في الواجهة
«التيجيفي» سيصل مراكش وإسبانيا.. بينما تطوان وشفشاون والحسيمة محرومة من القطار العادي

النقل السككي بمدينة طنجة.. الأولوية لربط المدن الكبرى عبر القطارات فائقة السرعة والربط الجهوي يراوح مكانه
لا يختلف اثنان على أنَّ مشروع القطار فائق السرعة «البراق» الرابط بين طنجة والدار البيضاء، غيّرَ -بشكل جذري- وجه خِدْمات النقل من وإلى مدينة البوغاز، إذ أصبح هَذَا القطار هو الوسيلة المُفضّلة للكثير من المسافرين، بفضل مزاوجته بين جودة الخِدْمات وربح الوقت.
ولطالما كانت علاقة طنجة بالسفر عبر القطارات، علاقة قويّة وتاريخيّة، بفضل شبكة السكك الحديدية، الَّتِي ربطت المدينة بباقي المدن المغربية، انطلاقًا من سنة 1914 عبر خط طنجة – فاس، الَّذِي كانت تُؤمّنه الشركة الفرنسيّة الإسبانيّة، لتصبح المدينة اليوم متوافرة على خطوط تصل إلى أغلب المدن الكبرى.
والمتوقع أن يعرف مستقبل الربط السككي مع مدينة طنجة نقلات نوعية أخرى، خصوصًا في ظل الاستعداد لاحتضان المغرب وإسبانيا والبرتغال كأس العالم 2030 بشكل مُشترك، لدرجة الحديث عن إحداث خطّ فائق السرعة يصل إلى مدريد.
لكن في المقابل لا يزال ربط المدينة بمحيطها الجهوي يراوح مكانه، على الرغم من الحاجة المُلحّة لهَذَا النوع من وسائل النقل، الَّذِي يُنادي به سكان مدن مثل: «تطوان وشفشاون والحسيمة»، المنتمون إلى جهة يُقارب تعداد سكانها 4 ملايين نسمة.
- محطة جديدة في الربط السككي
يوم الاثنين الماضي، أعلن المكتب الوطني للسكك الحديدية، عن طلب عروض لاقتناء مجموعة جديدة من القطارات وتطوير الصناعة السككية الوطنيّة، من خلال إحداث منظومة لصناعة القطارات، وذكر المكتب في بلاغه أنَّ المشروع البالغة قيمته 6 مليارات درهم، يتعلق بعددٍ من المكونات، من بينها اقتناء 168 قطارًا، منها 150 قطارًا لتأمين خِدْمات النقل بين الحواضر، والقطارات المكوكية السريعة وقطارات الربط بين المدن الكبرى، و18 قطارًا لامتدادات خطّ السرعة الفائقة.
ويُمثّل هَذَا الإعلان نقلةً نوعيةً على مستوى النقل، تهمُّ عددًا من مناطق المغرب، بما في ذلك مدينة طنجة، الَّتِي أشارت إليها الوثيقة، من خلال الحديث عن مرور خمس سنوات على الشروع، في استغلال أوّل خط للسرعة الفائقة بالمغرب وإفريقيا، ويتعلق الأمر بخط قطار «البراق»، الرابط بين طنجة والدار البيضاء عبر مدينتي القنيطرة والرباط، إذ قال المكتب إنَّ هَذَا المشروع «يستمرُّ في تأكيد أنَّ نجاحه ليس سوى بداية لملحمات جديدة، تهدف إلى تدعيم ربط جهات المملكة وتوفير صيغ تنقّل مبتكرة وذكية، أكثر سرعةً واستدامةً».
وبفضل القطار فائق السرعة، أصبح بإمكان زبناء السكك الحديدية الانتقال من طنجة إلى القنيطرة في 50 دقيقة، وإلى الرباط في ساعة و20 دقيقة، وإلى الدار البيضاء في ساعتين و10 دقائق، علمًا أنَّ الأرقام الأخيرة للمكتب الوطني بخصوص «البراق»، الَّتِي تهم سنة 2022 الَّتِي صدرت في أبريل الماضي، كشفت أنَّ 4، 2 مليون مسافر، تنقَّلوا عبر هَذَا الخط بزيادة بلغت 60 في المئة، مُقارنةً بسنة 2021، ليصل رقم معاملاته إلى 562 مليون درهم.
