تواصل معنا

مقالات الرأي

وداعًا سنة الوداع

لم تترك لنا هَذِهِ السنةُ حزنًا إلا جلبته، ولا تغييرًا إلا وأحدثته، سواء قبلنا ذلك أم لم نقبل، سنة استهلت بأحداثٍ جديدةٍ لم يعشها الجيلُ الحالي من ذي قبل، بسبب وباء أحدث مُتغيراتٍ كثيرةً في جميع مجالات الحياة، وباء بدأ انتشاره في مستهل السنة المُنتهية، واستمرَّ إلى يومنا هذا، وقد فرض لشدّة خطورته على الجميع أمورًا استثنائيَّة وجب الالتزام بها خوفًا من الإصابة بالعدوة أو الموت جرَّاء تابعتها، ملخص شريط أحداث سنة الجائحة مليء بوقائع يصعب تجاوزها سواء لمَن مرَّ بتجربة المرض، ونجا منه بأعجوبة، وهَذَا سيحتفظ بذكرى العودة من الموت، أو لمَن عايش عن قرب حياة المُصابين بوباء غامض لا يترك مجالًا لصاحبه إلا وفتك به.

هَذِهِ السنة ودَّعنا فيها أحبابًا وأقاربَ، كما ودَّعنا أسماءَ صنعت التاريخ ولو بشكل جزئي في مسارها المهنيّ، حدّة انتشار الوباء لا تُفرّق بين مواطن يعيش وضعًا اجتماعيًا مُتغيّرًا عن الآخر، بل تحصد من الأرواح ما شاء لها، وتفتك بأجسامٍ دون تمييز بين هَذَا أو ذاك.

في سنة الجائحة قلّت الاحتفالات الرسميَّة وغير الرسميَّة، وأقفلت أبواب المدارس، والمعاهد، ومنع فيها إقامة الصلاة داخل المساجد وجميع دور العبادات، في سنة الجائحة تحوّلت طقوس الأعياد وشهر رمضان إلى مجرد ذكرى تحسَّر عليها الناس، بعد أن أيقنوا أن دوامَ الحالِ في زمن الوباء هو من المحال.

يستعرض الناس في نهاية كلّ سنة شريطًا من الأحداث الكبرى، طبع السنة المُنتهية، وعامنا هَذَا مليء بأحداثٍ ووقائعَ يحكي كلُّ جزءٍ منها عن واقع مرير لمواطنين سدت معابر الحدود في وجوههم، وحالت بينهم وبين الأهل لمدد زمنية مُتفرّقة، ذاقوا فيها ويلات لم يسبق لبعضهم وإن مرّ بها، سيتذكر هَذَا الجيل –ولمدة طويلة– كيف استطاع وباء غير مرئي بالعين المجردة أن يقلب موازين الأمور وأن تتحوّل الأمور العادية المباحة إلى ممارسات يعاقب عليها القانون ويمنعها بحجّة الحفاظ على البرتوكول الصحيّ الموصى به لحدّ انتشار الوباء بين عامة المواطنين.

سنة الجائحة أظهرت للعالم أجمع، أنَّ هناك مستجداتٍ على مرّ العصور تربك جميع الحسابات الَّتِي ينظر لها للزمن الطويل، هَذِهِ السنة أثبتت أنَّ حياة البشر والحفاظ على سلامته أرقى ما يمكن تحقيقُه في وقت المحن والشدائد، لن نُودّع سنة الوباء على غرار السنوات الفائتة، بل سنودّعها بقلوب مُحمّلة بأثقال نتيجة للنكبات الَّتِي أصابت مجتمعًا بأكمله، نكبات تتجسّد في فقد عمل وتعطيل مسار حياة وتغيير نمط عيش ألفه الناس إلى واقع جديد ما زال البعض يحارب التأقلم معه.

أملنا في العام الحالي، وبعد كم التجارب الَّتِي مررنا بها أن يكون عامَ خيرٍ وعافية للجميع، عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، عام خفيفٌ من الآلام معافٍ من الأوجاع، عام يصلح فيه ما تم تعطيله، عام تُعاد فيه الألفة إلى المساجد، عام يعاد فيه الفرحُ والابتسام، عام ينسي ما مرّ من أوجاع لسنة سترحل بلا عودة، نأمل في السنة الحالية أن تكون سنةَ إقلاعٍ اجتماعيٍّ لكلّ الطبقات، نأمل أن تكون سنتنا المقبلة مُحملةً بأخبارٍ مُفرحةٍ يُعافى فيها المريض ويعود فيها الغائب وتتنزل فيها الرحمات.

نُودّع عامًا ونستقبل آخر بنفس مُحمّلة باليقين أنَّ القادم من الأيّام يحمل لنا كلّ خير، نودع عامًا كثرَ فيه الرحيل، وافترقنا عن أحباب أخذهم الوباء على حين غرة، نُودّع عامنا هَذَا بقلب على إما إصلاح جديد أو إصلاح يشمل الفرد والمجتمع ويقود البشرية إلى برّ الأمان، نُودّع سنة الجائحة مُحمّلين بتجاربَ نفعها أكثر من ضررها، من يطلع على حصيلة السنة المنفرطة بما فيها من مآسٍ وأحزان سيدرك أنَّ الأمر كله لله بدايته ونهايته، وأنَّ المقتدر تجري على المخلوقات بمختلف مرجعياتها.

ترحلُ عنا سنةُ الجائحةِ وفي جعبتنا طاقةٌ أكبر من ذي قبل لمواجهة الصعاب، والصبر على كلّ المكاره، ما جنيناه في السنة الحالية سنقطف ثماره في المقبل من الأيام بالتزامنا وانخراطنا في الحفاظ على أمن وسلامة الجميع، راجين أن يتحقّق ما يُتداول عند الخبراء من نجاعة التطعيم المتوصل إليه، وعلى قدر الإقبال ستكون النتيجة، في السنة الحالية سنُثبت لذاتنا وللغير أنَّ سلاح العلم أقوى سلاح في مواجهة مُتغيّرات الزمان، وأنَّ أفضل وسيلة للعيش الأمين وسط الكوارث والمخاطر هو سلاح التعلّم والعمل. وكل عام والبشرية جمعاء بألف خير.

تابعنا على الفيسبوك