تواصل معنا

سياسة

منتخبون غيّبوا عن المشهد السياسي.. الداخلية وكورونا يحرمان المنتخبين من ممارسة مهامهم الدستورية

لا يختلف اثنان على كون مدينة طنجة، أو «طنجى أو طنجيس»، الَّتِي ألهمت كلّ زوَّارها بجماليتها وبتموقعها الجغرافي وبراحبة سكَّانها وبزخمها بالحضارات، الَّتِي تعاقبت عليها، أصبحت أسيرة اليوم لفيروس كورونا المستجد، الَّذِي «خطف» أبناءها ويخطف أيضًا أرواحَ عددٍ من السياسيَّين البارزين بالمدينة، كما تعرض حياة البعض الآخر من السياسيّين للخطر، وما بين تحكّم الداخلية في تدبير مرحلة الجائحة وتغييب المُنتخبين عن القرارات من جهة، والمُضي نحو عزل وتجميد مهامّ البعض الآخر من السياسيَّين.

فالمتتبعُ للشأنِ المحلّي بمدينة طنجة، الَّتِي لا تختلف عن غالبية المدن الكبيرة، سيجزم كون أنَّ المنتخبين سلَّموا أدوارَهم للداخلية، وظلَّوا في موقع المُتفرّج و«المُطبّل» في بعض الأحيان للداخليَّة ولقراراتها، بعيدًا عن أيَّ انتقاد أو تشبّث بمهامّهم، كما أنَّ البعضَ فوَّض أمره للخالق، بعدما ما استطاعت «كورونا» أن تُنهي حياة بعضِ من السياسيَّين.

جائحة كورونا.. وإعلان المنتخبين عن عجزهم

يبدو الأمر غريبًا، فالواقع يفرض على كون اشتغال المُنتخبين بشكلٍ كبيرٍ، والتفكير في مبادرات واقتراحات تكون قادرةً على إخراج المدينة من الأزمة، أزمة ربَّما ظاهريًا برزت في جُلّ بلدان العالم، لكن باطنيًا برزت كثيرًا في المدن المغربيَّة، خصوصًا أنَّ الجائحة أعلنت فشل المُنتخبين في التدبير الشأن المحلّيّ، وفي عدم قدرتهم على بلورة برامجهم، إن هي وجدت، كما أنَّهم عاجزون على ممارسة أدوارهم على الأقل.

منتخبون غائبون عن المشهد المحليّ، فبعض منهم غيابهم أضحى أحسن من وجودهم، فوجودهم لم ولن ينفع الطنجاويّين في شيء، وهو الأمر الَّذِي برز خلال جائحة «كورونا»، حيث برز دور الداخلية في شخص «مؤسَّسة الوالي»، فهي الوحيدة الَّتِي تعمل وتقترح وتشرع وتأخذ القرارات وتُنفّذها بعيدًا عن السلطات المنتخبة، الَّتِي انتُخبت من طرف المواطنين من أجل خدمة مصالحهم.

فالمُتتبّع للشأن المحلّي، سيتأكد أنَّ المجلس المُسيّر لشؤون المدينة، لم يستطع أن يتّخذ أي قرار جريء يخدم مصلحة المواطنين، ويخلق لهم فرصًا تُنفّس عليهم الأزمة، الَّتِي يعيشونها، خصوصًا في ظلّ جائحة «كورونا» الَّتِي انتشرت مطلع شهر مارس الماضي من السنة المنصرمة ببلادنا.

مجلس المدينة.. وغرابة القرارات

في الوقت الَّذِي انتظر فيه الكلّ أن يتحمّل مجلس المدينة مسؤوليته، وأن يجتهد أكثر في الإعلان عن مبادرات تخدم مصلحة الساكنة، اتّجه المجلس لاتّخاذ بعض قرارات كلاسيكيَّة وغير مُجدّية، بل في بعض الأحيان زرعت الرعب والفزع في نفوس المواطنين، فقط لأنَّ البعض من المُنتخبين لا يملكون لغةَ التواصل، وتبيّن الأمر جيّدًا عندما أُعلن في الموقع الرسمي لمجلس المدينة بطنجة، عن إعداد محامل الموتى، استعدادًا لارتفاع الوفيات بسبب «كورونا»، الأمر الَّذِي خلق الرعب في نفس المواطنين، فالبرغم من حذف الصور، الَّتِي تدلّ على ذلك ومحاولة توضيح الغرض من الخبر، فإنَّه لم يكن كافيًا لنزع الخوف من صدور المواطنين.

