تواصل معنا

مجتمع

تحقيق: المخدرات «القاتل الصامت».. مروجوها ينتشرون في محيط المدارس والأحياء الشعبية

من إنجاز: المختار لعروسي

 

لم تعد المدارس ببلادنا ملاذًا للتربيَّة والتكوين والتحصيل العلميّ فقط، وذلك حسب الدور المنوط بها كمؤسّسات تسعى إلى إخراج أجيال متعلّمة ومتنورة قادرة على المساهمة في تطوير وازدهار الوطن، بل أصبحت وجهةً رئيسيَّةً، بل أساسية لمروجي المخدرات، إذ أضحت ظاهرة تعاطي المخدّرات في المؤسّسات التعليميَّة واحدة من أبرز الإشكالات الَّتِي يمكن أن تعيق السير العادي للمؤسسات التعليميَّة، نظرًا للمشكلات الصحيَّة والنفسيَّة والجسديَّة، الَّتِي تسبّبها لشباب في مقتبل العمر ومُراهقين في عمر الورد، الَّذِينَ أصبحوا أسرى لهَذَا السمّ القاتل، منهم من تدارك نفسه قبل فوات الأوان، ومنهم من ما زال غارقًا في براثن الأقراص المهلوسة «القرقوبي» والمعجون والحشيش والسجائر والشيشة والكالا، ومخدرات أقوى وأخطر.. وجميعها تستلب العقل وتفقد الإرادة.

فالمؤسسات التعليميَّة لم تعد مؤمنة من هَذَا الجانب، خصوصًا أن تستقبل شبابًا في سنّ المراهقة تتوفر فيهم جُلّ أسباب الإدمان وعوامله، الأمر الَّذِي يستغله المعنيون بالأمر بدقّة متناهية، في غياب مقاومة حقيقيَّة من طرف الجهات المسؤولة والمختصّة، لأنَّ الأمر يتعلق بسلامة جيل يُعدُّ مستقبل الوطن، فبدون شباب سليم جسدًا وعقلًا، لا يمكن الحديث عن دولة مزدهرة ومتطوّرة ومتقدّمة.

وطنجة الَّتِي تُعدُّ مهد الحضارات وملتقى الثقافات وتلاقح وتعايش الأديان، للأسف ليست في معزل عما يقع، بل تعاني أكثر من المدن الأخرى؛ نظرًا لموقعها الجغرافي القريب من أوروبّا، وأيضًا نظرًا للتطبيع التاريخي الحاصل للساكنة عبر عقود مع العديد من أنواع المخدرات مثل: «الحشيش والكيف»، فمحيط كثير من المؤسّسات التعليميَّة بمدينة طنجة تجعلك تتخيّل نفسك وكأنك وسط أحياء شعبيَّة، حيث لا شيء يروج أكثر من استهلاك المخدرات، الَّتِي تروّج بشكلٍ مقيت، يتم فيه استهداف الشباب في ظل غياب ضمير إنسانيّ، وللاقتراب من هَذِهِ الظاهرة حاولنا التواصل مع العديد من الأطراف حتّى تتّضح الصورة أكثر.

تحقيق جريدة «لاديبيش»، لم يكن بالأمر السهل ولا الهين، فحتى نستطيع نقل المعطيات الحقيقيَّة بدقّة ومهنيَّة واجهتنا صعوباتٌ عديدةٌ، لكن استطعنا جمع عديد من المعطيات الصادمة لتقديمها لمتتبعي وقراء الجريدة.

  • باي باي المدرسة.. وداعًا للمدرسة!

خالد، شاب يبلغ من العمر 19 سنة، انقطع عن الدراسة في مستوى الأولى بكالوريا، بعدما تعذّرت عليه المواصلة؛ نظرًا للغيابات المتكرّرة ولرسوبه الدائم، الأمر الَّذِي أثر في علاقته مع الأطر التربويَّة بالمؤسّسات التعليميَّة الَّتِي كان يدرس بها.