والمُؤكّد من خلال البلاغ الأخير للمكتب الوطني للسكك الحديدية، أنَّ المرحلة المقبلة ستكون هي ربط مدينة مراكش بالقطار فائق السرعة، ما يعني أنَّ طنجة ستُصبح مرتبطةً بهَذَا النوع من الربط السككيّ، الَّذِي سيُقلّص مدة الرحلة إلى المدينة الحمراء من 5 ساعات ونصف حاليًا، تتضمّن رحلة عبر الخطّ فائق السرعة إلى الدار البيضاء، وأخرى عبر القطار العادي من الدار البيضاء إلى مراكش، إلى 3 ساعات فقط، وَفْق تصريحات سابقة لربيع الخليع، المدير العام للمكتب.
ويُمثّل هَذَا الأمر أوَّل توسّع لشبكة القطارات فائقة السرعة على المستوى الوطني، وكلّها ستكون مرتبطةً ببعضها عبر شبكة من الجيل الجديد، تُمكّن المواطنين من التحرّك في مدينة طنجة ذهابًا وإيابًا، سواء عبر قطار واحد، كما هو الحال بالنسبة لمدن القنيطرة والرباط والدار البيضاء، أو أكثر من قطار، كما سيكون عليه الحال بالنسبة لمراكش، وفي المحصلة سيكون لدى المغرب 1300 كيلومترٍ من القطارات ذات السرعة الفائقة.
ووَفْق تصريحات سابقة لوزير النقل واللوجستيك، محمد عبد الجليل، الَّتِي تعود إلى شهر يوليوز من سنة 2023، وذلك جوابًا على سؤال برلماني في مجلس النواب، فإنَّ الخطة ستشمل ربط الخط الأول المنطلق من طنجة بمدينة أكادير عبر الخط المار بمراكش؛ انطلاقًا من الدار البيضاء، في حين ستُربط مراكش بوجدة عبر مدن مكناس وفاس وتازة، وسيُخصّص 150 مليار درهم لهَذَا الغرض، وهو ما يُحيلنا أيضًا على مشاريع تطوير السكة الحديدية الخاص بالقطار فائق السرعة ما بين القنيطرة والدار البيضاء، الَّتِي لا تزال حاليًا تعتمد على الخطّ العادي لكن عبر قطارات TGV، وحسب معطيات سابقة لـ ONCFفإنّ مدة الرحلة بين طنجة والرباط، حينها ستتقلّص إلى 60 دقيقة فقط، ولن تتجاوز ساعةً ونصفً نحو العاصمة الاقتصادية، في حين ستكون في حدود 180 دقيقةً إلى مراكش و240 دقيقة إلى أكادير.
والمُؤكّد أن احتضان المغرب كأس العالم 2030، الموزع على مدن طنجة والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير وفاس، مثَّل دفعة قوية للتسريع بتنزيل هَذَا المخطط بالنظر إلى ضرورة ربط كل هَذِهِ المدن ببعضها بعضًا بطريقة تمزج بين الكفاءة والفعالية والسرعة، وهو ما أشار إليه بلاغ المكتب الَّذِي قال إذا كان هَذَا المشروع المهمّ يهدف بالأساس إلى توفير أفضل حلول التنقل المستدام للمواطنين، يتلاءم مع النهضة التنموية غير المسبوقة الَّتِي تعيشها بلادنا، كما أنّه يُساهم في التحضير للاستحقاق الرياضي العالمي الَّذِي ستستضيفه المملكة إلى جانب إسبانيا والبرتغال سنة 2030.
- قطار سريع نحو أوروبا
لا شكّ أنَّ مدينة طنجة هي البوابة الرئيسية للمغرب على أوروبّا، فهَذَا الأمر ليس مجرد كلام دعائي، لأنَّ المدينة عمليا هي الوحيدة في المغرب الَّتِي ترتبط بالقارة العجوز عبر ميناءين، هما الميناء المتوسطي وميناء طنجة المدينة، بالإضافة إلى تُوفّرها على مطار «ابن بطوطة» الَّذِي يُمكّن المسافرين من الانتقال إلى الدول الأوروبيّة، في أقل مدّة زمنية والعكس أيضًا، لكن ما سيجعل المدينة بالفعل عاصمةً للنقل العابر للقارات سيكون هو مشروع الربط القاري الَّذِي أحياه الاحتضان المشترك للمونديال من طرف المغرب وإسبانيا والبرتغال سنة 2030، الَّذِي يتطلّب تيسير حركة النقل بين المدن المحتضنة للحدث في أقل فترة زمنية، وبأعلى جودة ودون تعقيدات.
وآخر المعطيات الصادرة عن الشبكة الوطنية لدراسات جبل طارق، الَّتِي نقلتها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، تتحدّث عن تأمين الربط السككي بين الدار البيضاء ومدريد في 5 ساعات و20 دقيقة، عبر خط للقطار فائق السرعة، وهو الموضوع الَّذِي لا يزال تحت الدراسة حاليًا، لكنّه أصبح مطروحًا على الطاولة رسميًّا بتأكيد السلطات المغربية، على لسان مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، وذلك عقب اجتماع المجلس الحكومي بتاريخ 26 أكتوبر 2023، حين أورد أنَّ الأمر يتعلق بأحد «أوجه الشراكة» بين الرباط ومدريد.
