تواصل معنا

القانون والناس

مسطرة ‬الأمر ‬بالأداء ‬واقعًا وقانونًا.. ‬إلى ‬أين؟!

في خضم ما يشهده واقع المجتمع من أزمات ماليّة واقتصاديّة وأخلاقيّة، لم تسلم المعاملات المالية من سلف أو دين، من تحايلات وأساليب تدليس للوصول إلى الإثراء بلا سبب مُقنّن، إذ نجد أغلب المدينين يتعاملون مع الدائن بحسن نية ويقدمون سندات والتزامات مُحدّدة المدة للاعتراف بالدين، لنجد أنَّ تعامل الدائن يبقى رهينًا بمزاجيته وأخلاقه، حيث يمكن أن يكونَ قد سدَّد ثمن الدين كاملًا عبر أقساط، لا نجد أي دليل مادي على ذلك، والعكس صحيح مما يضطر أغلب المتضرّرين للجوء إلى سلوك مسطرة الأمر بالأداء الَّتِي تُعدُّ إحدى المساطر الاستعجالية الَّتِي نظَّمها المشرع في قانون المسطرة المدنية، من خلال اشتراطه مجموعةً من الشروط لممارسة هَذَا النوع من المساطر، اذ أوكل النظر فيها لجهة مختصة، وأفرد لها مسطرةً خاصة للطعن فيها وتنفيذها.

وبما أنَّ مسطرة الأمر بالأداء تدخل في سياق المساطر الاستعجالية، فما شروط ممارستُها؟ وما الجهة الَّتِي أوكلها المشرّعُ البتّ فيها؟ وما طرق الطعن الَّتِي يمكننا ممارستها في هَذَا الصدد؟ وما هي كيفية تنفيذ الأمر الصادر عنها؟

نظَّم المُشرّعُ المغربيُّ مسطرةَ الأمر بالأداء واشترط لها مجموعةً من الشروط الَّتِي لا تقوم هَذِهِ المسطرة إلا بها، وذلك في نصوصٍ متفرقةٍ من قانون المسطرة المدنية، منها ما يتعلق بموضوع المسطرة أو بشكلها.

حيث إنَّه نجد حسب مقتضيات الفصل (155) من (ق.م.م) المعدل بموجب القانون (1.13) لسنة 2014، الَّذِي ينص على أنّه «يُمكن إجراء مسطرة الأمر بالأداء في كل طلب تأدية مبلغ مالي يتجاوز خمسة آلاف درهم مستحق بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي أو اعتراف بدين» أما الفصل (157) من نفس القانون فينص على أنّه «لا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج أو إذا لم يكن للمدين موطن معروف بتراب المملكة». 

وعليه ومن خلال هذين النصين يمكننا القول إنّه لممارسة مسطرة الأمر بالأداء يجب أن يتعلق الأمر بطلب مبلغ مالي، وأن يتجاوز هَذَا المبلغ خمسة آلاف درهم ويكونَ مبلغَ الدين، بالإضافة إلى أن يكون الطلب واجبَ التبليغ بالمغرب، وأن يكون موطن المدين معروفًا بالمغرب.

 باستقرائنا مقتضيات الفصل (155) من قانون المسطرة المدنية، سيُلاحظ أنّه لكي نكون أمام مسطرة الأمر بالأداء، لا يجب أن يكون طلبنا يرمي إلى الوفاء بالتزام لا يكتسي صبغة مالية، والمشرع المغربي اشترط هَذَا، نظرًا لتعدد محال الالتزام، الَّذِي قد يكون القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وبذلك فالوفاء بمبلغ مالي الَّذِي بذمة المدين هو الَّذِي يشترط لممارسة مسطرة الأمر بالأداء، وحسب ذلك فالاختصاص سيعود للمحاكم الابتدائية وفق الإجراءات العادية.

 أن يتجاوز المبلغ المالي خمسة آلاف درهم، حيث لا يكفي الطالب في مسطرة الأمر بالأداء أن يتعلق طلبه بمبلغ مالي في ذمة المدين، وإنَّما لا بُدَّ من تجاوز هَذَا المبلغ خمسة آلاف درهم، والجهة الموكول لها النظر في هَذِهِ المسطرة يتوقّف اختصاصُها القيمي على هَذَا القدر المالي، والغاية الَّتِي جعلت المُشرّعُ المغربيُّ يشترط هَذَا المبلغ هو تفادي تنازع الاختصاص. بين قضاء القرب الَّذِي حدَّد اختصاصه القيمي في خمسة آلاف درهم، الأمر الَّذِي جعل المُشرّع يفطن لهَذِهِ المسألة وجعل النظر في مسطرة الأمر بالأداء متوقفًا على تجاوز المبلغ خمسة آلاف درهم، لأنَّ الحد الأدنى الَّذِي يمكن المطالبة به بواسطة مسطرة الأمر بالأداء الَّتِي لا تقبل أيَّ طعنٍ سوى التعرض.

 أن يكون مبلغ الدين المطالب به مكتوبًا، حيث إنَّه وبالعودة إلى الفصل (155) من (ق.م.م) يستوجب لسلوك مسطرة الأمر بالأداء، أن يكون المبلغ المالي الَّذِي يطالب به الدائن مكتوبًا، أي أن يكون مستحقًا بموجب ورقة تجارية أو سند رسميّ أو اعتراف بدين، وهَذَا الشرط يتماشى مع ما تمّ التنصيص عليه في مقتضيات الفصل (443) من (ق.ل.ع)، كما يتعين أن يكون الدين قد حرر بورقة تجارية أو بحجة رسمية، نظرًا لما للورقة الرسمية من حجية وضمانًا بالنسبة لحقوق الدائن على خلاف الورقة العرفية.

أما الاعتراف بدين، فنلاحظ أنَّ المُشرّعَ لم يشترط فيه الرسمية، وإن كان يجوز أن يحرر في حجة كتابية، ونرى أنَّ هَذَا الأمر يتنافى مع خصوصيات مسطرة الأمر بالأداء الَّتِي تباشر في غيبة الأطراف، مما يخلق لدينا نوعًا من الغموض بين مقتضيات الفصلين (147) و(155) من (ق.م.م)، الَّذِي يمكن أن يُعزى إلى عدم سلامة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية.

… يتبع

تابعنا على الفيسبوك