تواصل معنا

مجتمع

من الدولة إلى الأسرة.. المسؤولية الجماعية عن مواجهة تفشي حيازة السلاح الأبيض بالفضاء المدرسي

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬انتشار‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬داخل‭ ‬المؤسَّسات‭ ‬التعليميَّة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قضيَّة‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

وتعكس‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مشكلة‭ ‬أعمق‭ ‬تتعلّق‭ ‬بالسلامة‭ ‬والأمن‭ ‬العام،‭ ‬وتتطلَّب‭ ‬مواجهة‭ ‬جماعيَّة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنيَّة‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ترتيب‭ ‬المسؤوليَّة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬والأمن،‭ ‬وإدارة‭ ‬المؤسَّسات‭ ‬التعليميَّة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬كذلك‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬إذ‭ ‬إنَّ‭ ‬كلَّ‭ ‬طرف‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬حيوي‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭.‬

وتتحمل‭ ‬الدولة‭ ‬مسؤوليَّة‭ ‬أساسيَّة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تحدّ‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض،‭ ‬إذ‭ ‬يظل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬سنّ‭ ‬تشريعات‭ ‬واضحة‭ ‬تمنع‭ ‬حمل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة،‭ ‬خاصّةً‭ ‬في‭ ‬المدارس‭.‬

إذ‭ ‬يُسهم‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬الرادعة‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬عدد‭ ‬حوادث‭ ‬العنف‭ ‬المقلقة،‭ ‬ويشعر‭ ‬الطلاب‭ ‬وأولياء‭ ‬أمورهم‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الأمان‭.‬

كما‭ ‬يتوجّب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬التنفيذ،‭ ‬بحيث‭ ‬تنزل‭ ‬عقوبات‭ ‬شديدة‭ ‬لمن‭ ‬يخالف‭ ‬هذه‭ ‬القوانين،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬إحضار‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬إلى‭ ‬المؤسَّسات‭ ‬التعليميَّة‭.‬

ولكن‭ ‬القوانين‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي،‭ ‬فالأمن‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬التلاميذ‭ ‬وعموم‭ ‬المواطنات‭ ‬والمواطنين،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬تكثيف‭ ‬الحملات‭ ‬الأمنيَّة‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليميَّة‭ ‬وخارجها؛‭ ‬لضمان‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬رجال‭ ‬الأمن‭ ‬وتدريبهم‭ ‬على‭ ‬كيفيَّة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬المعادن‭ ‬وكاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭.‬

إن‭ ‬الوجود‭ ‬الفعال‭ ‬للأمن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رادعًا‭ ‬قويًّا‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬سلاح‭ ‬أبيض‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬المدرسة‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإنَّ‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليميَّة‭ ‬أيضا‭ ‬تتحمل‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬المسؤوليَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الإدارات‭ ‬أن‭ ‬تتّخذ‭ ‬إجراءات‭ ‬صارمة‭ ‬إذا‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر،‭ ‬مثل‭ ‬إخضاع‭ ‬التلاميذ‭ ‬للتفتيش‭ ‬قبل‭ ‬ولوج‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التفتيش‭ ‬دقيقًا‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أدوات‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬للتلاميذ‭ ‬الآخرين‭ ‬والأطر‭ ‬التربويَّة‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تزوّد‭ ‬أبواب‭ ‬المدارس‭ ‬بأجهزة‭ ‬أمان‭ ‬مثل‭ ‬أنظمة‭ ‬الدخول‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وكاميرات‭ ‬المراقبة‭. ‬حيث‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬أن‭ ‬تُسهم‭ ‬بشكل‭ ‬أكيد‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬تعليميَّة‭ ‬آمنة،‭ ‬وتعزز‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬التلاميذ‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دراستهم‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬بشأن‭ ‬سلامتهم‭ ‬الشخصيَّة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬دور‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضيَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يتحملوا‭ ‬نصيبهم‭ ‬من‭ ‬المسؤوليَّة‭ ‬عن‭ ‬تصرفات‭ ‬أبنائهم‭. ‬لأن‭ ‬متابعة‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬أبناءهم‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليوميَّة‭ ‬تُعدُّ‭ ‬أمرًا‭ ‬ضروريًّا‭ ‬وواجبًا‭ ‬عليهم‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬واعين‭ ‬تمامًا‭ ‬بما‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬وسلوكيات‭ ‬أولادهم،‭ ‬وأن‭ ‬يعرفوا‭ ‬أصدقاءهم‭ ‬وأماكن‭ ‬وجودهم،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الرقابة‭ ‬والمواكبة‭ ‬الأبويَّة‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انحراف‭ ‬الأبناء،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬أو‭ ‬حمل‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭.‬

إن‭ ‬انتهاج‭ ‬أسلوب‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬تجاه‭ ‬سلوك‭ ‬الأبناء‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬وخيمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الآباء‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬انخراطًا‭ ‬وقربًا‭ ‬من‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياة‭ ‬أبنائهم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قضيَّة‭ ‬انتشار‭ ‬السلاح‭ ‬الأبيض‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليميَّة‭ ‬ليست‭ ‬مسؤوليَّة‭ ‬طرف‭ ‬واحد،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مسؤوليَّة‭ ‬جماعيَّة‭ ‬تتطلَّب‭ ‬تعاون‭ ‬الجميع‭. ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمن‭ ‬أن‭ ‬يتولَّى‭ ‬حماية‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وعلى‭ ‬إدارة‭ ‬المدرسة‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬إجراءات‭ ‬وقائيَّة‭ ‬فعالة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬يتحملوا‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬تجاه‭ ‬أبنائهم‭.‬

فمن‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬المشترك،‭ ‬يمكن‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬تعليميَّة‭ ‬آمنة‭ ‬وصحيَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬للتلاميذ‭ ‬أن‭ ‬يتعلموا‭ ‬وينموا،‭ ‬ويمكن‭ ‬للأساتذة‭ ‬أن‭ ‬يؤدوا‭ ‬واجبهم‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬قلق‭.‬

تابعنا على الفيسبوك