تواصل معنا

الجهة

جهة طنجة – تطوان – الحسيمة تضم 4 ملايين نسمة وتعاني الغلاء والتضخم والبطالة تزايد في السكان وتراجع في معدلات تكوين الأسر.. هل غيرت الصعوبات الاقتصادية الطبيعة الاجتماعية لسكان الشمال؟

كشفت المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط، عن وجود تراجع في حجم الأسر بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، بالإضافة إلى نقصان متوسط عدد أفراد الأسرة بشكل واضح، خلال السنوات العشرة الأخيرة، وذلك على الرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد السكان، الأمر الَّذِي يطرح عددًا من علامات الاستفهام بشأن حقيقة الوضع الاجتماعي والاقتصادي لسكان الجهة.

وإذا كان الزواج والإنجاب ورعاية الأسرة أمورًا تتطلّب توفير عددٍ من الضروريات والكماليات، فإنَّ المعطيات تظهر انعكاسات تنامي صعوبات توفير هَذِهِ الأخيرة على طبيعة الحياة الاجتماعيَّة في جهة الشمال، على الرغم أنَّها تبقى _من الناحيَّة النظريَّة_ إحدى الجهات الَّتِي تُوفّر عددًا كبيرًا من فرص الشغل، كما يتمتّع سكانها بجودة حياة أعلى نسبة من جهات أخرى.

ويحيل هَذَا الوضع على شكاوى تتناقلها ألسن العديد من الشباب، بخصوص معاناتهم مع إيجاد فرص عمل تعود عليهم بمدخول يتماشى ومتطلبات الحياة، أو صعوبات الحصول على السكن اللائق المناسب لتكوين أسرة، بالإضافة إلى مشكلات الغلاء والتضخم، الَّتِي تُؤكّد أنَّ حقيقة الوضع على الأرض أكثر تعقيدًا مما يتم تسويقه من معطيات عن الجهة.

  • سكان أكثر وأسر أقل

وبتاريخ 25 نونبر 2024، أكَّدت المديريَّة الجهويَّة للتخطيط بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، أنَّ الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، أبرز زيادة معدل التمدّن وتراجع حجم الأسر على مستوى الجهة، ما يعني أنَّ سكان المدن في هَذِهِ الجهة يتزايدون على حساب سكان البوادي، في حين أن مُعدّلات تكوين الأسر، المرتبطة أساسًا بالزواج، سجلت تراجعًا، خلال السنوات العشر الأخيرة.

وقالت المذكرة الإخباريَّة، الصادرة عن المديريَّة الجهويَّة للتخطيط، إنَّ عدد السكان وفق الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وصل إلى 4 ملايين و30 ألفًا و222 نسمة، مقارنة بـ3 ملايين و556 ألفًا و729 نسمة حسب إحصاء 2014، ما يكافئ معدل نمو سنوي قدره 1،26%، أي أعلى من المعدل الوطني الَّذِي يبلغ 0،85%، وأضاف المصدر نفسه أنَّ الأمر يتعلق بواحد من أعلى مُعدّلات النمو الديموغرافي على الصعيد الوطني، مشيرًا إلى أنَّ الجهة حافظت على مكانتها كخامس أكثر جهات المغرب تعدادًا للسكان.

ووفق المصدر نفسه، فقد ارتفع مُعدّل التمدن بالجهة، إذ زاد عدد السكان الحضريين بنسبة 2،16% سنويًّا، إذ انتقل من 2.124.614 نسمة سنة 2014 إلى 2.638.815 نسمة سنة 2024، في حين شهد عدد السكان القرويين تراجعًا طفيفًا خلال عقد من الزمان بنسبة 0،24%، إذ انتقل من 1.424.662 إلى 1.391.407 نسمة، ويترجم ذلك إلى أنَّ سكان المدن زاد خلال 10 سنوات بأكثر من نصف مليون نسمة، في حين تراجع تعداد سكان القرى بما يناهز ربع مليون نسمة.

وفيما يتعلق بالتركز السكاني، وحسب نفس المؤسسة، تضمُّ عمالة طنجة – أصيلة أكثر من ثلث سكان الجهة بما نسبته 37،08%، وتمثل وحدها أكثر من نصف السكان الحضريين بما يعادل 53،16%، بينما في المناطق القرويَّة يهيمن إقليم شفشاون على 25،16% من السكان القرويين بالمنطقة.

