تواصل معنا

إقتصاد

مقاطعة بني مكادة.. تحديات الكثافة السكانية وفرص التنمية

باتت مقاطعة بني مكادة، بمدينة طنجة، مثالًا مُهمًّا للتوسّع الحضري والكثافة السكانيَّة المتزايدة في المغرب، بتحقيقها المرتبة الأولى وطنيًا من حيث تعداد السكان. هَذِهِ المكانة السكانيَّة البارزة تعكس واقعًا مُعقّدًا وتطرح تساؤلاتٍ عديدةً، بشأن التحديات والفرص المرتبطة بها، خاصّةً مع تصدّر بني مكادة قائمة المقاطعات ذات الكثافة السكانيَّة العالية على المستوى الوطني.

وتعكس الزيادة السكانيَّة المتسارعة في بني مكادة واقعًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا يتقاطع مع عوامل الهجرة من المناطق القرويَّة إلى المدن، حيث تنزح كثير من الأسر إلى طنجة بحثًا عن فرص عمل أفضل، في ظلّ الطفرة الَّتِي يعيشها القطاع الصناعي بالمدينة، مما يزيد من استقطاب السكان نحو مقاطعاتها الأربع، خصوصًا بني مكادة الَّتِي تُوفّر تنوعًا في الأنشطة الاقتصاديَّة وأقل تكلفة نسبيًا في السكن مقارنة بمناطق طنجة الأخرى.

وقد أسهمت هَذِهِ الهجرات المستمرّة في تحويل بني مكادة إلى منطقة حضريَّة مكتظة، تجذب السكان من مختلف أنحاء شمال المغرب، وحتَّى من مدن أبعد، مما يُعزّز من ديناميكيتها الاجتماعيَّة لكن يُثقل بنيتها التحتيَّة المحدودة.

ومن البديهي أن يصاحب تزايد الكثافة السكانيَّة طلب متزايد على الخِدْمات الأساسيَّة والبنيَّة التحتيَّة، ما يتطلّب من السلطات المحليَّة والحكوميَّة تكثيف جهودها للتعامل مع هَذَا النمو السكاني.

وتواجه بني مكادة تحدّيات كبرى في توفير الخِدْمات الصحيَّة، والتعليميَّة، والنقل، وتزداد الحاجة إلى مزيد من المستشفيات والمدارس ووسائل النقل العام، بما يتلاءم مع احتياجات السكان المتوافدين باستمرار.

ويتسبب نقص الخدمات في اكتظاظ المرافق وضغوط كبيرة على المدارس والمستشفيات الموجودة، ما قد يُؤثّر سلبًا في جودة حياة السكان. ومن ناحيَّة أخرى، فالكثافة السكانيَّة لبني مكادة تعني أيضا فرصًا اقتصاديَّة واعدة إذا استُغلت بشكل صحيح.

إذ يشكل سكان المنطقة سوقًا مُهمًّا يمكن أن يكون محركًا لنمو للعديد من الأنشطة التجاريَّة والصناعيَّة، ويدفع بريادة الأعمال المحلّيَّة ويشجع كذلك على استثمارات جديدة من المستثمرين الأجانب.

وبإمكان مقاطعة بني مكادة أن تتحوّل إلى قطب اقتصادي محوري ضمن طنجة الكبرى، مما سيزيد من الحركيَّة الاقتصاديَّة لطنجة ويسهم في تحسين ظروف العيش للسكان، وذلك شرط إقرار السياسات الداعمة للتنميَّة المستدامة والآخذة في الاعتبار حماية البيئة، تحسين الخِدْمات، وتوفير الفرص التعليميَّة والوظيفيَّة.

لكن في المقابل، فالكثافة السكانيَّة العالية قد تُؤدّي إلى ظهور مشكلات اجتماعيَّة وسلوكيَّة مرتبطة بالازدحام وانخفاض مستوى العيش في بعض المناطق. كما أنَّ الأحياء ذات الكثافة السكانيَّة العالية غالبًا ما تصبح عرضة لظواهر سلبيَّة مثل الجريمة والفقر والهدر المدرسي، مما يتطلب تكثيف الجهود لإيجاد حلول متكاملة وشاملة. إن الاستجابة لمثل هَذِهِ التحدّيات لا تقتصر فقط على توفير الخدمات الأساسيَّة، بل تتطلَّب أيضًا برامج تكوين ودعم للشباب، وتطوير مشروعات ثقافيَّة واجتماعيَّة تهدف إلى تحسين العلاقات الاجتماعيَّة، وتعزيز الانتماء المجتمعي، وإدماج الشباب في الحياة العملية والأكاديميَّة.

إنَّ التوسع العمراني يُشكّل بُعدًا مُهمًّا في هَذَا السياق، فعلى الرغم من أن بني مكادة شهدت نموًا عمرانيًّا سريعًا، إلا أن هَذَا التوسّع حدث بطريقة غير مُنظّمة، ما أدَّى إلى نشوء أحياء غير مهيكلة ومبانٍ عشوائية تعاني نقصًا في البنيَّة التحتيَّة.

ويؤدي هَذَا النوع من التوسُّع العمراني إلى تدهور جودة البيئة الحضريَّة، ويتطلَّب إعادة النظر بشكل جذري في سياسات التخطيط العمراني لتأخذ في الاعتبار احتياجات السكان، ولضمان تطور عمراني مستدام ومخطط.

المرتبة الأولى وطنيًا الَّتِي تحتلّها بني مكادة من حيث تعداد السكان لا تعد مجرد معطى إحصائي، بل تعكس واقعًا غنيًا بالتحدّيات والفرص، فالكثافة السكانيَّة الكبيرة هي سلاح ذو حدين؛ فمن جهة، توفر فرصةً لتطوير المنطقة اقتصاديًا، ومن جهة أخرى، تفرض ضرورة الاستجابة لمتطلبات أساسيَّة لا يمكن تجاهلها لضمان جودة الحياة للسكان.

إنَّ النجاح في تحويل هَذِهِ الكثافة السكانيَّة إلى نقطة إيجابيَّة يتطلَّب تنسيقًا بين مختلف الجهات، سواء كانت محلّيَّة أو وطنيَّة، لضمان تحقيق التنميَّة الشاملة الَّتِي تستوعب الجميع وتعالج التحدّيات الاجتماعيَّة المطروحة بحدّة.

 

تابعنا على الفيسبوك