خالد يحكي بحرقة كبيرة لجريدة «لاديبيش» قصته مع المخدرات قائلًا: «أنا ابن منطقة بنديبان ودرست بالثانويَّة الإعداديَّة عبد الرحمان والتحقت بعدها بالثانويَّة التأهيلية محمد بن عبد الكريم الخطابي، خلال السنة الأخيرة من وجود بإعداديَّة مولاي عبد الرحمن، حاول معي بعض الأصدقاء من تجريب تدخين السيجارة الإلكترونيَّة والحيش، لكن رفضت بقوّة الأمر وحاولت الابتعاد عنهم، حتّى أتمكّن من النجاح في السنة التاسعة الإعدادي، وهو ما حصل واعتقدت آنذاك أنّني أُمثّل شخصيَّة قويَّة سوف تمكنني من الحماية والحفاظ على نفسي.

لكن يضيف خالد، خلال السنة الأولى من وجودي بالمؤسّسة التعليميَّة محمد بن عبد الكريم الخطابي، كنت قد تعرَّفت على صديق، كان دائمًا يشجّعني على الهروب، وكنا نجلس خلف سور المدرسة.. تزامن ذلك مع وفاة والدتي وزواج والدي بامرأة أخرى كانت تعاملني بقساوة كبيرة أنا وأختي الصغيرة، كان هروبي من المدرسة بداية لتجربة المخدرات، حيث بدأت أوّل مرّة بالسجائر ثم الحشيش، وما إن مرت ستّة أشهر حتى أصبحت آخذ بعض أنواع الأقراص، الأمر الَّذِي صعّب عليّ التركيز في الدراسة ومواكبتها، فبدأت أنقطع عن المؤسّسة حيث كرَّرت عدّة مرات حتّى تم فصلي عن الدراسة.

خالد وهو اسم مستعار، أكّد في تصريح خصّ به جريدة «لاديبيش»، أن جُلّ أنواع المخدرات الَّتِي استعملها عندما كان يدرس كان يقتنيها من محيط المدرسة فقط، بما فيها مخدر «الكوكايين»، فهناك من كان يُوفّرها للشباب الَّذِي يريدها.

  • من تلميذ نجيب إلى متعاطي المخدرات إلى مثلي الجنس

صدمة كبيرة صدم بها خالد هيئة تحرير «لاديبيش»، عندما تحدّث في البداية بجرأة كبيرة عن الطريقة الَّتِي كان يُوفّر بها الأموال، ففي البداية كان الأمر بسيطًا لكن مع الوقت كان يحتاج إلى مبلغ مالي قار كلّ يوم، دفعه ذلك إلى بيع عددٍ من أغراضه وهَذِهِ وملابسه، كما بدأ في عملية سرقة الحاجيات من المنزل، بعد ما طرد من المنزل بدأ يسرق في الحي الَّذِي يقطنه ويعمل في أي شيء.

إلى حدود هَذِهِ الأسطر، كلّ شيء كان عاديًّا فيوسط متعاطي المخدرات، فهَذِهِ أبرز وأهم الطرق الَّتِي يمكن لمتعاطي المخدرات أن يُوفّر من خلالها الأموال، لكن خالد الَّذِي انهار بالبكاء عندما صرح، أنّه قبل أن يُمارس عليه الجنس من طرف رجلٍ كبيرٍ بشكل مُستمرّ حتّى يُوفّر له ما يحتاج إليه من الأموال لدرجة أنّه أصبح يعيش معه بشكل يوميّ ودائم، لكن وفاة الرجل خلف صدمة أخرى، فخالد أصبح مدمنًا وشاذًا، واليوم يحاول العلاج والتتبّع النفسيّ للخروج من هَذِهِ الوضعيّة.

  • مخدرات بمحيط المؤسسات التعليمية.. هل من منقذ؟

أما رشيد، وهو حارس عام تحفظ على ذكر اسم مؤسّسته، فأكّد لنا أنَّ المؤسّسات التعليميَّة أصبحت تُواجه خطرًا كبيرًا يتمثّل في ترويج المخدرات، وهو الخطر الَّذِي برز بشكل جليّ منذ سنوات وليس أمرًا حديثًا، ويتابع حديثه قائلًا: «لا يمكن أن تسمح السلطات لبائع السجائر بالتقسيط بالوقوف أمام أبواب المؤسّسات التعليميَّة ونحلم بوجود مؤسّسات دون تلاميذ مدخنين، هَذَا بالإضافة إلى أنّ السجائر هي المدخل الأول والطبيعي لباقي أصناف المخدرات».

