في الواجهة
آراء شمالية تكشف أن الأحزاب السياسية لا تملك استراتيجية دعم انخراط النساء في العمل السياسي

لم يعد المشهدُ السياسيُّ المغربيُّ يخلو من لغة المناصفة ما بين الرجل والمرأة، وهناك بعض التنظيمات السياسيَّة، الَّتِي ذهبت إلى أبعد من ذلك، وبدأت تطالب بالمساواة ما بين الرجل والمرأة في العمل السياسي، وهو نفس الأمر الَّذِي على ما يبدو تبنّته الدولة المغربيّة، الَّتِي أصبحت تُروّج اليوم في الإعلام العمومي لمسألة المناصفة في العمل السياسيّ؛ استعدادًا للانتخابات المقبلة، وهو الأمر الَّذِي على ما يبدو غير متوفر في أرض الواقع، بل أكثر من ذلك لا أحدًا من الأحزاب السياسية يعمل على إجراء هَذِهِ المناصفة.
إن المُتتبّع اليوم للمشهد السياسي وللاستعدادات الَّتِي تقوم بها الحكومة المغربيّة بمعية الأحزاب السياسية، يتبيّن أنَّ هناك بعضًا من الأحزاب تعمل على محاولة رفع من نسبة المرأة في الانتخابات على المستوى الجهة، وإن كان على حساب نسبة الشباب، إلا أنَّ السؤال الَّذِي يفرض نفسه بشكل كبير جدًا، لماذا لا يلامس المغاربة هَذَا النقاش على مستوى الواقع؟
موقع «لاديبيش 24» ومن خلال متابعتها للنقاش السياسي الدائر على المستوى الجهة عمومًا طنجة تطوان الحسيمة، وخاصة على المستوى الإقليمي طنجة أصيلة، وتُبيّن أنَّ الاستعدادات الكبيرة الَّتِي توجد اليوم شبه فارغة من أسماء نسائيَّة بارزة.
أكيد أن جُلَّ اللوائح الانتخابية مفروض عليها أن تُقدّم لائحة نسائيَّة، لكن أغلب اللوائح الانتخابيَّة العامة للأحزاب السياسية بطنجة «الاستقلال/البام/الأحرار/الاتحاد الدستوري/العدالة والتنمية/الحركة الشعبية/ الاتحاد الاشتراكي/فيدرالية اليسار الديموقراطي…»، نجدها لا تُقدّم أوجه نسائيّة بارزة في مُقدّمة اللوائح، الَّتِي تُقدّم أسماءَ ذكوريةً، هَذِهِ الأسماء خالية أيضًا من الشباب إلا من رحم ربه، فحالات قليلة نجد فيها أنَّ حزبًا ما يُقدّم وكيل لائحته أو وصيف اللائحة من الشباب أو النساء، وهو الأمر الَّذِي يُوضّح أنَّ الأحزاب في فلسفتها بعيدة كلّ البعد عن اقتناعها بدعم النساء وتشجيعهم على الانخراط في العمل السياسي، فما يهمهم هو الحصوص على المقاعد بأيّ طريقة، الأمر الَّذِي يجعلهم مُجبرين على الاحترام القوانين المُنظّمة للعملية الانتخابيّة فقط.
وحتى نقترب أكثر من هَذَا الموضوع موقع «لاديبيش 24» حاولت التواصل مع العديد من المواطنين الَّذِينَ لا يمثلون أحزابًا سياسيّةً لتقريب آرائهم للرأي العام، حتى يكون رأيهم مستقلًا وبعيدًا عن التجاذبات السياسيّة.
- مريم الزموري العلوي: الأحزاب السياسية كلما اقتربت الانتخابات السياسية إلا وأخلفت الموعد
مريم الزموري العلوي/ 39 سنة، تقطن بمدينة طنجة، فاعلة جمعوية، تُؤكّد في تصريح لها خصت به موقع «لاديبيش 24»، أنّ جُلَّ الأحزاب السياسيَّة عندما يتعلّق الأمر بالانتخابات الجماعيّة أو الجهويّة أو النسائيّة، فهي تخلف الموعد للأسف، لأنَّها لا تتبنّى فلسفة تشجيع المرأة المغربيَّة على الانخراط في العمل السياسي.