المجلس والصفقات

صفقات مجلس المدينة لم تخرج عن الكلاسيكيّة، بالرغم من وجود جائحة أسهمت في تأزيم وضعية الساكنة وفي تعميق هشاشتهم، فغالبية الصفقات عملت على توفير الموادّ المُعقّمة والحافظة، كما أنَّ عددًا كبيرًا من الإنجازات الَّتِي تباهى بها المنتخبون، لا تخرج عن خانة تعقيم الشوارع أو تنظيفها، أو تخصيص جُزءٍ من الميزانية لتوفير القفّة، «القفّة الَّتِي لا تسمن ولا تغني من جوع»، وإن كانت هَذِهِ القفة الَّتِي وزعت احتسبت «للداخلية» أيضًا؛ لأنَّها انفردت بتوزيعها على بعض الجمعيات، فلم نسمع أنَّ المجلس اتّخذ قرارًا يهمّ مثلًا تخفيض من ضرائب الجبايات أو اتّخاذ مباردة مع الشركات تدبير المفوض لمراعاة وضعية الساكنة.

كورونا.. جلُّ الأحزاب المساهمة في المجلس أصبحت في الأغلبية

الأحزاب بمدينة طنجة، فعَّلت المقولة الشعبية «شحال من العداوة ولات محبة»، فجُلّ الفرقاء السياسيّين سواء أكانوا في المعارضة أم الأغلبية، اتّفقوا على أنَّ المنتخبين أدّوا أدوارهم خلال فترة الجائحة، وباتوا يتحدّثون بلغةٍ واحدةٍ، وصفّقوا جيّدًا للقرارات مجلس الجماعة، بالرغم أن هَذِهِ القرارات «غير موجودة» في أرض الواقع، فغالبية المُنتخبين كانوا يتقنون فقط التقاط بعض الصور الَّتِي تبرز اشتغالهم ووجودهم في الميدان.

طنجة.. الأحزاب تصفّق للداخلية وتتخلّى عن أدوارها

لم تجد غالبية الأحزاب بمدينة طنجة حرجًا في الاعتراف الضمنيّ بشكل مُباشر أو غير مباشر، بكون أنَّ ولاية طنجة تطوان الحسيمة، وحدها اشتغلت بجدّية وبشكل مُستمرٍّ لحلّ مشاكل المواطنين والاستجابة لمطالبهم، في الوقت الَّذِي كان من المفروض أن تترافع هَذِهِ الأحزاب وتُدافع عن مصلحة الساكنة، ولما لا اتّخاذ بعض المبادرات الجادة. ففي الوقت الَّذِي كُنّا ننتظر فيه هَذِهِ الأحزاب أن تحتفي بإنجازاتها في زمن الجائحة، باتت تحتفي بإنجازات الداخليَّة، بالرغم من أنَّ جزءًا منها لا يخدم نهائيًا مصلحة المواطنين.

إقليم طنجة.. هل افتقد لمن يدافع عنه؟

طوال الأشهر الأولى من انتشار جائحة «كورونا» ومدينة طنجة تُعاني قراراتٍ وإجراءاتٍ، اعتبرها العديد «عشوائيَّة وغير منطقية»، خصوصًا عندما تقرّر منع السفر من طنجة، وأصبحت أجهزة الأمن تُشدّد الإجراءات مع كلّ مواطن يحمل «بطاقة تعريف مدينة طنجة»، ولعلّ ما زاد الأمر حدّة هو إغلاق شواطئ المدينة بالرغم أنَّ المدينة كانت تُسجّل إصابات أقل مع مدينة الدار البيضاء، الَّتِي كانت الإصابات فيها تفوق الألف لكنَّ قرار إغلاق الشواطئ لم يشملها.

قرار إغلاق الشواطئ كانت له تداعيات اقتصاديَّة واجتماعيَّة كبيرة، فعددٌ كبيرٌ من القطاعات الَّتِي تنتعش في فصل الصيف، ظلَّت مغلقةً غير قادرة على خلق لنفسها وظائف أخرى، كما أنَّ القرار خلَّف مشاكلَ نفسيَّة عند عددٍ كثيرٍ من الساكنة، خصوصًا الأطفال.

فيكفي أن تنتمي لإقليم طنجة مثل مدينة أصيلة لتشملك القرارات العشوائيَّة، بالرغم من عدم تسجيل أيّ إصابات بفيروس «كورونا» في ظلّ صمت رهيب للبرلمانيّين بالإقليم وصمت للمنتخبين المحليّين، اللهم بعض المبادرات الفردية الهزيلة.

