تواصل معنا

مجتمع

مقاهي طنجة في رمضان.. تجربة اجتماعية غنية لا يفسدها سوى لهيب الأسعار

عادة‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬بتراجع‭ ‬النشاط‭ ‬السياحي‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬بمختلف‭ ‬جهات‭ ‬المملكة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬تتّخذ‭ ‬المقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬المحليَّة‭ ‬مسارًا‭ ‬مختلفًا‭. ‬وتعدُّ‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬فرصة‭ ‬مميزة‭ ‬لتقديم‭ ‬تجاربَ‭ ‬فريدة‭ ‬للزبائن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اقتراح‭ ‬وصفات‭ ‬جديدة‭ ‬وتنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬احتفاليَّة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬زيارة‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭.‬

وتُعدُّ‭ ‬مقاهي‭ ‬طنجة‭ ‬العتيقة،‭ ‬مثل‭ “‬حنفطة‭”‬،‭ “‬الحافة‭”‬،‭ ‬و‭”‬السوق‭ ‬الداخل‭”‬،‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الوجهات‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬الزبائن‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭. ‬ولا‭ ‬تكتفي‭ ‬هذه‭ ‬المقاهي‭ ‬بتقديم‭ ‬الأطباق‭ ‬التقليديَّة‭ ‬الشهيَّة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬موسيقيَّة‭ ‬وفنيَّة‭ ‬آسرة‭. ‬وتتجلَّى‭ ‬أهميَّة‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬والثقافيَّة‭ ‬للمدينة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استقطابها‭ ‬الزبائن‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭.‬

تعزز‭ ‬المقاهي‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬الزبائن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الأطباق،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الشوربات‭ ‬التقليديَّة‭ ‬مثل‭ “‬الحريرة‭” ‬إلى‭ ‬الحلويات‭ ‬الشهيَّة‭ ‬مثل‭ “‬الشباكيَّة‭”. ‬ويُعدُّ‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬الأطباق‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬من‭ ‬تقاليد‭ ‬رمضان،‭ ‬ما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬المقاهي‭ ‬والمطاعم‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يلاحظ‭ ‬كثيرون‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬الوجبات‭ ‬والمشروبات‭ ‬خلال‭ ‬رمضان،‭ ‬ما‭ ‬يُشكّل‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأسر،‭ ‬فبينما‭ ‬تسعى‭ ‬المقاهي‭ ‬لجذب‭ ‬الزبائن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬أشهى‭ ‬الأطباق،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الأسعار‭ ‬المرتفعة‭ ‬قد‭ ‬تحجم‭ ‬بعض‭ ‬الأسر‭ ‬عن‭ ‬التوجّه‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭.‬

ويُعدُّ‭ ‬هذا‭ ‬التحدّي‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬التناقض‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬الزبناء‭ ‬على‭ ‬مهنيي‭ ‬المقاهي‭ ‬والمطاعم،‭ ‬إذ‭ ‬تتزايد‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬والاجتماع،‭ ‬مع‭ ‬تعالي‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬لضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الجميع‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬المقاهي‭ ‬حقًّا‭ ‬هو‭ ‬الجوّ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬تخلقه،‭ ‬إذ‭ ‬تُعدُّ‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬فضاءات‭ ‬للتجمّع‭ ‬والتـلاقي،‭ ‬إذ‭ ‬يحـــجّ‭ ‬إليـــها‭ ‬الأصــدقاء‭ ‬والعائـــلات‭ ‬لتـناول‭ ‬الإفــــطار‭ ‬ومشـــــاركة‭ ‬الأحـــــاديث‭ ‬الثنائيَّة‭ ‬والجمـــــاعيَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يُشــــــكّل‭ ‬هذا‭ ‬التفـــاعل‭ ‬الاجتمــاعي‭ ‬محورًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليوميَّة،‭ ‬ومظهرًا‭ ‬من‭ ‬مظاهــــر‭ ‬التمــــاسك‭ ‬بين‭ ‬مخـــتلف‭ ‬فئـــات‭ ‬وأفــراد‭ ‬المجـــتمع‭.‬

ومن‭ ‬الأنشطة‭ ‬الترفيهيَّة‭ ‬اللافتة‭ ‬التي‭ ‬تميّز‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬هي‭ ‬لعبة‭ “‬البارتشي‭”. ‬وتعدُّ‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬مزيجًا‭ ‬مثيرًا‭ ‬بين‭ ‬الحظّ‭ ‬والتفكير‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وتكتسب‭ ‬شعبيَّة‭ ‬متزايدة‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬الصيام‭. ‬ويُعكس‭ ‬هذا‭ ‬الشغف‭ ‬بالترفيه‭ ‬والتسليَّة‭ ‬رغبة‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بأوقاتهم‭ ‬بطريقة‭ ‬مميزة‭.‬

ويُسهم‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الترفيهيَّة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الروابط‭ ‬الاجتماعيَّة،‭ ‬إذ‭ ‬تصبح‭ ‬المقاهي‭ ‬أماكن‭ ‬لتبادل‭ ‬الأفكار‭ ‬والآراء،‭ ‬وتكوين‭ ‬صداقات‭ ‬جديدة‭.‬

كما‭ ‬تسهم‭ ‬الأجواء‭ ‬الموسيقيَّة‭ ‬والفنيَّة‭ ‬التي‭ ‬تُقدّمها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقاهي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬مريحة‭ ‬وممتعة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬زيارة‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة،‭ ‬إذ‭ ‬تعد‭ ‬الفعاليات‭ ‬الفنيَّة‭ ‬والموسيقيَّة‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزّأ‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬الليالي‭ ‬الرمضانيَّة،‭ ‬كما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬جاذبيَّة‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬مقاهي‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة‭ ‬لا‭ ‬تُعدُّ‭ ‬مجرد‭ ‬أماكن‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬فضاءات‭ ‬حيويَّة‭ ‬تُعزّز‭ ‬من‭ ‬الروابط‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬والثقافيَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬وأنشطة‭ ‬احتفاليَّة،‭ ‬كما‭ ‬تُسهم‭ ‬هذه‭ ‬المقاهي‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬أجواء‭ ‬مميّزة‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬ويجعله‭ ‬زمنًا‭ ‬مميزًا‭ ‬ضمن‭ ‬السياق‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬للمدينة‭.‬

إن‭ ‬قدرة‭ ‬المقاهي‭ ‬على‭ ‬التكيّف‭ ‬مع‭ ‬احتياجات‭ ‬المجتمع‭ ‬ورغباته،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬مراعاة‭ ‬الأسعار،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬ترسخ‭ ‬أهميَّة‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليوميَّة‭ ‬للطنجاويين،‭ ‬وتعزّز‭ ‬من‭ ‬مكانتها‭ ‬كجزءٍ‭ ‬لا‭ ‬يتجزّأ‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الثقافي‭ ‬للمدينة‭.‬

تابعنا على الفيسبوك