وأضاف المتحدث ذاته، أنَّ مُروّجي المخدرات أصبحوا يتربصون بمحيط المدرسة وبدؤوا يجدون في الشباب المراهق سوقًا خصبة للترويج، فكم من تلميذ تحوّلت حياته وانقطع عن الدراسة وأصبح مدمنًا على المخدرات، فقط لأنَّ محيط المؤسّسة التعليميَّة مليء بالمروّجين، والمقصود بالمحيط هو ما حول سور المدرسة والأحياء الشعبيَّة المجاورة لها.

بدر أستاذ يعمل بإحدى المؤسّسات تعليميَّة بإحدى الأحياء الشعبيَّة، يُؤكّد في تصريح خصّ به جريدة «لاديبيش»، أنَّ المؤسّسات التعليميَّة الَّتِي يشتغل فيها، تقع في أحد معاقل المخدرات، فبجانب المؤسّسة التعليميَّة كانت هناك «الخراب»، يتعاطى فيها متعاطو المخدرات الصلبة والقويَّة، كما أنّه بباب المؤسسة التعليميَّة كان هناك شخصٌ يبيع بالتقسيط والجملة، وهو الأمر الَّذِي يُشجّع الشباب على التعرّف على بعض أنواع المخدرات، بل يطبع معها بشكل عادي.

وأكّد في التصريح ذاته، أنَّ أحد الشباب كان يدرس بذات المؤسّسة التعليميَّة وكان يحاول توفير الأقراص المهلوسة والحشيش لزملائه في الدراسة، حتّى يفتح سوقًا للاستهلاك، وعند البحث عن أصوله تمّ التأكّد أن والده يتاجر بالمخدرات وكان يقضي عقوبةً سجنيَّةً بسبب تجارته بالموادّ الممنوعة.

بدر يؤكد أنَّ إدخال المخدّرات إلى المؤسّسات التعليميَّة عبر توفيرها بمحيط المؤسّسات أمر مخطط له، ووجب التصدّي بعقلانيَّة كبيرة، حتّى تبقى المؤسّسة التعليميَّة خصوصًا المدرسة العموميَّة فضاءً للعلم والتحصيل العلميّ، مُعلّلًا ذلك أنَّ المؤسّسات الخصوصيَّة أكثر تحصينًا من المؤسّسات العموميَّة لمجموعة من الأسباب والعوامل، أبرزها الفضاء الَّذِي تُوجد فيه أغلب المؤسّسات التعليميَّة الَّتِي تنتمي إلى المدرسة العموميَّة، المدرسة الَّتِي أنجبت مئات من الأطر.

  • أحياء شعبية أضحت معاقل الإدمان

أما «با حميد» وهو أحد أقدم سكان حي «المصلى» الشعبي، يقول في تصريح لجريدة «لاديبيش»، إنَّ الحي الَّذِي يقطنه توجد به عديد من المؤسّسات الابتدائيَّة والإعداديَّة والثانويَّة، ورغم ذلك يعرف ترويج جميع أنواع المخدّرات، متسائلًا: «فكيف إذن يمكن أن نتحدث عن وسط مدرسي جيد، إذا كانت الأحياء الَّتِي يسكنها التلاميذ لا تبتعد إلا بعشرات الأمتار عن المؤسسات التعليميَّة؟».

ويضيف «با حميد» بمرارة كبيرة أنَّ المؤسّسات التعليميَّة اليوم أصبحت مستهدفة أكثر من أي وقت مضى، «فعوض تقويَّة القطاع وتعزيز بنياته التحتيَّة وإشراك كل الفاعلين والمهتمين بالشأن التربوي من أجل إعادة المجد للمدرسة العموميَّة، إذ أصبحنا اليوم نرى أن المدارس تخرج لنا أفواجًا من المدمنين على المخدرات، وهَذَا أمر يُهدّد بالوطن، الوطن الَّذِي كنا نفتخر بما تنتجه لنا من أطر».

وغير بعيد أكّدت امرأة سبعينيَّة تُسمّى بـ«رحيمو»، أنّ حيّها الصغير بمنطقة المصلى أصبح مرتعًا لتعاطي المخدرات، فكل منزل لا بُدَّ أن تجد شخصًا يتعاطى المخدرات القويَّة، أمّا الحشيش فللأسف أصبح أمرًا عاديًّا، إذ ثم تطبيع مع الأمر لدرجة غريبة جدًا وغير مفهومة.

