تواصل معنا

الجهة

نادل بمطعم لـ«لاديبيش 24».. ثلاثة أسابيع عجاف تنتظرني وقرار الإغلاق ألقى بي في بحر الظلمات

مما لا يدع مجالًا للشكّ، أنَّ قرار إعادة فرض تدابير احترازيَّة مُشدّدة على مدينة طنجة، ستكون له عواقبُ اجتماعيّةٌ غيرُ مسبوقة على فئات مُتعدّدة من شرائح المجتمع، فئات كانت تُمنّي النفس بأن تستطيع تعويضَ خسارة الأشهر السابقة والخروج من عنق الزجاجة واستنشاق هواء عليل مع مطلع السنة الجديدة بأهدافٍ جديدة وأمانٍ مُتجدّدة، إلا أنَّ القرار السابق جاء بما لا تشتهيه سُفن مجموعةٍ من العاملين بالمطاعم، الَّتِي شملها قرار الإغلاق الكُلّي، وتمّ تعويضه بخدمة التوصيل عن بعد.

تلقّى عبد الإله م.د، الخبر بصدمة كبيرة، وعبد الاله هو نادل يعمل بمدينة طنجة في مطعم للأكل الصينيّ، بالقرب من «الكازينو»، وبراتب لا يتجاوز الحدّ الأدنى للأجور، وجد نفسه بين عشية وضحاها في راحة عن العمل لأسباب احترازيّة، اتّخذتها السلطات وهو في غفلة من أمره، لدى عبد الإله زوجة وطفلان يعيشون في مدينة الرباط، وهو المعيل الوحيد لهم حيث يكتري شقّة في مدينة طنجة رفقة أربعة من زملائه في العمل، ويُؤدّي في الوقت ذاته سومة الكراء لعائلته ومتطلبات حياتهم من واجبات تمدرس وتطبيب وأكل وشرب وغيرها من الأولويات، إلى جانب متطلباته الشخصية من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ ومواصلات وغيرها، قرار التوقيف تلقاه من ربّ العمل دون أيّ إضافات أو زيادات، والمقصود هنا «انتظر آخر الشهر لتتوصل بمستحقاتك»، وهو الشيء الَّذِي اعتبره عبد الإله غير عادل بالمرّة كونه يعتمد على «البقشيش في تسيير حياته اليومية» وقرار التوقيف جاءه بغتة، بحيث لا يملك حتّى قوت اليوم.

يضيف عبد الإله، أنَّ يومين فقط كانا كافيين ليُفكّر في الاقتراض، وهو ما نفذّه بالفعل، رفع سماعة الهاتف وأدخل رقم صديقِه وضغط زرّ الاتّصال، الهاتف يرنّ وعبد الإله يرتب كلماته ويُفكّر كيف سيطلب من صديقه إقراضه المال؟ وسرعان ما فتح صديقه الهاتف حتّى باغته المعني بالأمر أنا «في حاجة إلى بعض المال هل يمكنك أن تقرضني؟».

صمت صديقه دقيقة أو نصف الدقيقة، لا يذكر عبد الإله بالضبط المدّة، لكنَّه يتذكّر كلمات صديقه، وهو يقول له «إنه آخر الشهر وكما تعلم تمّ توقيفنا عن العمل مثلك ولا نعلم متى سنتلقى الراتب؟ وهل سيُقتطع الفترة الَّتِي سنتوقف فيها؟ آسف لا يمكنني أن أقرضك المال لأنني في وضعية صعبة ولا أحسد عليها.

أقفل النادل السماعة ورفع بصره إلى السماء، وطلب من الله أن يرزقه الصبرَ والقوّةَ ليتحمل هَذَا الوضع المُزري، وأعدّ نفسه ألا يطلب من أحد أن يقرضه المال ولو فرض عليه الدخول في إضراب عن الطعام، حتّى أنَّه يُفكّر في وضع أسرته أكثر من وضعه، فإذا فاجأه خبر ما وتوجب عليه شد الرحال إلى العاصمة الرباط، لا يملك فلسًا واحدًا، وهو أمر محزن، يقولها عبد الإله بحسرة.

ويبدو أنَّ عبد الإله ليس الوحيد الَّذِي يُعاني هَذَا الإشكال، فحتّى زملائه في العمل والمتوقفين في 23 دجنبر 2020، يعيشون وضعية جد صعبة، ما جعلهم يتوجّهون إلى المطعم السالف الذكر ليطلبوا من ربّ العمل تقديم مبلغٍ ماليٍ لهم يتمّ قطعه عند صرف مستحقاتهم آخر الشهر، أمل تحطّم واختفى عندما أكَّد لهم «ربّ المطعم» ألَّا مال له ليعطيهم إياه وعليهم انتظار آخر الشهر كبقية زملائهم.

هي قصة ليست من نسج الخيال، إنَّما حقيقة تُعبّر عن حالة فئة ألقت بها ظروف الوباء في براثين الشكّ والقلق وانعدام الأمن والاستقرار، أحاسيس تتقاسمها معهم فئاتٌ اجتماعيّةٌ أخرى من المياومين، وقد تعجز الكلمات في الكثير من الأحيان عن وصف معاناة من يحكون لنا قصصهم فباطن الأشياء ليس كظاهرها ومحاولات وصف واقع مُزري بكلمات مأساوية لا يُعبّر بالضرورة عن معنى الأسى إنَّما يقارب مفهومه وفقط.

تابعنا على الفيسبوك