القانون والناس
الهجرة السرية بين واقع المحاولة والقانون 02.03

فهل هَذِهِ الموادّ تخصّ المُنظّمين الدوليّين للهجرة السرية أم الشباب البائس، الَّذِي يدفع مبلغًا في نظره باهظٌ، وفي نظر المنظم تافه، ليرحل إلى حيث لا أهل ولا ضمان ولا أمن ولا أمان؟ لكن واقع السلطة القضائيّة، تجاه هَؤُلَاءِ يبقى بين المطرقة والسندان، فمن يعاقب في محاولة الهجرة إنَّ كان الفصل (115) من القانون الجنائي، ينصّ على أنّه لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نصّ خاص في القانون؟ وهل هناك حلّ أمثل لهَؤُلَاءِ للحيلولة دون عودتهم للمحاولة مرّة أخرى؟
أغلب القضاة يحاولون إيجاد العقل المُدبّر أو الوسيط بين الشباب، الَّذِي يحاول الهجرة إلى ما وراء البحار، راكبين أمواجها للوصول إلى جنّة عدن، وبين المنظمين الحقيقيين والمستغلين لأحلام هَؤُلَاءِ الشباب، بيد أنَّ الواقع الَّذِي يبسط أمام أنظار المحاكم، هو أنَّ المهاجرين كلهم -دون استثناء- يتضامنون لشراء آليات الإبحار مما تكون الأحكام بالبراءة وإهدار وقت المحكمة في ملفات المفروض أنَّها تحفظ لدى السلطات المخول لها تحرير المحاضر سواء الدرك البحريّ أو الشرطة القضائية….
أليست هَذِهِ الحيثيات تُعدُّ من قبيل الاتّجار بالبشر، الَّذِي حدده مفهومه القانون 27.14؟! أم أنَّ الهجرة السرية لا علاقة لها بهَذَا القانون؟!
باستقرائنا مقتضيات الفص448-1 ينص على أنه: «يقصد بالاتّجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوّة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف
أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقّي مبالغَ ماليّة أو منافع أو مزايا للخصوص على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
لا يشترط استعمال أيّ وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعاله لقيام جريمة الاتّجار بالبشر تجاه الأطفال، الَّذِينَ تقلّ سنّهم عن ثماني عشرة سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال.
يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لا سيَّما استغلال دعارة الغير، والاستغلال عن طريق الموادّ الإباحيَّة، بما في ذلك وسائل الاتّصال والتواصل المعلوماتي، ويشمل أيضًا الاستغلال عن طريق العمل القسريّ أو السخرة أو التسوّل أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبّيَّة على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المُسلّحة.
لا يتحقق هَذَا الاستغلال إلا إذا ترتّب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت ولو تلقَ مقابلًا أو أجرًا عن ذلك.
يقصد بالسخرة في مفهوم هَذَا القانون، جميع الأعمال أو الخِدْمات، الَّتِي تفرض قسرًا على أي شخص تحت التهديد، الَّتِي لا يكون هَذَا الشخص قد تطوع لأدائها بمحض اختياره. ولا يدخل في مفهوم السخرة الأعمال المفروضة لأداء خدمة عسكريّة إلزامية، أو نتيجة إدانة قضائيّة، أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض في حالة الطوارئ.
ونجد أنَّ المُشرّعَ المغربيَّ حاول الإحاطة بجميع المستغلين لهَؤُلَاءِ الشباب، دون تحميل المسؤولية للسلطات، الَّتِي لم تستطيع حتّى توفير مبادئ العيش الكريم بأبسط مكوناته من دراسة جيّدة وعمل قار، بل حاولت تشديد العقوبة على كلّ مَن سوّلت له نفسه العمل على نقل شخص أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوّة أو باستعمالها أو باستغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. من خلال العقوبات المسطرة في الفصل 2 -488 (أي بالمقتضيات الجنائية الأشد) حيث يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، وبغرامة من 10.000 إلى 500.000 درهم كلّ من ارتكب جريمة الاتّجار بالبشر هَذَا لا يعد وفقط تنظيم الهجرة السرية الَّتِي سطرها المُشرّع في الموادّ التنظيمية للقانون (02.03) فهل الشباب المغربي يمكن أن ينجو من جريمة الاتّجار بالبشر ليقع بجريمة الهجرة السرية؟! أم أنَّ مصيره رهينٌ بما هو مسطر بمحاضر الضابطة القضائية والسلطات المخول لها تحرير المحاضر؟!
