القانون والناس
التحكيم البحري والتشريع المغربي

وجود المغرب بين مفترق البحرين، جعل منه بوابة للتبادلات التجاريَّة والاقتصاديَّة، الأمر الَّذِي خوّله إلى مكانة الصدارة في المجال البحريّ، بيد أنَّ المُشرّع البحريَّ، اهتمَّ بموضوع النزاعات البحريّة، الَّتِي تنشأ عن هَذِهِ الأخيرة، ولمواصلة الركب جنبًا إلى جنبٍ مع القانون الدوليّ المعاصر، الَّذِي يعتمد على العديد من الآليات الخاصة لتسوية المنازعات الدولية سلميًا، حيث تضمّنت المادة (33) من ميثاق الأمم المتّحدة، النص على عددٍ من الوسائل التقليديّة المعروفة في هَذَا المجال كالتسوية القضائيّة، واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليميَّة أو غيرها من الوسائل الدبلوماسيَّة والقانونيَّة، الَّتِي يقع عليها اختيار أطراف النزاع.
إن كان الأصل، أنَّ القضاء لا يمارس إلا بواسطة الهيئات القضائيّة في الدولة الحديثة، فقد أصبح التحكيم –في الوقت الراهن– أمرًا مفروضًا لفضّ المنازعات سواء الداخليَّة أم الخارجيَّة، خصوصًا المنازعات البحرية، السبب في ذلك راجع إلى التطوّرات العديدة، الَّتِي مسّت مؤسّسة التحكيم، فبعد أن كانت تُعدُّ هَذِهِ الأخير قضاءَ استثنائيًا –إلى جانب قضاء الدولة، الَّذِي يُعدُّ رسميًا– أوشكت أن تصبح قضاء أساسيًا، بل إنَّ البعض اعتبرها في مضمار التجارة الدوليَّة، هو الأصل، بينما بات قضاء الدولة هو الاستثناء، هكذا أصبح يحظى التحكيم بإقبال واهتمام متزايدين في عصر اهتزّت فيه الحدود الثقافيَّة والاقتصاديَّة، واهتزّت معها النظمُ القانونيَّة وظهور القوانين المعولمة، ومرد هَذَا الاهتمام الَّذِي حظي به التحكيم إلى المزايا الَّتِي يُقدّمها هَذَا النوع من القضاء، الَّتِي لا مثيل لها في قضاء الدولة ذاته، من مرونة وبساطة الإجراءات وسرعة البتّ في القضايا والسرية في الجلسات، والكفاءة الَّتِي يتحلى بها المُحكّمون، وكذا الاقتصاد في النفقات، تجنبًا لإهدار الوقت والجهد، فالتحكيم هو قضاء خاصّ لتسوية المنازعات وحماية الحقوق والمراكز القانونيَّة واستقرار المعاملات بين الأفراد.
فإنَّ كان المجتمع الدولي أوجد في هَذِهِ الآلية فعالية، واعتمدها في مختلف القضايا، فالمُشرّعُ المغربيُّ ما زال خجولًا في هَذَا المضمار، حيث تطرّق إلى تنظيم التحكيم بشقيه الداخليّ والخارجيّ من خلال الفصول (306-327) من قانون المسطرة المدنيّة المعدل بموجب القانون 08-05 الَّذِي يتحدّث عن التحكيم بشكل عامّ، ولم يُشر إلى التحكيم البحريّ بالأساس.
ليبقى التساؤل مطروحًا حول ملائمة التحكيم البحري المغربيّ مع متطلبات العصر؟ وهل التحكيمُ البحريُّ المغربيُّ يصل في مبتغاه إلى التحكيم البحري بباقي الدول العالميَّة كبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول؟ أم أنَّ الأمر يتعلق بتطلعات وأحلام الفاعلين بالقطاع البحريّ والقانونيّ فقط لا غير؟
إن كان الفصل (307) من قانون المسطرة المدنيّة، يتحدّث عن اتّفاق التحكيم كالتزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونيَّة مُعيّنة، تعاقدية أو غير تعاقديّة، فإنَّ مُقتضيات الفصل (310) حدّد محل التحكيم، حيث إنّه لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المُتعلّقة بالتصرفات الأُحادية للدولة أو الجماعات المحلّيَّة أو غيرها من الهيئات المُتمتّعة باختصاصات السلطة العموميَّة. غير أنَّ النزاعات الماليّة الناتجة عنها، يُمكن أن تكون محل عقد تحكيم، ما عدا المُتعلّقة بتطبيق قانون جبائي.
فهل النزاعات البحريّة تنضوي ضمن ماهية النزاعات، الَّتِي سُطّرت بقانون المسطرة المدنية أم أن لها خصوصياتها وإشكالياتها، الَّتِي لم يستطع المُشرّعُ المغربيُّ بعد الإلمام بها ومواكبة العصر؟