رحيمو تضيف أنَّ شباب المنطقة أو الحي ضاع في غفلة من الكل، فالكل يتحمّل مسؤوليته المدرسة والأسرة والجيران والمحيط، الكل أسهم في القتل الرمزي لهَؤُلَاءِ الشباب ضحايا الإدمان وضحايا انعدام الضمير.

والغريب في قول ذات المصرحة، أنَّ من بين هَؤُلَاءِ شباب تلاميذ يدرسون في المدرسة وأصبحوا يقومون بتعاطي المخدرات، بل منهم من يروجها لكسب مدخول مادي، فالحي الشعبي الغارق في المخدرات سوف يؤثّر -دون شك- في محيط المدرسة الَّتِي أصبحت مستهدفة.

  • تجربة مريرة

من ناحيته يقول أنور، الفاعل الجمعوي بالحي المصلي، الَّذِي ينتمي إلى مقاطعة طنجة المدينة، وهو الَّذِي يبلغ من العمر 40 سنة، أنَّ المدرسة العموميَّة أصبحت مستهدفةً من طرف مروّجي المخدرات، ويضيف المتحدّث الَّذِي درس بإحدى أقدم الثانويات بمدينة طنجة والموجودة قرب متنزه «عين قطيوط» قريبا من وسط المدينة، أنّه كان ضحيَّة الانسياق وراء «التجربة غير محسوبة العواقب» ففي بداية الألفيَّة الثانيَّة وبالضبط في الموسم الدراسي 2000/2001، جرّب تدخين سيجارة بعدما اقتناها من بائع بالتقسيط في أمام باب المؤسّسة، بعد أن حرّضه أحد الغرباء الَّذِينَ كانوا يدخلون المؤسّسة رغم عدم وجود أي صلة تربطهم بها.

ويتابع أنور الحديث عن تجربته بحسرة بادية على مُحيّاه ونبرات صوته، «اعتدنا على تدخين السجائر ثُمّ انتقلنا إلى الحشيش، تارة في ساحة المؤسسة وتارة في المرحاض، فساحة المؤسّسة كبيرة جدا ولا يمكن مراقبتها من طرف حارسين أو ثلاثة». ويضيف «الفضول وحب التجربة والاغترار بالآخرين كلها عوامل قادتني للتعرف على أنواع مخدرات أخرى، حيث كنا ننظّم حفلات يحضرها شباب وشابات بإحدى القاعات أو بمنزل مكترى، وكنا آنذاك نتعاطى عديدًا من الأصناف الَّتِي كانت تُعدُّ «موضة» مثل المعجون وبعض الأقراص، ومع إيقاعات الموسيقى كنا نشعر بسعادة وفرح كبيرين، هَذَا الفرح الَّذِي سرعان ما نكتشف أنّه وهم فقط».

سمير، شاب ينتمي لمقاطعة بني مكادة، يقول في تصريح خصّ به جريدة «لاديبيش»، إنَّ الفقر والعوز والانقطاع على الدراسة، كانت سببًا له في التعرّف على أشخاص دفعوه لبيع أقراص إكستازي لعددٍ من تلاميذ المؤسّسات التعليميَّة بطنجة.

ويضيف رغم محاولات البعض بنفي خبر وجود المخدرات -بشكل كبير- في محيط المؤسّسات التعليميَّة، فإنّه للأسف هَذَا هو واقع مؤسساتنا التعليميَّة بطنجة، فقد أصبحت سوقًا استهلاكيَّة كبيرة. يؤكد سمير أنَّ السلطات الأمنيَّة يجب أن تتحمّل مسؤوليتها أكثر وتتحرّك من أجل إيقاف هَذَا النزيف الَّذِي ينخر في عقول وأجساد فلذات أكبادنا، فكل يوم نصلّي على شاب كان مستقيمًا واليوم يسلك كل الطرق الانحرافيَّة من أجل تعاطي المخدرات، فقد دخل في بحر الإدمان ولا أحد يستطيع إنقاذه للأسف.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي يكشف معطيات خطيرة: أكثر من 9% من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرّة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي

كشف المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ في المغرب، المخاطر المتزايدة الَّتِي يُسبّبها الإدمان في المجتمع، داعيًا إلى الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام موادّ مُخدّرة أو ممارسة إدمانيَّة، بوصفه «مرضًا يتطلّب علاجًا»، وقابلًا من الناحيَّة القانونيَّة للتكفّل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحيّ والحماية الاجتماعيَّة.