وأضافت مريم، أنَّ غالبية الأحزاب السياسيَّة بمدينة طنجة لا نجدها تُقدّم أسماءَ نسائيّةً كولاء للوائح، فمثلًا في انتخابات 2015 الجماعية، لا نجد ولو حزب واحد على مستوى المدينة قدّم لائحة وكيلتها المرأة، وهنا يطرح السؤال هل الحل في هذه النساء؟ إذ لا يتوفرن على الكفاءة لقيادة لائحة حزبها للفوز، أمّا الآن فهاجس الانتخابات والحصول على المقاعد هو المتحكم الأساسي في العملية الانتخابيّة، هَذِهِ العملية سنجدها أيضًا في اللوائح الجهويّة والبرلمانيّة، فخلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016، نجد أنَّ أبرز الأحزاب السياسيَّة، الَّتِي تنافس من أجل الفوز بمقعد انتخابي، لا يُقدّمون المرأة كوكيلة للائحة، فيكفي أنه خلال ولايتين انتخابيتين لسنة 2016 وقبلها 2011، لا نجد امرأةً واحدةً من إقليم طنجة أصيلة في قبة البرلمان، أو في منصب العمدة، أو على الأقل يحوّل لها تسيير إحدى المقاطعات الأربع.
- لطيفة العمراني: هل المشكل في المرأة أم في الأحزاب السياسية؟
لطيفة العمراني، شابة مغربيّة، تبلغ من العمر 29 سنة، تعمل كمُوظّفة في مدينة تطوان، تُؤكّد في تصريحها لموقع «لاديبيش 24»، أنَّها بعيدة جدًّا عن العمل السياسيّ، ولا تُفكّر نهائيا في ممارسته، لعدّة أسباب أبرزها أنَّ الأحزاب بمدينتها لا تشجع النساء نهائيًا على الانخراط في العمل السياسي، فالتشجيع لا يكون بدفع المرأة في لائحة انتخابيّة، بل إن الأمر يجب أن يكون ممتدًا في الزمان والمكان، من خلال تكوينها وفتح المجال لها قصد التدرج في العمل الحزبيّ وتحمل المهامّ الحزبيَّة.
لطيفة تُؤكّد أنها طوال حياتها لم تذهب لمكتب التصويت، ولا تنوي ذلك؛ لأنَّ الأحزاب لا تُقرّر ولا تُسيّر، وإنَّما هي آلية معمولة للتنفيذ فقط، وأضافت في معرض حديثها، إذا ما حاولنا أن نلقي نظرة على اللوائح الانتخابية لسنة 2015 بتطوان، الَّتِي تهمّ الانتخابات الجماعية، لن نجد أيَّ لائحة حزبيّة كانت تنافس على الفوز برئاسة المجلس، قدَّمت امرأة كوكيلة للائحة، وهنا يتبيّن أنَّ لغة المناصفة فقط هي لغة للتسويق الإعلامي والدولي، وهو أمر مفروض على المغرب؛ لأنّه مرتبطٌ بعدد من المواثيق الدوليّة، الَّتِي تفرض عليه تشجيع المرأة على الانخراط في العمل السياسيّ وتحملها المسؤولية السياسيَّة.
لطيفة، تقول إذا ما ألقينا النظرة على الأحزاب السياسيَّة بتطوان وعلى شبيباتها، لن نجد ولو تنظيمٍ سياسيٍّ واحدٍ يساريًا كان أم يمينيًا أم حزبًا إداريًا أم إسلاميًا، يضع على رأسه امرأة ككاتبة محليّة، فهل إذن الأمر يتعلق بخلفية المجتمع؛ كون أنَّ المرأة لن تمتلك القدرة على التسيير؟ أم الأمر أكبر من ذلك؟
- حنان العمارتي: للمرأة الريفية عوامل ذاتية وموضوعية تحرمها من الانخراط في العمل السياسي
وبمدينة الحسيمة، تلك المدينة المحافظة، الَّتِي يصعب أن نجد امرأة تمارس العمل السياسي أو تشارك في تحمّل مسؤولية تسيير جماعة ما أو حزب ما، نظرًا للوضع المحافظ الَّتِي تعيشه هَذِهِ المدينة المحيطة بعددٍ كبيرٍ من القرى المحافظة، لن نجد المرأة كفاعل سياسيّ مُهمّ تنخرط في الحياة السياسيَّة، موقع «لاديبيش 24» وبمشقة الأنفس، تواصلت مع حنان البالغة من العمر 35 سنة، كانت مناضلة في أثناء دراستها في الجامعة بمدينة تطوان، وحاولت النضال بالجمعية الوطنية لحاملي الشواهد بالمغرب، إلا أنَّها وجدت الأمر صعبًا للغاية.
