تواصل معنا

مقالات الرأي

أهمية الأسرة والمدرسة في بناء قيم الأطفال وسلوكياتهم تجاه الآخر وتجاه الوطن

تُعدُّ الأسرة من داخل أي مجتمع -كيفما كان- لبنةً وحجرَ أساس لبناء مواطنين يستطيعون تحمّل المسؤولية، والتحلّي بروحها في المستقبل، حيث إنَّ قوة المجتمع وضعفه تُقاس بناءً على، تماسك الأسرة ومدى قدرتها على التأطير والتكوين، كما أنَّ قوة الأسرة وضعفها داخل أي مجتمع يعتمد على مدى تمسّكها بالجانب الأكسيولوجي التربويّ، ولا بُدَّ من الإشارة هُنا، إلى أنَّ الأسرة الأخلاقيّة تشبه التربة الصالحة، فإن كانت أخلاقيّةً وتربيتها صالحة يصلح نباتُها، وإنْ فسدت يفسد نباتُها، وهكذا يكون صلاح المجتمع أو فساده متعلّقًا بالأسرة، لهَذَا فأهمية الأسرة تنبع من إطار أساليبها في بناء قيم الأبناء وسلوكياتهم تجاه الآخر وتجاه الوطن أيضًا، حيث يبدأ التوجيه الأخلاقيّ من نطاق الأسرة، فالمدرسة، ثُمَّ المجتمع، بمعنى آخر الأسرة هي الَّتِي تُنشئ أطفالًا مُدركين، والإدراك هنا ذو بعد كوني شمولي، للخير من الشرّ، بناءً على الأعراف الإنسانيّة، الَّتِي وضع حجر أساسها خلال عصر التنوير، إن أيَّ إنسان يتشكّل فكريًا عبر خمس مصادر وهى: «الأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والأصدقاء، وأخيرًا الإعلام»، بهَذَا الترتيب، لكن ما يحدث حاليًا عكس ذلك، فالإنسان يتأثر حاليًا بالإعلام أوّلًا ثُمَّ الأصدقاء، ثُمَّ المؤسّسة الدينيّة والمدرسةً وأخيرًا الأسرة، وبالتالي فإنَّ تراجع دور الأسرة أدَّى إلى تنامى العنف والكراهية، فالمجرم والإرهابي… له أسرةٌ ونشأ في مدرسة وتردد على دور العبادة ونهل من ثقافة بيئته، وبالتالي تأثّر بكلٍ ذلك في تشكيل شخصيته وبلورة فهمه للأمور، لذلك فالإصلاح العام يتوقّف على إصلاح جميع هَذِهِ المؤسّسات السالفة الذكر، حتّى نخرج بالنتيجة المطلوبة ونرى مجتمعَ المدينة الفاضلة… جزافًا، وعندما نتحدّث عن المدرسة في شقّها العمومي وهَذَا نقاش له راهنيته وصار لزامًا على من يتحمّل زمام المسؤولية تفعيل المحاسبة؛ لأنَّ المدرسةَ العموميةَ نرى بجلاء، فشلها في تقديم أدوارها الَّتِي تتمثّل بالمساهمة في تربية وتكوين مواطنين ملتزمين مؤمنين بالقضايا الوطنيّة والإقليميّة التزامًا يبرز من خلال الانخراط في كلّ المجالات، الَّتِي من شأنها الدفع بعجلة التطوّر إلى الأمام لمحاولة اللحاق بالركب، وليس التقوقع حول الذات ورفض رياح التغيير، بل وجب الانخراط في مسلسل الإصلاح كي نخرج سفينة الوطن إلى برّ الأمان.

إنَّ الربيع الديمقراطي -الَّذِي تحوّل إلى خريف في بعض الدول العربية- كشف بشكل لا يدع مجالا للشكّ، أنَّ المجتمعات العربية -ومن بينها المغرب- ما زالت بنيتها الثقافيّة والسياسيّة تعرف انقسامًا حادًا بين تيار الإسلام السياسيّ والتيار العلماني، هَذَا الخلاف يكشف في العمق فشل المدرسة في بعدها الاجتماعي، في بناء مجتمع متضامنٍ ومشبع بالثقافة الديمقراطية، الشيء الَّذِي أدَّى في آخر المطاف إلى تشكيل طائفتين تتعارضان أيديولوجيًا حول تحديد مفاهيم الحرّيَّة والديمقراطية وحرية المعتقد وحقوق الإنسان ومجموعة من القيم، بجانب من يرفض هَذِهِ القيم، ولكنّه يحاول استغلال الديمقراطية ومفارقاتها ليصل إلى سدّة الحكم، وبعدها يعدم هَذِهِ الديمقراطية حزب العدالة والتنمية برئاسة العثماني دليل على ذلك… إذن كيف يمكن للمدرسة أن تكون عنصرًا فاعلًا للمساهمة في تأهيل المواطنين علميًا وعمليًا والمساهمة في تحليل الواقع وتعلم الديمقراطية والتعايش والحرية واحترام رأي الآخر، لتكوين مواطن متسامح ومتفاعل مع محيطه الداخلي والخارجي، بعدما فشلت الأسرة ورفعت الراية البيضاء في ظلّ التحديات الجديدة الَّتِي فرضتها رياح العولمة؟

مما لا يدع مجالًا للشكّ، هو أنّه لا خير في المجتمع إذا لم يراهن على المدرسة، فالمدرسة تكتسي عندنا مكانة خاصة، وتأتي مكانتها من كون ما حدث من ثورات في المجتمعات الصناعية، هو تطوّر لم نعرف منه نحن شيئًا، فالمجتمعات الصناعية المتطورة لكي تصبح كذلك، مرّت عبر أربع ثورات أساسية، ثورة سياسيّة ديمقراطية، وثورة تكنولوجيّة صناعيّة، وثورة اجتماعيّة قضت على بقايا الإقطاع والنظم القبلية ونظم الكنيسة ومختلف أشكال التخلّف، وثورة كذلك ثقافيّة وفكريّة وأيديولوجيّة رسَّخت في هَذِهِ المجتمعات أفـكار العـقلانية والتقدّم والحتـمية والمادية والإيمان بالمستقبل، فإشكالنا في المغرب أنَّنا إلى الآن لم نشهد أي واحدة من الثورات الأربع الَّتِي تم ذكرها.

أنوار المجاهد

تابعنا على الفيسبوك