وأبرز رئيس هَذِهِ المؤسّسة الاستشاريَّة، أحمد شامي، الأربعاء، أهميَّة «مراجعة القانون الجنائي، بما يسمح من جهة بالتطبيق الممنهج للمقتضيات القانونيَّة الَّتِي تُلزم متعاطي المخدرات بالخضوع للعلاج، ومن جهة أخرى، العمل على تشديد العقوبات ضد شبكات الاتّجار في المخدّرات والموادّ غير المشروعة».

وأكّد أنَّ «العالم يشهد تطورًا للسلوكيات الإدمانيَّة، سواء تلك المرتبطة باستخدام موادّ مشروعة وغير مشروعة، كالتبغ والسكر والكحول والمخدرات وغيرها، أو بممارسة أنشطة قد تُسبّب الإدمان، كألعاب الرهان وألعاب الفيديو والإنترنت وغير ذلك»، مُشيرًا إلى أنَّ المغرب «ليس استثناءً عن ذلك الوضع».

  • أرقام مخيفة

وكشف شامي عن نتائج عددٍ من البحوث والدراسات الميدانيَّة، الَّتِي تمّ إنجازها حول الإدمان بالمغرب في السنوات الأخيرة، لافتًا إلى وجود أكثر من 6 ملايين من المدخنين، 500 ألف منهم أقل من 18 سنة، ونحو 18500 شخص يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.

كما أوضح أن «أكثر من 9% من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرّة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي، بالإضافة إلى ممارسة 3.3 مليون شخص ألعاب الرهان، وتنامي الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والإنترنت، خاصّةً في صفوف المراهقين والشباب».

وفي هَذَا الصدد، قال الخبير النفسي عثمان زيمو، إنّ «الإدمان هو فشل سلوكيّ بسبب شكل من أشكال التكييف المتكرر، الَّذِي يترسّخ في نمط حياتنا اليوميّ، ويثير هَذَا التثبيت حاجة شديدة ورغبة دائمة في الشيء». وتابع لموقع «سكاي نيوز عربيَّة»: «منذ تجارب العالِم بافلوف في دراسة السلوك، رأينا أنَّ سلوك البشر هو نتيجة للتعلّم المتكرّر؛ والإدمان هو تعلّم في غير محله ويمكن أن يؤثر في بنيتنا النفسيَّة».

وأورد زيمو مثال «مخدر الحشيش»، قائلًا: «هو مادة تمنح الشعور المؤقت بالاسترخاء والهدوء والراحة، لكنه قد يُسبّب أمراضًا نفسيَّة خطيرة كالشيزوفرينيا، إلى جانب أعراض جسديَّة مُدمّرة». واستطرد: «أما المشروبات الكحولية فتبدد جميع أشكال القلق ويضخم المشاعر، ما يعطي شعورًا خادعًا بالنشوة، أو الكوكايين الَّذِي أسميه (المادة النرجسيَّة)، الَّتِي تضخّم شعور (الأنا) وتعطي قوة نفسيَّة مُصطنعة، وتترك صاحبها عرضة للانهيار بعض انقضاء المفعول المؤقت وتدمر جهازه العصبيّ»

وتطرَّق زيمو كذلك إلى «القمار القهري»، مُوضحًا أنّه «يدفع صاحبه إلى مزيد من المخاطرة الماليّة، والدخول في دوامة الاقتراض والإفلاس والتشرّد في أحيان كثيرة».