وتفصيلًا، وحسب معطيات تقنية حصلت عليها «لاديبيش»، وباعتبار أنَّ الدار البيضاء هي نقطة انطلاق القطار فائق السرعة المار من النفق الخاص بالربط القاري، وباعتبار مدريد هي نقطة الوصول، فإنَّ المسافة ستتقلّص نظريًا من 11 ساعة و40 دقيقة إلى 5 ساعات و20 دقيقة، لكن ذلك مرتبط بتقليص الفترة الزمنية لخط القطار فائق السرعة «البراق» بين الدار البيضاء وطنجة من ساعتين و20 دقيقة إلى ساعة و30 دقيقة، الأمر الَّذِي يدخل ضمن المرحلة الموالية لخطة شبكة القطارات عالية السرعة، الَّتِي أعلن عنها المكتب الوطني للسكك الحديدية.
وعلى هَذَا الأساس ستصل مدّة الرحلة عبر القطار من طنجة إلى طريفة، أوّل نقطة وصول في الأراضي الإسبانيّة، إلى نصف ساعة، وهي أقل من الرحلات الَّتِي تُؤمّنها حاليًا العبارات السريعة الَّتِي تصل إلى 35 دقيقةً، انطلاقًا من ميناء طنجة المدينة، في حين ستصل مدة ربط مدينة البوغاز بثاني المحطات، وهي إشبيلية، إلى ساعة ونصف فقط، أمَّا الوصول إلى مدريد فلن يتطلّب سوى 3 ساعات و50 دقيقة، بل يمكن أيضًا للراغبين في الوصول إلى شمال إسبانيا، وتحديدًا إلى مدينة برشلونة، ثاني أكبر مدن البلاد، أن يستقلوا القطار السريع من مدريد قادمين من طنجة، الَّذِي يربط بين المنطقتين في زمن لا يتعدّى ساعتين و35 دقيقة، أي أنَّ الرحلة إجمالًا ستصل مدتها إلى 6 ساعات و25 دقيقة.
ومن جهة أخرى، تكمن أهمية مشروع الربط القاري بالنسبة لمدينة طنجة، في جعلها البوابة الحدودية الرئيسة لهَذَا المشروع على الجانب المغربيّ، فالنقطة الفاصلة بين الحدود المغربيّة والإسبانيّة لن تكون فقط هي المطار أو الميناء، بل أيضًا محطة القطار الموجودة عند مدخل مشروع الربط القاري، الَّذِي من المنتظر أن يمتدَّ على طول 42 كيلومترًا من منطقة كاب سبارتيل إلى مونتي بالوما في الجانب الإسبانيّ، بما يشمل نفقًا تُقارب مسافته 39 كيلومترًا، منها نحو 28 كيلومترًا تحت سطح البحر إلى عمق يصل حده الأقصى إلى 900 متر، وفيه سيعبر القطار فائق السرعة، كما سيُؤمّن عبور سيَّارات الأفراد وشاحنات البضائع، بل أيضًا خط الغاز الطبيعي المغرب نيجيريا.
- أين الجهة من كل هذا؟
وعلى الرغم من قيمة المشاريع المتعلقة بالربط السككي في مدينة طنجة، فإنَّ الملاحظة الأساسية هي أنَّ المدينة باعتبارها ثاني أهمّ قطب اقتصادي في المملكة، أصبحت تتوفر على ربط قار وفي أعلى مستوى مع المدن الرئيسية الكبرى للمملكة، وتحديدًا الدار البيضاء والقنيطرة المهمتان جدًا في النسيج الاقتصادي الوطني، خصوصًا على المستوى الصناعيّ، بالإضافة إلى العاصمة الرباط، ومستقبلا ستكون مرتبطة بمدن أخرى كبرى مثل: (مراكش وأكادير وفاس)، تماشيًا مع متطلبات احتضان كأس العالم 2030، كما أنَّ المدينة ستتمتّع أيضًا بربط سككي مع إسبانيا.
