و2030، وشراكة للصيانة، مبرزًا أنَّه سيقوم مع الشريك المختار بإنشاء مؤسَّسة مشتركة ستتكلَّف بتوفير خِدْمات الصيانة الجارية، وكذا الصناعية للقطارات.

واعتبر الـONCF، أنَّ التطوير الصناعي يُعدُّ المكون الثالث، بحيث على الشريك الفائز بالصفقة أن يحرص على تحقيق مشروع تطوير صناعي من خلال بناء وحدة للتصنيع وتنمية منظومة للصناعة السككية ببلادنا، موجهة للتصدير، بمعية مُورّدين ومتعهدين، شبيهة لما تم تحقيقه في صناعات السيارات والطيران.

وبالنظر لأهمية المشروع وطبيعته المركبة نصَّ المكتب الوطني للسكك الحديدية، على أنه سيعمل في إطار طلب تقديم عروض المنافسة، على إجراء حوارات تنافسية تتم عبر عدة مراحل، وَفْقًا للأنظمة والمساطر المعمول بها، مردفًا أنَّه إذا كان هذا المشروع المُهمّ يهدف بالأساس إلى توفير أفضل حلول التنقل المستدام للمواطنين، تتلاءم مع النهضة التنمويَّة غير المسبوقة التي تعيشها بلادنا، فإنه يُساهم كذلك في التحضير للاستحقاق الرياضي العالمي، الذي سوف تستضيفه المملكة إلى جانب إسبانيا والبرتغال سنة 2030.

 

تابعنا على الفيسبوك