  • حسنونة تدق ناقوس الخطر

دقت جمعيَّة «حسنونة» لمساندة مستعملي ومستعملات المخدرات، ناقوس الخطر بعد رصدها تزايد أعداد القاصرين، الَّذِينَ يتعاطون المخدرات بشكل مُثير بطنجة، وقال مسؤولو الجمعيَّة في عددٍ من تصريحات إعلاميَّة سابقة، إنَّ هَذِهِ الظاهرة الَّتِي استفحلت تتجلّى من خلال غياب الخدمات الصحيَّة والاجتماعيَّة خاصة منها المتعلّقة بمرض الإدمان، والاضطرابات النفسيَّة والسلوكيَّة الَّتِي يعاني منها هَؤُلَاءِ القاصرون، ما يُؤدّي إلى الإقصاء الاجتماعي وحرمانهم من حقوقهم الصحيَّة والاجتماعيَّة، ويمكن الجزم بأنَّ الوضعيَّة الَّتِي يعيشها القاصرون المتعاطون للمخدرات، خاصّةً من هم في وضعيَّة الشارع تحتاج إلى القيام بعملٍ كبيرٍ من أجل تغييرها رغم الجهود الَّتِي بذلت للنهوض بأوضاعهم على جميع المستويات.

وأكّدت الجمعيَّة، أنَّ القاصرين المتعاطين المخدرات يعيشون مجموعةً من الإكراهات المجتمعيَّة والحقوقيَّة، الَّتِي تحول دون إدماجهم التامّ والفعليّ داخل المجتمع، هَذِهِ الوضعيَّة الَّتِي زادت من حدة هشاشتهم، وستُسهم مباشرةً في ارتفاع نسب الفقر والجريمة، كما أنَّ معدلات العنف الجسدي والجنسي، وكذا النفسي تعرف ارتفاعًا تدريجيًّا في صفوف هَذِهِ الفئة.

وشدَّدت الجمعيَّة، على أنّه للوصول إلى حلول ناجعة حول هَذَا المشكل، لا بُدَّ من تطبيق السياسة العموميَّة المندمجة لحماية الطفولة كما تمّ التنصيص عليها، والمعتمدة منذ 03 يونيو 2015، وتوفير الموارد البشريَّة المؤهلة للاشتغال مع الشباب والقاصرين المتعاطين للمخدرات، داعيَّة إلى ضرورة التنسيق بين مختلف الوزارات المعنيَّة من أجل توفير خِدْمات صحيَّة شاملة للقاصرين المتعاطين للمخدرات، والعمل على ضمان مجانيَّة العلاج لهم، ثُمّ عقد شراكات والتنسيق مع مجلس الجهة من أجل خلق فضاء خاصّ بالشباب والقاصرين المدمنين.

كما دعت الجمعيَّة إلى ضرورة تكوين أولياء الأمور وتزويدهم بالمعلومات الكافيَّة حول مشكل تعاطي المخدرات، حتى يتمكّنوا من التعرّف على مظاهر التعاطي في مراحله الأولى، فضلًا عن العمل على تطوير برامج الوقاية من أجل الاشتغال مع القاصرين داخل المؤسّسات التعليميَّة، وتوفير مراكز للإيواء من أجل تجاوز مشكل القاصرين المتعاطين للمخدرات في وضعيَّة الشارع بتنسيق بين وزارة الصحة والعدل، وكذا التربيَّة والتكوين، كما نبّهت إلى خلق خلايا خاصة بهَؤُلَاءِ داخل النيابة العامة تتكوّن من مجموعة من الفاعلين المهتمين بالمجال، ناهيك عن خلق نوادٍ خاصة بالتوعيَّة والتحسيس من مخاطر تعاطيها داخل المؤسّسات التعليميَّة.

  • مدير المديريَّة الإقليميَّة «رشيد ريان» يدق ناقوس الخطر

بدوره دقّ مدير المديريَّة الإقليميَّة لنيابة التعليم بطنجة أصيلة، خلال تصريح إعلامي حديث، ناقوس الخطر بسبب انتشار المخدرات بمحيط المؤسسات التعليميَّة متحدثًا بالضبط عن ارتفاع أعداد مقاهي الشيشا، الَّتِي يلجأ لها عددٌ من المتمدرسين والقاصرين.

وأكّد ريان أنَّ جُلّ فعاليات المجتمع المدني يجب أن تتحرّك لإيقاف هَذَا القاتل الصامت الَّذِي ينخر عقول وأجساد شبابًا في مقتبل العمر.