وأوردت المذكرة الإخباريَّة، أن عمالة طنجة – أصيلة تتميز بنموها الديموغرافي الكبير بنسبة 3،44% سنويًّا، إذ انتقل عدد السكان من 1.065.601 نسمة سنة 2014 إلى 1.494.413 نسمة سنة 2024، في حين يحتلّ إقليم الفحص – أنجرة المركز الثاني بنسبة نمو سنوي قدره 2،80%، وهو الإقليم الَّذِي يضم على ترابه مشروعين اقتصاديين عملاقين، وهما ميناء طنجة المتوسط، ومصنع السيارات «رونو – طنجة»، تليه عمالة المضيق – الفنيدق بنسبة 1،93%، وذلك على الرغم من معاناة المنطقة من أزمة اقتصاديَّة خانقة منذ عام 2019، بسبب وقف أنشطة التهريب المعيشي على حدود مدينة سبتة.

وبالمقابل، شهدت أقاليم شفشاون ووزان والحسيمة انخفاضًا في عدد سكّانها على التوالي بمعدل سنوي متوسط قدره 1،02% و0،90% و0،72% بين عامي 2014 و2024، ما يُعزى بالأساس إلى انخفاض عدد سكان المناطق القرويَّة بهَذِهِ الأقاليم رغم تزايد عدد السكان الحضريين، وفق معطيات المديريَّة الجهويَّة للتخطيط.

وعلى الصعيد الوطني، انتقل متوسط حجم الأسرة من 4،63 فرد في عام 2014 إلى 3،97 فرد في عام 2024، وتبقى جهة طنجة – تطوان – الحسيمة أدنى بشكل طفيف من المعدل الوطني بـ3،84 فرد لكل أسرة، ما يعني أنَّه في المتوسط تتكوَّن كل أسرة في الجهة من 3 إلى 4 أفراد، وفي المناطق الحضريَّة بشكل خاص تشترك جهة الشمال مع جهة الدار البيضاء الكبرى – سطات في أدنى مستوى على صعيد المملكة أي 3،62 فرد لكل أسرة.

وعلى المستوى الجهوي، سجَّلت عمالة شفشاون أعلى متوسط لحجم الأسرة بمتوسط 4،54 فردا، في حين سجلت عمالة طنجة – أصيلة أدنى متوسط مسجلة 3،57 فردا، مع العلم أنَّ عدد السكّان القانونيين بالمملكة يبلغ 36.828.330 إلى غاية 1 شتنبر 2024، بمتوسط معدل نمو سنوي 0،85% بين عامي 2014 و2024.

  • الزواج لم يعُد مُغريا

ويبدو العزوف عن الزواج وتكوين أسرة في الجهة الشمالية للملكة أمرًا مستغربًا، خصوصًا أنَّ التصور العام بخصوص هَذِهِ الرقعة الجغرافيَّة من المغرب هو أنَّ ظروف العيش فيها أفضل خصوصًا في المدن، مقارنة مع جل مناطق المملكة الأخرى، كما أن سوق الشغل نشيط ويطلب باستمرار المزيد من المرشحين للالتحاق بمناصب العمل في مختلف المجالات ومن شتى مستويات الدراسة والتكوين، الأمر الَّذِي دفع العديد من المواطنين المغاربة إلى اختيار الهجرة والاستقرار النهائي، خصوصًا في طنجة.

هَذَا الوضع قد يجد تفسيره في تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنميَّة البشريَّة، وهي مؤسس عموميَّة، مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنة 2021، الَّذِي كشف عن أرقام تهم الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للشباب المغربي، إثر جائحة «كورونا»، إذ أوضح أن 70% من الشباب المغربي اختار الابتعاد عن فكرة الزواج، رابطين الأمر أساسًا بتعقيدات تكاليف الحياة والحصول على مداخيل وفرص شغل المناسبة.

