تواصل معنا

مجتمع

متحديًا سلطة القانون وإرادة المواطنين.. «الجيلي» الأصفر يغزو بوابات الإدارات العموميَّة

لم‭ ‬تعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬حراس‭ ‬السيارات‭ ‬بمدينة‭ ‬طنجة‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬شوارع‭ ‬المدينة‭ ‬والمناطق‭ ‬التجاريَّة‭ ‬والسياحيَّة،‭ ‬بل‭ ‬تجاوزت‭ ‬ذلك‭ ‬لتغزو‭ ‬بوابات‭ ‬الإدارات‭ ‬العموميَّة‭ ‬والجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬نقاشًا‭ ‬واسعًا‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬المحلي‭.‬

حرَّاس‭ ‬السيارات‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬أصبحوا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬اليومي‭ ‬يمثلون‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬وقانونيَّة‭ ‬تتفاقم‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد،‭ ‬خاصّةً‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الأماكن‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬تمركز‭ ‬جديدة‭ ‬للنشاط‭ ‬غير‭ ‬المنظم‭.‬

ويرجع‭ ‬انتشار‭ ‬هَؤُلَاءِ‭ ‬الحراس‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬ظروف‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬واقتصاديَّة‭ ‬معقدة‭ ‬تشمل‭ ‬تفاقم‭ ‬الهجرة‭ ‬القرويَّة‭ ‬وزيادة‭ ‬معدلات‭ ‬الهدر‭ ‬المدرسي‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬دخل‭ ‬يومي‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭.‬

ومع‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬موسم،‭ ‬سواء‭ ‬موسم‭ ‬الدخول‭ ‬المدرسي‭ ‬أو‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفيَّة‭ ‬يزداد‭ ‬وجود‭ ‬حراس‭ ‬السيارات‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليميَّة‭ ‬والجامعيَّة‭ ‬والإدارات‭ ‬العموميَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يفرضون‭ ‬على‭ ‬السائقين‭ ‬دفع‭ ‬إتاوات‭ ‬مقابل‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بركن‭ ‬سياراتهم‭.‬

ويتسبب‭ ‬هَذَا‭ ‬‮«‬الغزو‮»‬‭ ‬في‭ ‬احتكاكات‭ ‬متكرّرة‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬مطالبين‭ ‬بدفع‭ ‬مبالغ‭ ‬مقابل‭ ‬استغلال‭ ‬مساحات‭ ‬عامة‭.‬

وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تتحوّل‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الاحتكاكات‭ ‬إلى‭ ‬شكاوى‭ ‬رسميَّة‭ ‬للسلطات‭ ‬الأمنيَّة‭ ‬ودعاوى‭ ‬قضائية‭.‬

وأثار‭ ‬الوجود‭ ‬الكثيف‭ ‬لحراس‭ ‬السيارات‭ ‬عند‭ ‬بوابات‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬استياء‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬والطلبة،‭ ‬خاصّةً‭ ‬أنَّ‭ ‬بعض‭ ‬هَؤُلَاءِ‭ ‬الحراس‭ ‬يعتمدون‭ ‬أساليب‭ ‬غير‭ ‬قانونيَّة‭ ‬مثل‭ ‬التهديد‭ ‬أو‭ ‬الانتقام‭ ‬عند‭ ‬رفض‭ ‬دفع‭ ‬الإتاوة‭. ‬هَذَا‭ ‬الوضع‭ ‬أضاف‭ ‬عبئًا‭ ‬نفسيًّا‭ ‬إضافيًّا‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬الَّتِي‭ ‬تخشى‭ ‬من‭ ‬تعريض‭ ‬سياراتها‭ ‬للتخريب‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬رفضت‭ ‬الامتثال‭ ‬لمطالب‭ ‬هَؤُلَاءِ‭ ‬الحراس‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التمركز‭ ‬عند‭ ‬مداخل‭ ‬الإدارات‭ ‬العموميَّة‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬باتوا‭ ‬يجدون‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬ولوج‭ ‬هَذِهِ‭ ‬المرافق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يواجهوا‭ ‬طلبات‭ ‬غير‭ ‬قانونيَّة‭. ‬وسبق‭ ‬لنشطاء‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬استنكروا‭ ‬هَذَا‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬حراس‭ ‬السيارات،‭ ‬واعتبروا‭ ‬أن‭ ‬صمت‭ ‬السلطات‭ ‬يُشجّع‭ ‬على‭ ‬تفاقم‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الظاهرة‭.‬

كما‭ ‬اعتبر‭ ‬بعضهم‭ ‬أن‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الممارسات‭ ‬تُمثّل‭ ‬انتهاكا‭ ‬صارخًا‭ ‬للقانون‭ ‬المغربي،‭ ‬حيث‭ ‬تدخل‭ ‬ضمن‭ ‬أعمال‭ ‬الابتزاز‭ ‬واحتلال‭ ‬الملك‭ ‬العام‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬سند‭ ‬قانوني،‭ ‬مشيرين‭ ‬إلى‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬مع‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الظاهرة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالإجراءات‭ ‬الصارمة‭ ‬المتخذة‭ ‬ضد‭ ‬باعة‭ ‬الخضر‭ ‬والفواكه‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭.‬

المتابعون‭ ‬للشأن‭ ‬المحلي،‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬حراس‭ ‬السيارات‭ ‬عند‭ ‬بوابات‭ ‬الإدارات‭ ‬والجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬ومطالبتهم‭ ‬المواطنين‭ ‬بمقابل‭ ‬مادي‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬صفة‭ ‬قانونيَّة‭ ‬يمثل‭ ‬جنحة‭ ‬نصب‭ ‬واحتيال‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬الجنائي‭.‬

ويعاقب‭ ‬القانون‭ ‬هَؤُلَاءِ‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الَّتِي‭ ‬يضبطون‭ ‬فيها‭ ‬سواء‭ ‬بشهادة‭ ‬الشهود‭ ‬أو‭ ‬التصوير،‭ ‬وتزداد‭ ‬العقوبة‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الممارسات‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالتهديد‭ ‬أو‭ ‬انتحال‭ ‬صفة‭ ‬رسميَّة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الحراس‭ ‬يعمدون‭ ‬إلى‭ ‬ارتداء‭ ‬سترات‭ ‬صفراء‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬شارات‭ ‬مزيفة‭ ‬للإيهام‭ ‬بشرعيَّة‭ ‬نشاطهم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُعدُّ‭ ‬تزويرا‭ ‬يعاقب‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هَذَا‭ ‬التوسع‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬لهَذِهِ‭ ‬الظاهرة،‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬حول‭ ‬مسؤولية‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬رقابة‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬وخاصّةً‭ ‬محيط‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحيويَّة‭. ‬معالجة‭ ‬هَذِهِ‭ ‬الإشكالية‭ ‬تتطلب‭ ‬توفير‭ ‬بدائل‭ ‬اقتصاديَّة‭ ‬للفئات‭ ‬المتضررة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬الرقابة‭ ‬القانونيَّة‭ ‬لضمان‭ ‬حماية‭ ‬المواطنين‭ ‬وممتلكاتهم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تجاوزات‭.‬

تابعنا على الفيسبوك