  • غياب العلاج من الإدمان للقاصرين

إذا كانت مدينة طنجة الَّتِي تتوافر على أربع مراكز طبّ الإدمان، مُوزّعة على المقاطعات الأربع، فإن غالبيَّة متعاطي المخدرات ما عدا الهيروين، لا يجدون فضاءً طبّيًّا يتعالجون فيه، ويضطرون للذهاب إلى طبيبٍ خاصٍّ، فالمراكز تستقبل فقط أصحاب تعاطي المخدرات القابلة للحقن وبالضبط مادة الهيروين.

أمَّا الشباب القاصر فيجد صعوبةً أكبرَ فهو محروم من جُلّ هَذِهِ الخدمات، فالمرافق الصحيَّة الَّتِي لها علاقة بالعلاج من الإدمان مفتقدة ومغيبة بشكل كبير ونهائي، وهَذَا ما يزيد من خطورة إدمانهم، فهم محكمون بقوانين تتعلّق بضرورة الرشد والوصول للسنّ القانونية.

من جهة أخرى غالبيَّة هَؤُلَاءِ الشباب رغم معاناتهم فهم لا يستطيعون البوح لأسرهم أو لمحيطهم بمشكلات الإدمان الَّتِي تُواجههم، وبالتالي يستمرّ الشاب في إدمانه بشكلٍ سريٍّ لتتعقد بذلك عملية علاجه.

ويضيف المتحدّث أنّه يجب فتح الأبواب أمام الجمعيات الهادفة لتتدخّل داخل المؤسسات التعليميَّة قصد لعب دور الوقاية الأوّليَّة من أجل الحدّ من هَذِهِ الظاهرة.

  • انخراط المجلس الجماعي في دعم مقاربات الوقاية الأولية من تعاطي المخدرات في صفوف الشباب

أمام هَذِهِ الظاهرة الخطيرة جدًا والممتدة في الزمان والمكان، كان لا بُدَّ من المؤسّسات المنتخبة أن تنخرط في عملية رفع توعيَّة الشباب من مخاطر تعاطي المخدرات، حيث نجد المجلس الجماعي لطنجة، قد انخراط في عملية دعم مشروع الوقاية الأوّليَّة من تعاطي المخدرات في صفوف الشباب المتمدرس، وهو برنامج تنفّذه جمعيَّة حسنونة داخل المؤسّسات التعليميَّة بدعم وتنسيق وبشراكة مع المديريَّة الإقليميَّة للتعليم، وهو ما نُفّذ لمدة زمنيَّة، لكن توقّف في عهد حزب العدالة والتنميَّة الَّذِي كان يُسيّر المجلس الجماعي لأسباب اعتبرتها الجمعيَّة واهيَّةً وغير مفهومة.

فإنّ هَذَا المشروع عاد في جدول أعمال المجلس الجماعي بطنجة لدورة أكتوبر 2023، حيث خُصّص غلافٌ ماليٌّ جيّدٌ كشراكة تجمع بين المجلس الجماعي وجمعيَّة حسنونة لرفع منسوب الوعي في صفوف المتمدرسين من مخاطر تعاطي المخدرات، وامتلاك أدوات تسهم في الرفع من القدرات الذاتيَّة.

  • دعوات للتحرك

أما سعيد وهو أستاذ يعمل بإحدى أقدم المؤسّسة التعليميَّة بمقاطعة بني مكادة، الَّذِي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل نظرًا لحساسيَّة الموضوع، فيُؤكّد أنَّ محيط المؤسسة يؤدي دورًا كبيرًا في التنشئة الاجتماعيَّة، «فكيف يعقل أن نكون في منطقة تباع فيها المخدرات بشتى أنواعها بما فيها المخدرات القويَّة، بشكل علنيّ ومفضوح ثم نتحدث عن رغبتها في مؤسسات خالية من المخدرات، لأن هَؤُلَاءِ التلاميذ والتلميذات ينحدرون من غالبًا من مناطق شعبيَّة ويتأثرون بما يشاهدونه، خصوصًا إذا تعلق الأمر بأحد الجيران أو الأقارب ويكون الملاذ الأقرب لتحقيق شهوتهم في التعاطي هو محيط المدرسة».