وقالت خلاصات التقرير، كما نشرتها وسائل إعلام مغربيَّة، إنَّ 7 مـن أصل 10 شباب مغاربة يرغبون في الهجرة إلى الخارج، مبرزًا أنَّ 68% منهم يعتقدون أنهم سيشعرون بالسعادة إذا نجحوا في الرحيل عن المغرب، أما بخصوص فكرة الاستقرار والزواج، فيقول التقرير إنَّه رغم اهتمام الشباب المغاربة بفكرة تكوين أسرة، فإنّه على مستوى الأرقام تمّ رصد عزوفهم عن الزواج، إذ انتقل هَذَا المؤشر من 42% في 2011 إلى 70% في 2019.

واقترح التقرير، «إعادة النظر في الأولويات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للمغرب، على ضوء الصدمة الصحيَّة والاقتصاديَّة المزدوجة، وتحديد العوائق المحتملة أمام تنميته في المستقبل»، مُشدّدًا على أنَّ الشباب يُعدُّ «الرأسمال البشري الأكثر قيمة الَّذِي يجب تقديره، من حيث التعليم والتدريب والصحة والحماية الاجتماعيَّة وريادة الأعمال»، الأمر الَّذِي يشكل ناقوس خطر حقيقي بخصوص الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في المملكة.

وجاءت أرقام المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط من أجل تأكيد هَذِهِ النتائج الصادرة في دجنبر من سنة 2021، على الرغم من تراجع حدة الأزمة الاقتصاديَّة الَّتِي فرضتها جائحة «كورونا»، ووصول حكومة جديدة يقودها عزيز أخنوش، وهو في الأصل فاعل اقتصادي ورجل أعمال، إلا أنه على أرض الواقع فالمؤشرات الاجتماعيَّة آخذة في التراجع، خصوصًا ما يتعلق بواقع سوق الشغل والأجور والغلاء والعثور على السكن المناسب.

وحسب ما جاء في تقرير بخصوص المرأة المغربيَّة سنة 2023، الصادر عن المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمرأة، فإنَّ نسبة العزوبة في صفوف النساء، كانت قد سجلت تراجعًا في 2020، حيث بلغت 28،1%، عكس الذكور الَّذِينَ ارتفعت في صفوفهم بـ40،4%.

وحسب التقرير ذاته، فإنَّ معدل العزوبة عند سن 50 سنة، ارتفع إلى 9،6% في صفوف الإناث سنة 2014، بعدما كان قد سجَّل 6،7% سنة 2010، و5،3% فقط سنة 2004، مبرزًا أنَّ معدل العزوبة مرتفع لدى النساء في المدن بنسبة 10،9%، وذلك أكثر من النساء في القرى حيث النسبة في حدود 7%.

وقد أظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أنَّ عدد الأسر في المغرب بلغ 9.275.038 أسرة، منها 6.173.930 أسرة بالوسط الحضري و3.101.108 أسرة بالوسط القروي، وفق ما ورد في المذكرة الإخباريَّة للمندوبيَّة الساميَّة للتخطيط.

ومقارنة بإحصاء 2014 ارتفع عدد الأسر بـ1.961.232 أسرة، أي بمعدل نمو سنوي قدره 2،4%، وحسب وسط الإقامة، ارتفع عدد الأسر بـ1.366.187 بالوسط الحضري بمعدل نمو سنوي بلغ 2،5%، مقابل 595.045 بالوسط القروي بمعدل نمو سنوي وصل إلى 2،2%.

وفي المقابل انخفض متوسط عدد أفراد الأسرة من 4،6 إلى 3،9 فرد بين 2014 و2024 على المستوى الوطني، ومن 4،2 إلى 3،7 فرد بالوسط الحضري، مُقارنةً بـ5،3 إلى 4،4 بالوسط القروي، وهو ما يعني أنَّه في مقابل الارتفاع الطفيف في تعداد الأسر، فإنَّ هناك تراجعًا واضحًا في تعداد أفرادها، أي أنَّ معدلات الإنجاب في المغرب داخل كل أسرة آخذة في التراجع.

  • أرقام رسميَّة تفسر الوضع

مسببات هَذَا العزوف عن الزواج والإنجاب وتكوين الأسر، يجد تفسيره في أرقام المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط أيضًا، الَّتِي أفادت في شهر أكتوبر الماضي، بأنَّ الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك سجل خلال شهر شتنبر المنصرم ارتفاعًا بنسبة 0،8%، مُقارنةً بالشهر ذاته من سنة 2023.