حنان وفي تصريح خصت به موقع «لاديبيش 24»، أكَّدت لنا أنّه من الصعب أن نتحدّث عن النساء كفاعل سياسيّ مُؤثّر بمدينة الحسيمة؛ لعدّة عوامل منها الذاتيّة وتتعلّق بعقلية العائلات بالريف، والكيفية الَّتِي تربت عليها المرأة وما بين العامل الموضوعيّ المُتمثّل في كون أنَّ الأحزاب السياسيَّة، لا ترى في النساء ضرورةً مُلحةً في تنظيماتهم على المستوى الإقليميّ بالحسيمة، فعلى مرّ السنوات لا نسمع ولن نسمع على ما أظن أنَّ امرأة تُسيّر المجلس الجماعي للمدينة، أو تسير إحدى الجماعات القرويّة، ولا نسمع أنّ امرأة وكيلة للائحة بمدينة الحسيمة، وهو أمر يطرح أكثر من علامة استفهام، لأنَّ الأمر ليس بالعادي.
- فاطمة الروداني: الأحزاب السياسية بوزان لا تهتم بالنساء
نفس الأمر، أكدته لنا امرأة من وزان تدعى، فاطمة الروداني، قالت إنَّنا لم نتربى أصلا في مدينة مثل الوزان على العمل السياسي، فطوال حياتي، لا أرى تقربًا لأي حزب السياسي بمدينة وزان من النساء، ولا أرى محاولة استقطابهن، كما لا أرى تشجيعهم على تحمل مسؤولية سياسية.
فعند اقتراب الانتخابات الجماعيّة أو التشريعيّة، تبرز لنا بارونات الانتخابيّة، الَّتِي تملتك المال ومخضرمة في العملية الانتخابية، في تهميش تامّ للمرأة الَّتِي تصبح ضرورة فقط، لأنَّ اللوائح تفرض وجود النساء، فغالبية الدوائر ينجح فيها الرجال، لهَذَا لا داعي اليوم أن نحاول تصريف خطاب المناصفة، لأنَّ أحزابَنا غير مؤهلة ومقتنعة للعب هَذَا الدور.
- أمينة النورس: المرأة اليوم تحتاج إلى ثقة ودعم
أمينة نورس، في مقتبل العمر حاصلة على شهادة الماستير في العلوم السياسية، عاطلة عن العمل وتستقرّ في مدينة العرائش، في معرض حديثها مع موقع «لاديبيش 24»، أكَّدت أن وضعية المرأة في العمل السياسيّ بالعرائش، هي صورة مُصغّرة لوضعية المرأة على المستوى الوطنيّ.
نورس تُؤكّد أنَّ خطابات المناصفة بين الرجل والمرأة، خطاب مستهلكٌ وقديمٌ لا يجد راهنيته في الممارسة الداخلية للأحزاب، ودليلٌ على ذلك هل يوجد حزب على المستوى المحلّيّ أو الإقليميّ أو الجهويّ بجهتنا تُسيّره امرأة، هل يوجد بعرائس جماعة قروية أو مجلس المدينة تسيره المرأة، هل توجد برلمانيّة اليوم امرأة من إقليم العرائش القصر الكبير، هل نرصد لائحة حزبيّة في الانتخابات الجماعيّة والتشريعيّة تضع في مقدمتها امرأة.
وتضيف، هل نجد القطاعات الموازية الشبيبات والقطاع الطلّابي، وغيرها من قطاعات على رأسها شابات؟ الإجابة إذن صادمة لا، فكيف إذن يمكن لنا أن نثق بهَذَا الخطاب ونحن لا نرصد عملية تأهيل المرأة سياسيًا، كما لا نرصد أيضًا أيَّ استراتيجية واضحة المعالم تشجع المرأة على الخوض العمل السياسي، فالمرأة لا تحتاج كوطا النساء بل تحتاج إلى ثقة ودعم.
- كريم العافية.. ما الَّذِي يشجع المرأة للانخراط في الشأن السياسي
موقع «لاديبيش 24» ومن خلال محاولة تواصلها أيضًا مع أحد الشباب من مدينة طنجة، أكَّد لنا في معرض كلامه، ما الَّذِي يُشجّع المرأة عامّة والشابان على الوجه الخصوص للانخراط في العمل الحزبي، إن كان التأطير مُنعدمًا، والتحفيزات والتشجيع غير موجود، بل أكثر من ذلك لا توجد نية في تأهيل المرأة لتحملها مسؤولية سياسيّة.
ويضيف الشاب كريم العافية، أتمنّى بالفعل أن نصل يومًا ما إلى تفعيل خطاباتنا، باختصار شديد النساء والشباب لا يجدون أنفسهم في أجندة الأحزاب السياسيّة، لهَذَا نحن بعيدون كل البعد لكي نرى في يوم من الأيّام أن نجد الشباب أو النساء يُهيّمنون على العمل الحزبي والسياسيّ، ويتحملون مسؤوليات كبيرة في التسيير وتدبير المؤسّسات التشريعيَّة والمنتخبة.