ومع ذلك، فإنَّ نقائص كثيرة مُسجّلة على هَذَا المستوى، إذ حتى بالنظر إلى خط القطار العادي نلاحظ أنَّ طنجة مرتبط فقط بالمدن الموجودة جنوبًا خصوصًا على الواجهة الأطلسية، فهناك خط رحلات عبر القطار يوصلها بجارتها أصيلة، ثم إلى باقي المدن الأبعد منها مسافةً، أما على الواجهة المتوسطية في اتجاه الشرق، فإنَّ شبكة القطارات لا تربط طنجة بالعديد من المدن الأخرى، بما فيها المدن الرئيسية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، فالرحلة ما بين طنجة تطوان مثلا، اللتين تفصلهما عن بعضهما مسافة 65 كيلومترًا فقط، تحتاج إلى ساعة عبر السيارة، في حين يمكن الوصول من طنجة إلى القنيطرة في 50 دقيقة عبر «التيجيفي»، رغم أنَّ المسافة بين المدينتين تتجاوز 205 كيلومترات.
وقد يكون ذلك هو السبب في طرح فكرة إحداث شبكة سككية جهوية، إذ في بداية السنة الجارية كشف البرلماني عن مدينة تطوان، منصف الطوب، أنّه جرى طرح هَذَا الموضوع على المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدي ربيع الخليع، الَّذِي أكَّد أنَّ الدراسات المتعلقة بربط المدينة بالسكك الحديدية قد أنجزت، الأمر الَّذِي أُخبر به وزير النقل واللوجيستيك محمد عبد الجليل، لكن الخطوة الموالية وَفْق نفس البرلماني، تتطلّب تحركًا من مجلس الجهة، بناءً على توضيحات الخليع.
وفكرة القطارات الجوّيَّة بالمغرب ليست مجرد كلام في الهواء، بل ستُنفّذ على مستوى جهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة الدار البيضاء سطات، الأمر الَّذِي يدخل في إطار طلب العروض الأخير الَّذِي أعلن عنه الـONCF، فبالعودة إلى بلاغه نجده يتحدّث عن أنَّ القطارات الجديدة الَّتِي تريد المملكة اقتناءها تهدف إلى «مواكبة الإقبال المتزايد على حركية التنقل عبر القطار، وتحديث جزءٍ من أسطول القطارات الحالية الَّذِي بدء يتقادم وتأمين النقل على امتداد خط القطار الفائق السرعة نحو مراكش، من جهة، ومن جهة أخرى إلى تأمين خدمة القرب من نوع RER أو الربط الجهوي في جهتي الدار البيضاء والرباط».
ومن جهته، أعطى عمر مورو، رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، شهر مارس الماضي، إثر انعقاد الدورة العادية للمجلس، الأمل بخصوص تنزيل هَذِهِ الفكرة على أرض الواقع، وإن بشكل جزئي، حيث تحدّث عن أنّه في ظلّ طموح الجهة لأن تصبح القطب الصناعي الأول بالمملكة، فإن المجلس وبشراكة مع المكتب الوطني للسكك الحديدية، يهدف إلى إنجاز مشروع يربط مدينة طنجة بمدينة «طنجة تك» الصناعية والتكنولوجية، ليكون خطا ذا بُعد اقتصادي بامتياز، حيث سيمرُّ من المناطق الصناعية في العوامة واكزناية وسيصل إلى منطقة عين دالية، لكن العائق الرئيسي الَّذِي يجب تجاوزه هو التمويل.
ومؤخرًا، برزت عبر تقارير إعلامية وطنية، تداولت معلومات أخرى تدور في نفس الفلك، تتحدّث عن إنجاز خط للسكك الحديدية يربط محطة القطار فائق طنجة المدينة بمطار طنجة ابن بطوطة الدولي، مرورًا بالمنطقة الحرة الصناعية بجماعة اكزناية والقطب الحضري ابن بطوطة، ثُمّ المركب الاستشفائي الجامعي محمد السادس والغابة الدبلوماسية، وهو المشروع الَّذِي سيُكلف 9 ملايين درهم ستتولى توفيرها ولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة والمكتب الوطني للسكك الحديدية ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، في ظل عدم وضوح الرؤيا بخصوص مشروع «تراومواي» طنجة.
وفكرة القطار الجهوي ليست جديدةً، وسبق أن راجت سنة 2018، عبر الحديث عن رغبة مستثمرين صينيين في تنفيذها بواسطة قطار فائق السرعة، غير أنّها ظلّت غير واضحة المعالم بسبب العديد من الإكراهات، منها ما هو تقني، على اعتبار أن وصول القطار إلى المدن ذات التضاريس الجبلية مثل شفشاون والحسيمة، أمر مُعقّد ويتطلّب دراساتٍ وأشغالًا هندسيةً كبيرةً قد تحتاج إلى وقت طويل، ومنها ما هو مالي يتعلق بالجهات الممولة، ومنها ما هو اجتماعي قانوني، لأنَّ الأمر سيتطلّب تفعيل مساطر نزع الملكية للأراضي الَّتِي سيمرُّ عبرها القطار.