كما يكفي أن تكون جغرافيًا قريبًا من طنجة، مثل إقليم فحص أنجرة، لتصبح معنيًا بهذه القرارات بالرغم من أنَّ إقليم لا يسجل حالات كثيرة ومستمرّة.

كل هَذِهِ العوامل المذكورة، أسهمت بشكلٍ أو آخر، أن تبرز عجز المُنتخبين وأحزابهم السياسيَّة، عن تسيير الشأن المحلّيّ، كما أبرزت الفشل الذريع في اتّخاذ قرارات تخدم مصلحة المواطنين، وإن اختلفت مع مقاربة الداخلية، خصوصًا أنَّ الأحزابَ السياسيَّة وُجِدَت لخدمة مصلحة المواطنين والمواطنات وليس العكس، فالأحزاب من المفروض أن تكون لسان حال عموم المواطنين وليس لسان حال أجهزة الدولة.

كورونا.. لعنة الموت تلاحق السياسيين

كورونا قدرٌ أصبح يلاحق عددًا كبيرًا من السياسيَّين على المستوى الوطنيّ والجهويّ والمحلّيّ، وكيف لا وأن عددًا من رؤوساء الدول أصيبوا بهَذَا الفيروس الَّذِي اقترب من استكمال سنة على انتشاره.

كورونا.. إصابات عدد من السياسيين والنقابيين

ربَّما كورونا كانت عادلة أكثر من السياسيَّين المغاربة، كيف لا وهي الَّتِي لم تُفرّق بين الغني والفقير، ولا بين المواطن والمسؤول، حيث لاحقت عددًا من السياسيّين، الَّذِينَ أعلنوا إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، منهم من كانت إصابته خفيفة، ومنهم من كانت إصابته صعبة، حيث تمّ نقلهم إلى المستشفيات، وفي بعض الأحيان تمّ نقل بعضهم إلى «الإنعاش»، فمنهم من استرجع عافيته وواكب نشاطه السياسيّ، أمثال: «حسن بلخيضر/محمد بوهريز/عبد النبي مورو/ منير ليموري….»، ومنهم مَن لا يزال يصارع المرض أمثال السياسي والمستشار الجماعي «يونس الشرقاوي».

فكورونا أصبحت تُهدّد أرواحَ عددٍ من السياسيَّين، الَّذِينَ إن لم تمنعهم السلطات من عزلهم أو تجميد نشاطهم، كما حصل مع رئيس جماعة «اجزناية» الإدريسي وأربعة من نوَّابه، وربَّما القرار العزل والتوقيف والمتابعة والمنع من الترشيح قد يشمل بعض السياسيّين الآخرين، فالموت بسبب كورونا، قد يلعب دورًا أيضا في إبعاد بعض الأسماء عن المشهد السياسي المحلي والمتعلّق بالتدبير الشأن المحلي، أو ما يتعلّق بتدبير الشأن الجهويّ أو الوطنيّ، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابيَّة المحلية والتشريعيَّة، الَّتِي من المفروض أن تُنظّم خلال الموسم الجاري.

كورونا تخطف أرواح بعض السياسيين بطنجة

لا يختلف أحدٌ على أنَّ فيروس «كورونا» خطف أرواحَ عددٍ من المواطنين والمواطنات بمدينة طنجة، لدرجة أنَّ المدينة أصبحت تحتلّ في بعض الأحيان المراتب الأولى وطنيًا من حيث تسجيل عدد الوفيات المصابة بفيروس كورونا المستجد، إلا أنَّ هَذِهِ الإصابات شملت أيضًا بعض الفاعلين الجمعويّين والإعلاميّين والنقابيّين، وأيضًا بعض السياسيّين، أمثال المستشار الجماعي بمقاطعة السواني، والكاتب الجهوي لإحدى للنقابات التابعة لحزب العدالة والتنمية «محمد السندي» الَّذِي وفته المنية بالعاصمة الرباط، بعد ما نُقل إلى إحدى المصحات هناك، لكي يكمل علاجه.

الموت لم يقف عند الفقيد «السندي»، بل حصد أيضًا روح النائب البرلماني السابق، ونائب عمدة طنجة «محمد الدياز» مُتأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، حيث اضطرّ الطاقم الطبي إلى نقله إلى إحدى المصحّات بالرباط، لكي يستكمل علاجه هناك.

طنجة ظلّت إذن أسيرة ثنائية انفراد الداخلية بالقرارات، وبالتالي تغييب المنتخبين، الَّذِينَ لم يمارسوا مهامّهم الدستوريَّة، وما بين قدر الموت حيث خطفت «كورونا» أرواحَ عددٍ من السياسيّين البارزين بمدينة طنجة.

تابعنا على الفيسبوك