وأوضحت المندوبيَّة، في مذكرتها الإخباريَّة المتعلقة بالرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك برسم شتنبر 2024، أنَّ هَذَا التغيّر نتجَ عن ارتفاع أثمان الموادّ الغذائيَّة بنسبة 0،6% وأثمان المواد غير الغذائية بـ1%.

وأضاف المصدر ذاته، أنَّ نسب التغير بالنسبة للموادّ غير الغذائية تراوحت بين انخفاض قدره 2،4% بالنسبة لـ«النقل» وارتفاع قدره 3،6% بالنسبة لـ«السكن والماء والكهرباء والغاز ومحروقات أخرى»، وهو ما يعني أن أغلب تكاليف الحياة اليوميَّة شهدت ارتفاعًا.

وبالنسبة للموادّ الغذائية همت الانخفاضات المسجلة ما بين شهري غشت وشتنبر 2024، على الخصوص، أثمان السمك وفواكه البحر بنسبة 6،1%، والفواكه بـ2،2%، والمياه المعدنيَّة والمشروبات المنعشة وعصير الفواكه والخضر بـ0،3%، وفي المقابل ارتفعت أثمان الخضر بنسبة 2،7%، واللحوم والقهوة والشاي والكاكاو بـ0،4%، والزيوت والدهنيات بـ0،3%.

وإذا ما بقينا في جهة طنجة تطوان – الحسيمة، نجد أنَّ الأثمان -إجمالا في شهر شتنبر- انخفضت بنسبة 2،7% في الحسيمة و0،2% في طنجة وتطوان، إلا أنها قبل ذلك بشهر كانت قد ارتفعت في عدة مدن شمالية، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 2،8% في الحسيمة، وبـ 0،9% في تطوان، وبنسبة 0،4% في طنجة، وهو ما يعني بعد المقارنة أنَّ الارتفاعات لا تعادل الانخفاضات.

وفي بداية شهر نونبر، كشفت مذكرة إخباريَّة للمندوبيَّة الساميَّة للتخطيط حول وضعيَّة سوق الشغل، أنَّ معدل البطالة بالمغرب بلغ 13،6% خلال الفصل الثالث من سنة 2024، وسجلت جهة طنجة – تطوان – الحسيمة نسبة بطالة بلغت 9،9%.

نفس المذكرة، أبرزت أنَّ أكثر من ثلاث أرباع من العاطلين أي نسبة 78،1%، يتمركزون بست جهات، وتأتي جهة الدار البيضاء – سطات في المُقدّمة بـ24،9% من مجموع العاطلين، متبوعة بجهة فاس – مكناس بنسبة 13،3% وجهة الرباط – سلا – القنيطرة بنسبة 11،9% وجهة الشرق بنسبة 10،2% وجهة مراكش – آسفي بنسبة 9،4%، ثم جهة طنجة -تطوان – الحسيمة بنسبة 8،4%.

وأبرزت المندوبيَّة، أن معدل البطالة سجل ارتفاعًا طفيفًا إذ انتقل من 13،5% خلال الفصل الثالث من سنة 2023، إلى 13،6% خلال ذات الفترة من سنة 2024، مسجلًا ارتفاعًا بـ 0،4 نقطة بالوسط القروي، إذ انتقل من 7% إلى 7،4% بينما استقر في الوسط الحضري عند نسبة 17%.

وبحسب المصدر ذاته، فقد ارتفع عدد العاطلين بـ58.000 شخص، إذ انتقل من 1.625.000 إلى 1.683.000 عاطل ما بين الفصل الثالث من سنة2023 وذات الفصل من سنة 2024، ما يُمثّل ارتفاعا بـ 4%. وجاء هَذَا الارتفاع نتيجة تزايد عدد العاطلين بـ42.000 في الوسط الحضري وبـ16.000 في الوسط القروي.

وأوضحت المندوبيَّة، أنَّ معدل البطالة سجل ارتفاعا في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة بزائد 1،3 نقطة، إذ انتقل من 38،2% إلى 39،5%، وبين الأشخاص الَّذِينَ تبلغ أعمارهم 45 سنة فما فوق بزائد 0،4 نقطة، من 3،7% إلى 4،1 في%، وكذا في صفوف النساء بزائد نقطة واحدة، من 19،8% إلى 20،8%.

 

تابعنا على الفيسبوك