ويضيف المتحدث نفسه، لجريدة لاديبيش قائلًا: «إن الأطراف المعنيَّة بما فيها جمعيات أولياء وآباء التلاميذ وجمعيات الحي عليها أن تنخرط في المنظومة التعليميَّة الَّتِي يجب أن تتبنى مقاربة تقويَّة القدرات عند التلميذ حتّى يتمكّن من اتّخاذ القرارات الصائبة، خصوصًا في مرحلة المراهقة وهي المرحلة الَّتِي يكون فيها الشباب عرضةً للإدمان على المخدرات».

ويسترسل الإطار التربوي قائلًا «لا يخفى على أحد ما أصبحت تشهده العديد من المؤسّسات التعليميَّة من ظواهر استعمال المخدرات من طرف التلاميذ والتلميذات، لهَذَا يجب على كل المسؤولين الإقرار بوجود المخدرات في محيط المدراس، حتّى نتمكّن من فتح نقاش وطني هادئ ومسؤول، الأمر الَّذِي سيُمكننا من إيجاد آليات قادرة على الحدّ من هَذِهِ الظاهرة الَّتِي بدأت تتفشى بمؤسّساتنا التعليميَّة بشكل كبير».

  • أدوار من خارج المدرسة

ومن جهته، يُؤكّد محمد وهو رئيس جمعيَّة آباء وأولياء التلاميذ بإحدى الإعداديات أنه يصعب عليه أن يسمع من أحد المسؤولين عن المؤسّسات التعليميَّة، أنَّ مؤسّسته ليست عرضة لوجود المخدرات بفضائها أو محيطها، فالمؤسّسة التعليميَّة الإعداديَّة والثانويَّة خاصة يدرس بها تلاميذ في سنّ المراهقة وتتوافر فيهم جميع الشروط ليصبحوا عرضةً للإدمان، مدفوعين بعوامل الفضول وحبّ التجربة والاستطلاع والقدوة السيئة والمشكلات العائليّة وغيرها، وهنا تصبح المدرسة وجهة مُفضّلة لمروجي المخدرات، إمّا داخل المؤسسات التعليميَّة وإما بمحيطها».

ويضيف قائلا «مثلًا في المدرسة الَّتِي أحمل فيها صفة رئيس جمعيَّة آباء وأولياء التلاميذ، أرى عدة تلاميذ يدخنون السجائر في محيط المدرسة، وأظن أنّها إشارة واضحة كون هَؤُلَاءِ التلاميذ المدخنين أكثر عرضة ليصبحوا مُدمنين على عدة مخدرات أخرى، على اعتبار أن السيجارة هي المفتاح لباقي المخدرات الأخرى»، مُضيفًا أنّه يجب البحث عن وسائل بديلة لمعالجة هَذِهِ الظاهرة والحدّ من انتشارها، خصوصًا أنَّها مرتبطة بظواهر اجتماعيَّة أخرى، وهنا يجب تكثيف من ورشات الوقاية الأولية من تعاطي المخدرات وورشات توعويَّة وتحسيسيَّة بمخاطر تعاطي المخدرات، كما يجب فتح مراكز الاستماع للتلاميذ حتّى نستطيع الوقوف عند الأسباب الحقيقيَّة وراء إقبالهم استهلاك المخدر هَذَا من جهة، ومن جهة أخرى. يضيف المتحدث، يجب ربط التواصل والتنسيق ما بين المؤسّسات التعليميَّة والشرطة المدرسيَّة حتّى نتمكن من تطهير محيط المؤسّسة والانفتاح أيضًا على فعاليات المجتمع المدني.

  • اختصاصي نفسي

أما العرفاوي محاسن، وهو اختصاصي نفسي، يُؤكّد أنَّ الأمور تغيّرت تمامًا بالمؤسّسات التعليميَّة، حيث أصبح عديد من التلاميذ يمتلكون معرفة فوقيَّة بشأن المخدرات وأنواعها الأمر الَّذِي يُسهّل عليهم تجربتها وفي بعض الأحيان الإدمان عليها، ولم يخفِ في حديثه لـ«لاديبيش»، أنّه خلال عمله بالمؤسّسات التعليميَّة التقى عدة حالات إما سبق لها تجربة بعض الأنواع المخدرة مثل الحشيش وبعض أنواع الأقراص والخمر، وإمّا أنَّها أصبحت فعلًا مُدمنة على بعض الأنواع خصوصا السجائر والحشيش والطابا.

 

تابعنا على الفيسبوك