ثقافة
المرافق الثقافية الجديدة.. فرص وتحديات لبناء صناعة ثقافية بطنجة

تُعدُّ مدينة طنجة من المدن ذات التاريخ الثقافي الغنّي، إذ شهدت على مر العصور تفاعلًا بين مختلف الثقافات، ما جعلها نقطة التقاء للعديد من الفنون والقامات الفكريَّة. وفي السنوات الأخيرة، تم الإعلان عن مجموعة من مشاريع المرافق الثقافيَّة الجديدة، مثل المكتبات والمسارح والمراكز الثقافيَّة، التي تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المدينة.
ومع ذلك، يمكن طرح الكثير من الأسئلة بخصوص مدى قدرة هذه المشاريع على خلق صناعة ثقافيَّة حقيقيَّة وإشعاع ثقافي يستقطب الزوار والمبدعين على حد سواء.
وتُعدُّ هذه المرافق الجديدة خطوة إيجابيَّة نحو تعزيز الثقافة والفنون في طنجة، فقد تمَّ تصميمها لتكون فضاءات مفتوحة للجمهور بهدف تعزيز الوعي الثقافي، وتوفير بيئة ملائمة للإبداع، حيث يمكن المواهب الفنيَّة والثقافيَّة من التفاعل وتبادل الأفكار.
وفي هذا السياق يتساءل البعض عمّا إذا كانت هذه المرافق ستنجح في إعادة جذب الجمهور، وتحفيز النشاط الثقافي بشكل فعلي، أم ستبقى مجرد هياكل فارغة دون فائدة حقيقيَّة.
إن نجاح هذه المرافق يعتمد بشكل كبير على كيفيَّة إدارتها، إذ يتطلَّب الأمر توفير برامج ثقافيَّة متنوّعة تشمل معارض فنيَّة وندوات وعروض موسيقيَّة، مما يُسهم في خلق بيئة ثقافيَّة نابضة بالحياة، كما يجب أن تكون هناك شراكات حقيقيَّة مع الفنانين على المستويين المحلي والجهوي، مع الحرص على إدماج المجتمع المدني، لضمان استمراريَّة الأنشطة وبالتالي تحقيق إشعاع ثقافي حقيقي.
وتتطلَّب صناعة الثقافة من جهة أخرى دعمًا ماليًّا واستثماريًّا، إذ يجب أن تخصص ميزانيات كافيَّة لتشغيل هذه المرافق وتقديم الدعم للفنّانين والمبدعين، ما يُعزّز من فرص تطوير مشروعات ثقافيَّة جديدة، ويحفز الابتكار والإبداع. كما من شأن غياب هذا الدعم أن يؤدي إلى تراجع النشاط الثقافي، وبالتالي عدم تحقيق أي فائدة تذكر من هذه المرافق.
إن خلق صناعة ثقافيَّة بعاصمة البوغاز لا بُدَّ أن يمرَّ عبر توفير شروط حقيقيَّة لانبثاق إنتاج ثقافي كثيف ومتكامل، كتعزيز التعليم الفني والثقافي في المدارس، حيث يُعدُّ التعليم عنصرًا أساسيًّا في تشكيل الوعي الثقافي، وتنميَّة المواهب منذ الصغر، كما يجب أن تكون هناك برامج تدريبيَّة متخصصة تهدف إلى تطوير مهارات الفنانين والمثقفين، ما يُسهم في خلق جيل جديد من المبدعين القادرين على المساهمة في المشهد الثقافي.
وعلاوة على ذلك، فإن التفاعل مع السياحة الثقافيَّة يُعدُّ عنصرًا أساسيًّا في تحقيق النجاح، إذ يمكن للمرافق الثقافيَّة الجديدة أن تؤدي أدوارًا معتبرة في جذب السياح إلى العوالم الثقافيَّة للمدينة، من خلال تنظيم فعاليات ثقافيَّة ومعارض ومهرجانات، ما قد يعزز مكانة طنجة كوجهة ثقافيَّة بارزة ويسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي.
كما تحتاج المرافق الثقافيَّة أيضا إلى التوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة، إذ يُمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي للترويج للأنشطة الثقافيَّة، وجذب جمهور أوسع، ما يُعزّز من فرص الوصول إلى شرائح متنوعة من المجتمع، مع العمل على بناء شبكة من التعاون مع المراكز الثقافيَّة في المدن الأخرى، سواء داخل المغرب أو خارجه، ما سيُشكّل خطوة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التبادل الثقافي.
وعموما تبقى المرافق الثقافيَّة الجديدة بطنجة بحاجة إلى رؤية شاملة واستراتيجيَّة واضحة، تهدف إلى بناء صناعة ثقافيَّة حقيقيَّة، ترتكز على التفاعل المجتمعي والدعم المالي، واقتراح برامج ثقافيَّة مبتكرة.
إن هذه المرافق -إذا ما أُحسن استغلالها- يمكن أن تُسهم بشكل فعال في خلق إشعاع ثقافي ينعكس إيجابًا على المدينة وسكانها، ويعيد إحياء الروح الثقافيَّة لطنجة، التي طالما كانت علامة فارقة في محيطها.
